14 شهرًا عصيبة سبقت صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وطهران

على مدار عام كامل استمر مسؤولو الإدارة في إجراء مقابلات سرية مع نظرائهم الإيرانيين سعيا لتحرير الأميركيين المعتقلين في سجون إيران. وفجأة في الخريف الماضي طفت على السطح صفقة لإطلاق المعتقلين ولم يتبق سوى اعتمادها بشكل رسمي.
وصل الإيرانيون إلى جناح بفندق بمدينة جنيف لحضور آخر جلسة مباحثات سرية ومعهم مقترح جديد يصرون فيه على الإفراج عن العشرات من الإيرانيين المعتقلين في سجون الولايات المتحدة، مما عاد بالمفاوضات إلى نقطة الصفر بسبب طرحهم لمطالب قديمة كانت قد قوبلت بالرفض.
ذُهل الأميركان، وقال بريت ماكجيرغ، كبير المفاوضين الأميركيين: «لقد تحدثنا بالفعل في هذا الأمر». وحسب مسؤولين أميركيين على علم بما دار خلال الاجتماع، تبنى الإيرانيون موقفا متعنتا، وتغير شيء ما داخل إيران يتعلق بما تبقى من المعركة المستمرة بشأن كيفية التعامل مع الولايات المتحدة، فقد بدا أن شخصا ما في السلطة في إيران أراد للاتفاق ألا يتم.
ولذلك لملم ماكجيرغ وفريقه أوراقهم وغادروا غرفة الاجتماعات لينهوا الاجتماع بشكل مفاجئ. وكان الفريق المفاوض أمام ماكجيرغ ينتمي إلى جهة إيرانية أمنية لم يسبق لها التفاوض مع الفريق الأميركي مطلقا، ولم يتضمن الفريق مفاوضين من ذوي الحصافة وممن يجيدون التحدث بالإنجليزية مثل نظيريهما اللذين حضرا اللقاءات السابقة للتفاوض بشأن الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة على مدار عامين كاملين.
وفي النهاية جرى إتمام الاتفاق من قبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، محمد جواد ظريف. وبناء عليه أُطلقت إيران سراح خمسة أميركيين نهاية الأسبوع مقابل إطلاق الولايات المتحدة لسراح سبعة إيرانيين معتقلين بسجونها.
لكن الأمر استغرق 14 شهرا من المفاوضات المجهدة رافقها قدر من الدراما الدبلوماسية أوشكت في الكثير من مراحلها على الانهيار تزامنت من العام الأخير من مفاوضات الاتفاق النووي. عانت المفاوضات السرية من آثار تاريخ مرير، إذ ساوم المفاوضون الإيرانيون نظراءهم بتذكيرهم بعداوات قديمة مثل انقلاب عام 1953 الذي ساندته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والدعم الأميركي للعراق خلال حربه مع إيران في الثمانينات من القرن الماضي.
لم يكن المفاوضون الإيرانيون وحدهم من دخلوا في معارك شد وجذب مع مختلف الأطراف في حكومتهم للوصول إلى اتفاق، حيث دخلت إدارة الرئيس أوباما في جدال عنيف بشأن المقايضة على المعتقلين الإيرانيين وتحديد أسمائهم. فقد قوبل الأمر باعتراض من قبل النائبة العامة الأميركية لوريتا لينش، التي رفضت بشدة مبادلة أميركيين أبرياء جرى اعتقالهم لتحقيق مآرب سياسية لمقايضتهم مع مجرمين إيرانيين متهمين ومدانين بمقتضى القانون الغربي المعمول به.
وفى النهاية، قال مسؤولون إن الرئيس أوباما قرر أن ينقذ ما تبقى من أعمار، إن لم تكن حياة، المعتقلين الأميركيين المفترض أن يقضوها في السجن بإبرام ما أطلق عليه «صفقة لن تتكرر» للإفراج عن الإيرانيين المدانين بخرق الحظر المفروض على إيران، وهو الحظر الذي قرر أوباما رفعه بمقتضى الاتفاقية الموقعة مؤخرا بين البلدين.
وحتى هذه اللحظة شهدت خلافا في اللحظة الأخيرة في الطريق المؤدي إلى المطار ذكّر أحد المسؤولين الأميركيين بمشهد من فيلم «أرغو»، حيث رفضت السلطات الإيرانية مغادرة أم وزوجة أحد المعتقلين الأميركيين، جيسون رضائيان، مراسل صحيفة «لواشنطن بوست»، بصحبته.
وبعد إجراء جون كيري مكالمة هاتفية عاجلة مع نظيرة الإيراني، جرى التصريح للطائرة بالإقلاع من إيران بجميع ركاباها.
وبينما يحتفلون بإتمام الصفقة، تساءل أعضاء الحزب الجمهوري عن المقابل الذي دفعته الولايات المتحدة لإطلاق سراح الأميركيين. ووفق تصريح السيناتور تيد كروز عن ولاية تكساس والمرشح الرئاسي البارز الذي أدلى به لقناة «فوكس نيوز» الأحد الماضي: «أعتقد أن ما جرى كان أمرا خطيرا غير مسبوق». أضاف: «سوف يكون من نتائج ذلك التشجيع على اعتقال الأميركان. فإذا أردت إطلاق سراح إرهابيين من السجون، ما عليك إلا أن تخطف أميركيا، ويعتبر أوباما المسؤول عن إبرام تلك الصفقة». فتح أوباما قناة دبلوماسية للتفاوض سرا مع إيران لإطلاق سراح معتقليه، حتى في الوقت الذي كان يتفاوض فيه لإبرام اتفاق نووي معها. وكان ماكجيرغ، وهو من كبار مسؤولي الخارجية الأميركية الذي توسط في مغادرة رئيس الوزراء العراقي، كان قد جرى تكليفه في عام 2014 بقيادة المباحثات مع إيران. وشاركت سويسرا في المفاوضات، حيث تمثل المصالح الأميركية في طهران، وجلس فريق ماكجيرغ مع نظرائهم الإيرانيين في جنيف للمرة الأولي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014. وفق رواية الكثير من المسؤولين الأميركيين الذين اشترطوا عدم ذكر أسمائهم. تضمنت قائمة المقايضة المراسل الصحافي الأميركي رضائيان الذي ألقي القبض عليه في يوليو (تموز) 2014، وأمير حكمتي، ضابط البحرية الأميركية من ولاية ميتشغان الذي كان قد ألقي القبض عيه في أغسطس (آب) 2011 أثناء زيارته لأقاربه، وسعيد عابديني، قس من ولاية إيداهو معتقل منذ عام 2012. وتفاوض الأميركيون أيضا على إطلاق سراح نصرة الله خراساوي، رجل أعمال لم تعرف قضيته إعلاميا إلا هذا الأسبوع فقط.
وفي الوقت الذي استمر فيه الجانبان في عقد لقاءات كل شهر أو كل ستة أسابيع، فقد كان الوقت التي يختلفون فيها أكثر من الوقت الذي يقضونه في الاتفاق، استمر هذا الوضع حتى إبرام الاتفاق النووي في يوليو (تموز) الماضي. وبعد ذلك جاءت حالة الزخم رغبتا من الطرفين في الوصول لتسوية، وكان لتوسل الأميركان لمعاملة المعتقلين معاملة حسنة بعض النتائج الإيجابية.
ولتجنب الظهور بمظهر المستسلم أمام الأميركيين، اقترح الإيرانيون مقايضة المعتقلين مع نحو 40 شخص معتقلين ليس فقط في سجون الولايات المتحدة لكن في أماكن أخرى من العالم أيضا، وهو الأمر الذي رفضه الأميركيون فورا، لكنهم وضعوا في ذهنهم فكرة المقايضة.
أما في البيت الأبيض، وبخاصة في وزارة العدل، فكان بعض المسؤولين متخوفين من الخوض في هذا الاتجاه. ولم يكن مثل ما كان يجري أيام الحرب الباردة، عندما كان يجري مبادلة الجواسيس بالجواسيس. كان يجري احتجاز السيد رضائيان والآخرين ظلما، بحسب ما كان يرى السيد لينش وغيره من المسؤولين، ولهذا يجب الإفراج عنهم.
لم يقترح أحد الإفراج عن إرهابيين مدانين أو آخرين متهمين بجرائم عنيفة، لكن أوباما توصل إلى نتيجة مفادها أنه مستعد لمبادلة بعض الإيرانيين الذين كانوا مستهدفين في جرائم اقتصادية. وقدم الإيرانيون قائمة بـ19 اسما، وخضعت كل حالة من هؤلاء لمراجعة دقيقة من قبل قسم السيد لينش والوكالات الأخرى. وقلصت الاعتراضات على بعض الأسماء القائمة إلى إيراني واحد وستة إيرانيين - أميركيين متهمين أو مدانين بانتهاك العقوبات.
وعندما اجتمع كيري وظريف في 29 أكتوبر (تشرين الأول) على هامش المحادثات حول سوريا، بدا هناك تقارب بين الجانبين. وحدث الانهيار بعدها ببضعة أسابيع عندما اجتمع فريق السيد ماكغورك مجددا مع الفريق المناظر له، ما جعل بعض الأميركيين يتخوفون من انهيار هذا الجهد برمته. اجتمع السيد كيري بظريف على هامش جلسة محادثات أخرى متعلقة بسوريا في ديسمبر (كانون الأول) وتمكن الاثنان من إعادة التوافق من جديد.
حدثت الانفراجة في نفس الوقت الذي كان الإيرانيون يحرزون فيه تقدما سريعا في الامتثال ببنود الاتفاق النووي، من خلال تعطيل أحد مفاعلات اليورانيوم، وإيقاف أجهزة الطرد المركزية وشحن اليورانيوم المخصب خارج البلاد.
قال المسؤولون الأميركيون إن التوقيت لم يكن متعمدا، لكنه كان من نتائج تحسن العلاقات بين الجانبين اللذين شعر كل منهما في النهاية برغبة في إزاحة المسائل العالقة منذ وقت طويل. لكن ظلت بعض العقبات تهدد الاتفاق حتى اللحظة الأخيرة.
في ديسمبر (كانون الأول) أوقفت إيران ماثيو تريفيثيك، 30 عاما، وهو أميركي يدرس الفارسية في طهران. وبالنظر إلى وجود اتفاق في شبه المتناول، أبلغ الأميركيون الإيرانيين بأنهم يتوقعون الإفراج عنه، لكنهم لم يدرجوه في مفاوضاتهم لأنهم كانوا يخشون أن تطلب طهران عندئذ الإفراج عن مزيد من الإيرانيين.
بعد ذلك، وفي يوم الثلاثاء الماضي، ومع اقتراب الانتهاء من الاتفاق النووي واتفاق مبادلة السجناء، دخل اثنان من زوارق البحرية الأميركية بطريق الخطأ إلى المياه الإقليمية لإيران، وتم احتجاز 10 بحارة، فيما وصفه مسؤول أميركي بأنه «عاصفة مثالية». حذر مسؤولون أميركيون من أنه من الناحية السياسية، لن يستطيع الرئيس رفع العقوبات عن إيران إذا ظل البحارة رهن الاحتجاز.
أجرى كيري عدة اتصالات بظريف، وتم الإفراج عن البحارة في صباح اليوم التالي، وهو ما اعتبره الأميركيون إشارة على أن إيران تريد فعلا إتمام الاتفاقين. وبدأت وزارة الخارجية الاتصال بعائلات السجناء لطمأنتهم بأن المفاوضات تسير على ما يرام. وقرر الجانبان إعلان الاتفاق على مبادلة السجناء إلى جانب تنفيذ الاتفاق النووي. ورغم أن تريفيثيك لم يكن من الناحية الفنية جزءا من الاتفاق، فقد تم الإفراج عنه يوم السبت، وغادر البلد على الفور على متن إحدى الرحلات الجوية التجارية. واختار السيد خسروي البقاء في طهران بعد أن تأكد المسؤولون القنصليون السويسريون بأن هذا كان اختياره. أما الثلاثة الآخرون فقد تم نقلهم إلى المطار للمغادرة على متن طائرة سويسرية.
غير أنه حتى عند هذه اللحظة، استمرت 11 ساعة خلافية أخرى. كان بعض الخلاف يتعلق بصياغة الوثائق ذات الصلة بالاتفاق النووي التي أعاقت الإعلان عن الاتفاقين. وعند الساعة التاسعة مساء السبت في فيينا، التقى كيري في الفندق الذي يقيم به بالسيد ظريف ومندوبي الاتحاد الأوروبي وكان وزير الخارجية الفرنسي يتحدث إليه عبر هاتفه الخلوي. شغل كيري مكبر الصوت في هاتفه لكي يتمكن الكثير من المشاركين من طرح تعديلاتهم على الصياغة. وفي النهاية، وفي نحو الساعة 9:30 مساء، انتهت مشكلة الصياغة باتفاق الجميع.
وبعد أن أعلن ظريف والمبعوث الأوروبي عن الانتهاء من الاتفاق، تلقى السيد إخبارية من جنيف مفادها أن ثمة عقبة تعترض الإفراج عن السجناء الأميركيين الثلاثة المتبقين. وبلغه أن إيران لا تريد السماح لزوجة السيد رضائيان، يغانه صالحي، ووالدته، ماري، بالصعود إلى الطائرة.
اتصل كيري بظريف، بينما كان الأخير متوجها صوب المطار. قال له كيري: «جواد، انظر، هذا ضمن الاتفاق»، وهذا بحسب ما ذكره وزير الخارجية الأميركي للصحافيين على متن طائرته. وقال إن السيد ظريف كلف 4 أشخاص بحل المشكلة.
عند تلك اللحظة، كان هوس الانتظار قد تمكن من عائلات السجناء، واندفع الكثيرون منهم للسفر جوا إلى ألمانيا لمقابلة أقاربهم المحررين. وبدأ السيد أوباما بالاتصال بهم لطمأنتهم بما آلت إليه الأمور. اتصل الرئيس بسارة حكمتي، شقيقة السيد حكمتي، بينما كانت هي وزوجها، الدكتور رامي كردي، يتحركان بسيارتهما إلى مطار ديترويت. وفي وقت لاحق تلقت مكالمة من شقيقها. كانت أول كلماتها له: «هل أتحدث إلى رجل حر الآن». وقد كان بالفعل.
* خدمة: «نيويورك تايمز»