تجليات متتالية في تسويق الإرهاب و«أسطرة» القتلة

على أنغام أغنية تقول كلماتها «أجاكم بالطبر والسيف عزرائيل.. إلا طحين»، تبدأ اللعبة الإلكترونية بوجود شخصيتين أمام تنور الخبز، يجلس بالجوار رجل يحتسي الشاي، بهيئة مصارع روماني حليق الشعر، ذو لحية كثيفة، وجسم رياضي ممتلئ. يطلب منه أحد الخبازين طحينا؛ ينطلق المصارع ليجد شخصا أفغاني الهيئة، ينهال عليه ضربا، ثم يحضره إلى الخباز، بعد أن جعله طحينا. بكل بساطة بالإمكان تحميل اللعبة من أحد متاجر الهواتف الذكية.
بطل اللعبة ذو اللحية الكثيفة يعرف بـ«أبو عزرائيل» حركيا و«أيوب» حقيقةً، و«أيوب» هذا أحد أشهر الإرهابيين في العراق، ويعمل تحت مظلة ما يعرف بـ«الحشد الشعبي». والطحين هي «اللازمة» التي يرددها في مقاطع الفيديو التي يظهر فيها بصيغة تهديدية «إلا طحين»، وباتت وسمًا يشارك فيه محبو هذا القاتل حتى من إسبانيا والهند.
الحال أن هذا الجلاد الذي ظهر في أحد المقاطع وهو يحرق رجلا ويقطع لحمه بالسيف مرة، متوعدا خصومه الذين يصفهم بـ«أولاد هند»، بكل ما تحمله الصفة من رمزية العداء والوعيد بدوافع مذهبية؛ الحال أنه بشكل من الأشكال بات أيقونة القتل والطائفية المضادة، في حالة رد الإرهاب بالإرهاب التي يعيشها العراق.
على طريقة «أبو مصعب الزرقاوي»، يتكئ هذا القاتل في تسويق نفسه على «كاريزماه» الشخصية، بنية ضخمة قوية، نظرات وابتسامة سينمائية، سيف في يده اليمنى، بندقيته على كتفه، وقليل من الفكاهة.
هذه الصفات تجعل منه رمزا يُتغنى به «بو عزرائيل ما يقاس بالطق، روحه للوطن قدم هدية»، كما تقول إحداها.
لم يقف الحد عند الألعاب الإلكترونية ومقاطع الـ«يوتيوب»، ومواقع التواصل الاجتماعي لأسطرة هذه الشخصية، بل يشارك الإعلام العراقي في هذه الحملة الدعائية.
على قناة «هنا بغداد» ظهر أبو عزرائيل على الشاشة في برنامج «لقاء خاص» - اسم البرنامج كفيل بخلق الهالة والزخم اللازم دعائيا أصلا - يظهر أبو عزرائيل مرتديا بزة عسكرية، ووشاحًا مكتوب عليه «يا حسين» وفي خاصرته سكين وقنبلة يدوية.
بصفة المجاهد الذي يفاخر بلغته الفارسية، وصاحب السيرة الذاتية التي بدأت منذ غزو العراق ابتداءً بجيش الإمام الحجة مع الأميركان كما يقول، ثم العصائب، ثم حزب الله أخيرا، يتحدث بكل فخر عن حرق البعض وتصفيتهم، وكرجل صاحب نكتة، يتبادل النكات مع مقدم البرنامج. يأخذ الفرصة كاملة لشرح معتقداته وتبرير أفعاله فيما يقرب من الساعة، في مشهد دعائي ممجوج.
لكن اللحظة التي تختزل المشهد العبثي في العراق، كانت حين سأله مقدم البرنامج عن إمكانية أن يصبح رئيسا للوزراء، مؤكدا أن من سبقه إلى كرسي الرئاسة ليس بأحسن منه، يجيب الرجل بخجل إنه لا يمانع، لكنها مهمة صعبة، في ظل وجود بطانة تصعب عليه مهام هذا العمل!
قناة «العالم» الطائفية شاركت بدورها في تسويق أسطورة «أبو عزرائيل»، حين عرضت تقريرا تلفزيونيا من دقيقتين بعنوان «تعرف على أبو عزرائيل» الكابوس الذي أرعب «داعش» قالت فيه إنه بحسب العراقيين البطل الوطني الذي يتطلع إليه للخلاص من الجماعات التكفيرية.
ليس الإعلام «العراق إيراني» وحده، الغريب أن المرجعية الدينية الشيعية في العراق كرمته ومنحته وسامها من كربلاء المقدسة، في مشهد بثته «قناة العالم» مرة أخرى، نيل هذا الوسام قال عنه أبو عزرائيل في صفحته على «فيسبوك» إنه «ثمار الجهاد ومقاومة الظالمين.. وفي حرم أبا الأحرار شرف ما بعده شرف» في مقابل هذا النموذج العراقي الفج في أسطرة القتلة، ثمة نموذج (المقاومة) على طريقة حزب الله اللبناني. لكن بأدوات القاعدة وعلى طريقة «داعش».
في هذا النموذج يخاطب الحزب الجماهير بنزعة عاطفية صرفة، متخذا من وسامة «مهدي ياغي» وابتسامته الساحرة أداة لتسويق حربه المقدسة في سوريا.
وياغي هو أحد مقاتلي حزب الله الذين قتلوا في سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) من 2013م، ونشر الحزب مقطعا مصورا له وهو يلقي وصيته، بذات الطريقة التي ينشر فيها تنظيم داعش الإرهابي والقاعدة مقاطع انتحارييهم وقتلاهم، بغرض الحصول على مزيد من الدعم والتعاطف.
والمثير في قصة «ياغي» هو أن تقوم صحيفة لبنانية رسمية للترويج لمقتله، وتجميله كما فعلت صحيفة «الأخبار» حين قالت عنه في مقال نشرته بتاريخ (5 / 10 / 2013 م): «ليس مهدي أول أو آخر شهيد للحزب، لكنّ سحرًا ما قاد هذا الجمهور إليه إن صحّ التعبير. لعل ملامحه الوسيمة والجذابة، وعفويته اللامتناهية، شكّلت أرضيةً خصبةً لمرور هذا التماثل مع ياغي إلى حدّ الالتصاق والانصهار وصولاً إلى أن البعض تمنّى الالتحاق به وحقّر وجوده على الأرض بعيدًا عن ركب الشهداء»
وتضيف الصحيفة في نص رومانسي دعائي كُتب بعناية: «بل أرّخت معها قصة شاب مقتنع بالدرب الذي سلكه من دون خوف ولا تراجع. كذلك سيّرت معها عقول كثيرين من أبناء جيله ووجدان كل منهم، حتى بدا الخروج عن هذا المشهد كالظهور بصورة المتخاذل أو اللامبالي، فقيل له «أجمل حلم أنت، أنت العمر كله، وما أضيق العيش دونك». مشاهد السبع دقائق إذا أخرجت قطعة «الكريستال» من بين أقرانها، لتسرق الأضواء وتشعّ وحدها في الميدان فكان.. مهدي ياغي.
ما الفرق إذا بين «أبو عزرائيل» و«مهدي وياغي» من جانب و«أبو مصعب الزرقاوي» و«محمد اموازي» - ذبّاح داعش - من جانب آخر، لولا هذا الكرم الدعائي المباشر، بلا رمزية ولا تشفير؟
لعله الشيء الوحيد الذي يُحسد عليه القتلة من حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، من قبل القتلة الآخرين في «داعش» و«القاعدة».