اجتماع وزاري لـ«النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية غاب عنه كيري وهاموند

حدثان هامان متصلان بالحرب على سوريا، استضافتهما العاصمة الفرنسية أمس: الأول، لقاء القمة بين الرئيس فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عصرا، ثم اجتماع وزاري لمجموعة من دول «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية «فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والأردن وتركيا»، فيما استبعدت روسيا وإيران عن الاجتماع كونهما لا ينتميان إلى المجموعة المذكورة. وحتى عصر أمس، لم تكشف الخارجية الفرنسية عن أسماء الوزراء المشاركين كما أنها اختارت إبعاد الاجتماع عن الأضواء لأسباب مكتومة. لكن علم أن وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لم يحضرا «لأسباب لها علاقة بأجندة كل منهما»، وفق ما قاله مصدر دبلوماسي فرنسي لـ«الشرق الأوسط». وامتنع المصدر المشار إليه عن إعطاء تفسير لهذا التغيب وما إذا كانت له خلفيات سياسية كالتحفظ الأميركي مثلا على المبادرة الفرنسية متعددة الأضلع التي أطلقها الوزير فابيوس يوم الجمعة الماضي.
وكان الوزير الفرنسي قد «استدعى» المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى باريس للتشاور معه، كما أعلن عن تقديم مشروع قرار فرنسي أوروبي إلى مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع لإدانة ومنع النظام السوري من استخدام البراميل المتفجرة، وكذلك الدعوة إلى الاجتماع الوزاري الذي التأم أمس في إطار «عشاء عمل» في الخارجية الفرنسية.
ثمة قناعة عامة في العاصمة الفرنسية أن باريس سعت، من خلال التنظيم المستعجل للقاء، إلى اللحاق بركب المفاوضات الحالية في فيينا بين واشنطن وموسكو بشكل أساسي يضاف إليهما المملكة السعودية وتركيا فيما غيب الدور الأوروبي وفي مقدمته الدور الفرنسي. ولذا، فإن أكثرية المحللين في الداخل والخارج ترى في المبادرة الفرنسية محاولة لاستعادة «دور مسلوب» ورغبة في عدم إتاحة الفرصة للقوتين الكبريين «روسيا والولايات المتحدة» في الاتفاق فيما بينهما ثم فرض تفاهمهما على الآخرين. ومؤخرا أصبح التواصل بين الوزيرين كيري ولافروف يوميا. وقلق باريس أن يظهر الوزير الأميركي «ليونة زائدة» في التعاطي مع الأفكار الروسية التي لباريس تحفظات عليها. كذلك فإن اللافت أن الحراك الدبلوماسي في مختلف أشكاله إن في باريس أم في فيينا، يتم في ظل تغييب تام للطرف السوري أكان نظاما أم معارضة بحيث يفاوض عنه الآخرون بالوكالة.
وفي بيان مقتضب صدر عن الخارجية الفرنسية ظهر أمس، جاء أن الوزير فابيوس «سيستقبل حول عشاء عمل الشركاء الرئيسيين المنخرطين إلى جانب فرنسا في (البحث) عن حل للأزمة السورية»، يليه تعداد الدول الحاضرة. والمهم في العبارة أن فرنسا وضعت نفسها في وسط الدائرة بحيث تلتف حولها الأطراف الأخرى المؤثرة على الحرب في سوريا. وجاء في البيان أيضا أن المجتمعين «سيبحثون في الوسائل اللازمة من أجل إطلاق عملية الانتقال السياسية وصولا إلى سوريا موحدة وديمقراطية تحترم جميع الطوائف وكذلك تعزيز العمل في الحرب على الإرهاب».
غير أن أوساطا دبلوماسية في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، رجحت أن تكون باريس في صدد تكرار الدور الذي لعبته في المفاوضات الخاصة بالملف النووي الإيراني، حيث التزمت التشدد ونصبت نفسها حارسة لـ«الخطوط الحمراء» التي لا يتعين تجاوزها من أجل منع طهران من التحول إلى قوة نووية. وفي الملف السوري، تتمسك باريس التي تستقبل منتصف الشهر القادم الرئيس حسن روحاني في زيارة رسمية، بكثير من الشروط لضم إيران إلى طاولة التفاوض، وتعيد التأكيد أن طهران «لم تصدر عنها المؤشرات التي تسمح بالقول إنها تريد أن تلعب دورا إيجابيا في إيجاد حلول سياسية لأزمات الشرق الأوسط المشتعلة».
وبذلك تكون باريس الأقرب إلى موقف الرياض التي تفرض، هي الأخرى، شروطها لإدخال طهران في اللعبة السياسية رغم اعتراف واشنطن والأمم المتحدة وكثير من البلدان الأوروبية، بأن لـ«إيران دورا» بسبب قدرتها على التأثير على النظام السوري بفعل الدعم اللامحدود الذي تقدمه له منذ بداية الأزمة السورية.
وترى الأوساط الدبلوماسية المشار إليها أن باريس «تريد تجميع أوروبا وراءها» بعد ما ظهر من تمايزات في المواقف الأوروبية تجاه النظام السوري والحاجة إلى العمل معه من أجل موضوعين اثنين يهمان القارة القديمة، وهما الإرهاب والهجرات الكثيفة للسوريين باتجاه بلدان الاتحاد. وقالت أوساط مقربة من الوزير فابيوس إنه «من الضروري الوصول إلى مواقف أوروبية موحدة لتشكيل رافعة تسمح بالدخول إلى المفاوضات والتأثير عليها». وفي هذا السياق، تبرز أهمية القمة التي جمعت ميركل وهولاند قبل عشاء العمل الوزاري، والتي قال الإليزيه عنها إنها ستركز على موضوعي الحل في سوريا والهجرة الكثيفة إلى أوروبا.
ويبدو أن ألمانيا تراجعت إلى الوراء فيما خص الموقف من الأسد إذ كان لافتا التصريح الذي صدر الاثنين عن الناطق باسم الخارجية الألمانية مارتن شيفر، الذي أعلن أنه «لا يمكننا تخيل أن يكون الأسد جزءا من حكومة انتقالية بسلطات كاملة»، مضيفًا أنه «مسؤول عن جرائم وسلوكيات وحشية في الحرب في سوريا خلال الأربعة أعوام ونصف الماضية».
أما بالنسبة لـ«الأفكار» الروسية، فإن باريس تنظر إليها عبر ميزان بيان «جنيف 1» الصادر صيف عام 2012 وخصوصا الفقرة التي تتحدث عن قيام «سلطة انتقالية» تعود إليها كل الصلاحيات التنفيذية. وترفض فرنسا أن يلعب الأسد دورا بعد قيام هذه السلطة. فضلا عن ذلك فإنها «تتحفظ» على مبدأ الانتخابات التشريعية والرئاسية التي لا يمكن أن تقوم في ظل الظروف الراهنة ولا في ظل الحكومة الحالية، ناهيك بأنها ترفض لروسيا أن تقوم بدور الخصم والحكم في آن واحد.
وأخيرًا، فإن باريس ليست واثقة من الأهداف الروسية الحقيقية في سوريا ولا من استعداد الأسد للاستجابة لما يطلبه منه حليفه الروسي. ولعل ما يزيد من حذر باريس، ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة السورية أمس وفيه اعتبر الأسد، أنه «لا يمكن تنفيذ أي مبادرة أو أفكار أو ضمان نجاحها إلا بعد القضاء على الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد»
. ويرى الجانب الفرنسي أنها «رسالة» موجهة بالدرجة الأولى إلى موسكو كما أنها عودة بالملف إلى المربع الأول، حيث دأب النظام على جعل دحر الإرهاب شرطا لا محيد عنه للسير في العملية السياسية وهو ما أجهض مؤتمر «جنيف - 2».