150 رئيس دولة وحكومة يبحثون سبل مواجهة تحديات المناخ في فرنسا

بدأت الأعمال التمهيدية لقمة الأرض الأكبر من نوعها، أمس، بإدارة أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، للاتفاق على «منهج للعمل»، فيما سيتم الافتتاح الرسمي صباح اليوم، مع اكتمال وصول 150 رئيس دولة وحكومة وممثلين للبلدان الـ195، إضافة للآلاف من ممثلي المنظمات العالمية والجمعيات وهيئات المجتمع المدني.
وسيكون أبرز المتكلمين اليوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والرئيس الأميركي باراك أوباما، ونظيراهما الروسي فلاديمير بوتين والصيني تشي جين بينغ، بجانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وفي ظل حالة الطوارئ المفروضة على فرنسا منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، يستضيف موقع «لوبورجيه» الواقع شمال باريس والمخصص أساسا لمعارض الطيران، والذي يحتضن مطارا تستخدمه عادة الشخصيات الرسمية، هذه القمة حتى 11 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسط حراسة أمنية يوفرها محليا نحو 3 آلاف رجل شرطة ودرك ومخابرات.
وقسم الموقع إلى عدة أقسام، أحدها مخصص للصحافيين الذين توافدوا بالآلاف من كل أنحاء العالم. وبحسب المكتب الإعلامي للأمم المتحدة فإن 3 آلاف صحافي تم اعتمادهم رسميا، فيما رفضت طلبات 2700 آخرين لعدم توافر المساحة الكافية. ويبلغ عدد أفراد البعثات الرسمية 10 آلاف شخص، فيما يبلغ عدد الخبراء وممثلي المجتمع المدني 10 آلاف، بحيث ينتظر وجود إجمالي 40 ألف شخص في موقع لوبورجيه.
ونظرا لفشل تجارب سابقة لقمم الأرض، ما زال الكثيرون ينظرون بكثير من التشكيك إلى ما سينتج عن قمة لوبورجيه التي تهدف وفق ما هو متعارف عليه إلى التوصل إلى «اتفاق عالمي ملزم»، بحيث لا يتعدى ارتفاع حرارة الأرض الدرجتين قياسا على ما كان عليه الحال في العصر ما قبل الصناعي. ويرى كثير من الخبراء عبر العالم أن المناخ هو «التحدي الأكبر» الذي سيواجهه العالم في القرن الحادي والعشرين. أما الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم حقيقة بخصوص خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فسيعني، وفق علماء البيئة، ارتفاع مستوى مياه البحار وغرق المئات من المدن الشاطئية عبر العالم وذوبان جبال الجليد في القطبين، وتمدد الصحراء، واختفاء العشرات من الأجناس الحيوانية وتهديد التوازن البيئوي. ويحذر المسؤولون من أن الفشل يعني التسبب بهجرات سكانية جماعية بعشرات الملايين من البلدان الحارة باتجاه الشمال وبالنزاعات والحروب.
وخلال الأشهر الـ11 المنصرمة، سعت باريس إلى تمهيد الطريق، وزار رئيسها ووزير خارجيته الدول المؤثرة وأولاها الأكثر تسببا بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مثل الولايات المتحدة، والصين، والهند، والبرازيل، من أجل التوصل معها إلى تفاهمات بخصوص ما تنوي القيام به طوعا. وحققت باريس في هذا السياق نجاحات مهمة مع التزامات قدمها الرئيس أوباما وكذلك الصين والهند.
من جهتها، التزمت قمة الكومنولث، التي انعقدت في فاليتا، عاصمة جزيرة مالطا، السبت الماضي، بالتوصل إلى اتفاق «طموح وملزم قانونا». وتضم المنظمة 53 بلدا تمثل ثلث سكان العالم، ومن بينها بلدان مؤثرة على قمة الأرض، مثل الهند وبريطانيا وكندا، إضافة إلى بلدان صغيرة تشعر بالتهديد البيئوي مثل جزر المالديف. وجاء في بيان فاليتا أن المجتمعين «يشعرون بالقلق الشديد» من التهديدات التي تطأ بثقلها على المناخ و«تلتزم بالعمل من أجل أن تفضي قمة الأرض إلى اتفاق دائم، طموح، متوازن وقائم على قواعد محددة، مما يعني أن يكون ملزما قانونا». وبرأي قادة البلدان الـ53، فإن اتفاقا من هذا النوع «من شأنه أن يضع الأسرة الدولية على الطريق القويم لتطوير اقتصادات أقل تسببا في التلوث وأكثر قدرة على مقاومة التغيرات المناخية».
أما كريستيانا فيغيريس، مسؤولة المناخ في منظمة الأمم المتحدة وبالتالي المسؤولة المباشرة عن القمة، فقد أعلنت «إننا قادرون كبشر، ورغم الاختلافات، على توحيد الجهود وإظهار أن باستطاعتنا مواجهة التحدي (البيئوي) معا». وكانت فيغيريس قد تسلمت عريضة وقعها 1.8 مليون مواطن عبر العالم من كل الأديان للمطالبة بـ«العدالة المناخية».
والسؤال الذي تطرحه مختلف الجهات في أول أيام القمة هو: هل ستكون القمة بمستوى الآمال المعلقة عليها؟ يرى لوران فابيوس بهذا الصدد أن «الشروط الضرورية لنجاحها أصبحت متوافرة لكن لا شيء مؤكد سلفا». وبحسب فابيوس، فإن الـ183 بلدا التي هي مسؤولة عن 95 في المائة من انبعاث غازات الاحتباس الحراري تقدمت بالتزامات بخفضها بالأرقام. لكن الأمين العام للأمم المتحدة بدا أكثر تحفظا عندما دعا أول من أمس بلدان العالم لإيجاد «أرضية للتوافق»، معتبرا أنه «ليس هناك اتفاق مثالي».
ويبقى الهدف الأبعد لدول العالم الرائدة في محاربة التغير المناخي وما يستتبعه من كوارث بيئية وبشرية، هو التوصل إلى وقف نهائي لغازات الاحتباس الحراري مع نهاية هذا القرن. وتسعى هذه الدول إلى خفض هذه الغازات بنسبة تتراوح ما بين 40 و70 في المائة بحلول عام 2050، قياسا على ما كانت عليه في عام 2010، على أن تتوقف نهائيا في عام 2100.
إلى ذلك، يهدف المجتمعون اليوم بالدرجة الأولى لتلافي تكرار تجربة قمة الأرض في كوبنهاغن لعام 2009، والتي كانت رمزا للفشل. لكن فيغيريس ترى أنه «لا مقارنة ممكنة بين ما حصل في كوبنهاغن وما سيحصل في باريس»، لأن العالم أدرك أهمية مواجهة التغيرات المناخية، خصوصا أن الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر مصدرين لانبعاث الغازات الحرارية، متفقتان اليوم على العمل معا. فضلا عن أن الرئيس أوباما عاد بأميركا للاهتمام مجددا بالمسألة المناخية، فيما قدّمت الصين للمرة الأولى ورقة عمل دقيقة بالتزاماتها. ويرى الخبراء أن قبول الصين، المسؤولة عن 25 في المائة من غازات الاحتباس الحراري، والولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الثانية، يليها الاتحاد الأوروبي والهند، من شأنه مضاعفة فرص نجاح القمّة.
ومنذ قمة عام 2011، تم التفاهم على أن تشهد القمة الحالية في لوبورجيه ولادة الاتفاق الموعود. ولذا، فإن اليوم الأول من القمة غرضه توفير «الدعم السياسي» من أجل تسهيل المساومات التقنية اللاحقة بين مجموعات التفاوض على أساس المساهمات الطوعية التي قدمت قبل القمة، رغم أن هذه المسامات «غير كافية» لبلوغ هدف ارتفاع الحرارة بنسبة درجتين. وبين التقدم الذي أحرز والاستفادة من التجارب السابقة، فإن الصعوبات ما زالت عديدة، وأولاها توزيع الجهود والأعباء بين الدول الصناعية والدول الناشئة، والدول في طور النمو. وثمة اتهامات وشكوك بأن الدول الصناعية تسعى للتهرب من مسؤولياتها التاريخية، وتحميل الدول الناشئة وفي طور النمو العبء الأكبر. يضاف إلى ذلك موضوع توفير الرقابة على تنفيذ الالتزامات المعلنة، خصوصا الجوانب المالية والتزام الدول الغنية بمساعدة الدول الأقل نموا على توفير التقنيات الجديدة، ومنها تقنيات الطاقة المتجددة.
وتفيد الأرقام المتوافرة بأن ربع غازات الاحتباس الحراري ناتج عن النشاطات الزراعية واقتلاع الأشجار، خصوصا في الغابات الأمازونية، فيما تنبع الأرباع الثلاثة المتبقية عن طريق استهلاك الفحم الحجري والغاز والنفط ومشتقاته. ولذا، فإن إحدى الطرق المرسومة تكمن في خفض استهلاك الطاقة العضوية، والاستعاضة عنها بالطاقة البديلة المتجددة غير الملوثة، مثل الطاقة الشمسية أو الهوائية أو الناتجة عن استخدام طاقة أمواج البحار والمحيطات. ولذا، فإن الدول العربية المنتجة للنفط معنية بالدرجة الأولى بقمة المناخ.