السعودية قاومت ضغوطًا أميركية لكشف دور إيران وأصرت على «مهنية» التحقيقات

يعود انفجار مجمع «أبراج الخبر»، وهو مجمع سكني مؤلف من ثمانية طوابق، كان يقطنه وقتها أكثر ألفي عسكري من القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية، وحتى السعودية، إلى مساء الخامس والعشرين من يونيو (حزيران) من عام 1996، عندما انفجر صهريج محّمل بالمتفجرات، قبيل الساعة العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي.
سبق هذا التفجير، بنحو سبعة أشهر، أي في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1995، وقوع انفجار استهدف مكاتب البعثة العسكرية الأميركية في الرياض، وأسفر عن مقتل خمسة أميركيين وهنديين وجرح 60 آخرين.
وكانت البعثة الأميركية في المجمع السكني بالخبر هي المستهدف الرئيسي في الهجوم، حيث كانت تتمركز تحديدًا في المبنى رقم 131 المكون من ثمانية طوابق، الذي كان يقطنه أفراد القوة الجوية الأميركية، وكانت مهمة هذه الوحدة الإشراف على تطبيق قرار حظر الطيران في جنوب العراق، وهو القرار الذي فرضه مجلس الأمن الدولي عند نهاية حرب الخليج الأولى، ويستند قرار الحظر الجوي الذي تقدمت به الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وفرنسا إلى قرار مجلس الأمن رقم 688 لإنشاء مناطق الحظر في الشمال والجنوب. وتم فرض الحظر في جنوب العراق في أغسطس (آب) 1992، لحماية المدنيين في الجنوب من هجمات القوات العراقية.
في مذكراته، يروي لويس فريه الرئيس السابق لمكتب «إف بي آي» الأميركي، التفاصيل الأولى لهذه العملية، بالقول، إن سائق الصهريج المفخخ كان هو السعودي أحمد إبراهيم المغسل، حيث أوقف المغسل وكان يرافقه (بحسب لويس فريه) علي الحوري، الصهريج في الزاوية البعيدة لموقف السيارات الملاصق للمبنى المستهدف في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران «بجوار السياج، تمامًا أمام الحائط الشمالي من البناء 131»، ثم قفزا من الصهريج إلى سيارة من طراز «كابرس شيفروليه» كانت تنتظرهما، تبعتها (والكلام لفريه) «سيارة من نوع (داتسن) يقودها هاني الصايغ» مهدت الطريق لدخول الصهريج إلى المكان.
يلاحظ لويس فريه في مذكراته أن السرعة في تنفيذ هذا الهجوم، كان السبب الرئيسي في تقليل عدد الضحايا، رغم أن عدد القتلى وصل إلى 19 عسكريًا أميركيًا، وجرح 372 آخرين، كما أصيب العشرات من جنسيات متعددة، فهو يشير في مذكراته إلى أن بسبب السرعة «أوقف السائق الصهريج عموديًا مع البناء 131، ولو أوقفه متوازيًا، ووزعت قوة الانفجار على طول واجهة أوسع، فلربما نجم عنه تدمير البناء وخسارة أعظم في الأرواح»، وبالتالي فإن هذا الخطأ أدى لتجنب وقوع كارثة.
سبب آخر أدى لتقليص عدد الضحايا، يشير لويس فريه إلى أن الرقيب الأميركي ألفيردو غيرورو الذي كان يقوم بمهمة الحراسة من على سطح البناء 131 أطلق جرس الإنذار عندما رأى السائق والراكب ينزلان من الصهريج، والسيارتين تنطلقان مسرعتين، «وقد أخلى الرقيب القسم الأكبر في طابقين عندما انفجر الصهريج مخلفًا حفرة عمقها 35 قدمًا وعرضها 185 قدمًا ومدمرًا الواجهة الشمالية من البناء تمامًا».
من أين جاء الصهريج وأين تم تفخيخه..؟ يلاحظ هنا تباين بين رواية لويس فريه الرئيس السابق لمكتب «إف بي آي» ومصادر قضائية أميركية، فلويس يقول إن الصهريج تم شراؤه بملغ 75 ألف ريال من وكيل محلي شرق السعودية، وتم تفخيخه في مزرعة محلية، و«تم تجهيزه بنحو خمسة آلاف باوند من المتفجرات بحيث أصبح قنبلة ضخمة»، إلا أن قاضيًا اتحاديًا أميركيًا حكم في عام 2006 على إيران بدفع تعويضات قدرها 254 مليون دولار أميركي لعائلات 17 جنديا أميركيا قتلوا في الهجوم، قال في الحكم الذي جاء في 209 صفحات إن الصهريج المفخخ الذي استخدم في الهجوم تم تجهيزه في قاعدة في سهل البقاع اللبناني.

إيران وأميركا

خصصت الولايات المتحدة أكثر من 100 محقق أميركي لسبر أغوار قضية تفجير الخبر، وتوضح التقارير والمذكرات الأميركية، وحتى شهادات مسؤولين أمنيين أميركيين أمام الكونغرس أو في الصحافة، أن الحكومة السعودية (قاومت) منذ اللحظات الأولى المساعي الأميركية لإثبات أي علاقة (مفترضة) للحكومة الإيرانية بحادثة التفجير.
ويروي لويس فريه الرئيس السابق لمكتب «إف بي آي» الأميركي في مذكراته، أن السعوديين لم يقاوموا فقط الزج باسم إيران في القضية، دون أي إثبات حقيقي وملموس، بل إنهم أيضًا منعوا المحققين الأميركيين من مقابلة المقبوض عليهم أو استجوابهم بشكل مباشر، ووافقوا على نقل أسئلة وضعها المحققون إلى الموقوفين السعوديين، يقول فريه: «اقترح ولي العهد (في ذلك الوقت) الملك عبد الله حلاً وسطًا، يمكن موظفينا من تقديم الأسئلة إلى موظفين سعوديين يقومون بدورهم بإعطائها إلى المشتبه بهم، ويمكن لعملائنا متابعة الأجوبة مباشرة».
وفي 22 يونيو 2006 قال ولي العهد السابق الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع: «ليس من حق الأميركيين اتخاذ أي إجراءات في قضية انفجار الخبر لأن السعودية هي وحدها صاحبة الحق في القيام بذلك». سبق هذا الكلام بيوم إعلان وزير العدل الأميركي جون آشكروفت أن هناك متهمين عددهم 13 وهم أعضاء في حزب الله السعودي المقرب من إيران، قاموا بتنفيذ الهجوم على المجمع في الخبر.
وبالطبع فقد أعلنت إيران رفضها اتهامات الولايات المتحدة لها بالضلوع في تفجير الخبر، وقالت إن هذه الاتهامات استمرار لما وصفته بـ«سياسة واشنطن العدائية تجاه طهران».
وفي حين حملت قائمة أميركية أسماء متهمين قالت إنهم مسؤولون عن تفجير الخبر، وهم: أحمد إبراهيم المغسل، وإبراهيم صالح اليعقوب، وعبد الكريم حسين الناصر، واتهمت مسؤولين أمنيين إيرانيين بالمساعدة على تنفيذ الهجوم، وسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالية والبيت الأبيض أن أعلنا قائمة تضم 22 متهمًا بارتكاب أخطر الهجمات ضد الولايات المتحدة وذلك بعد تفجيرات سبتمبر 2001، وضمت إلى جانب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخليفته أيمن الظواهري، ورمزي ابن الشيبة، وأبو غيث الكويتي، وغيرهم من المسؤولين عن تنفيذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن 2001، وضمت كذلك أحمد إبراهيم المغسل، وإبراهيم صالح اليعقوب، وعبد الكريم حسين الناصر المتهمين بتفجيرات الخبر.
وفي يونيو 2001، اتهمت محكمة فيدرالية أميركية 14 شخصا بالمشاركة في تفجيرات الخبر. وبحسب وزارة العدل الأميركية فإن 13 من أفراد الخلية هم عناصر في حزب الله فرع الخليج المدعوم مباشرة من إيران، في حين أن الشخص الأخير ينتمي إلى حزب الله اللبناني. وزير العدل في حينها جون اشكروفت قال إن قرار المحاكمة يؤكد دور إيران الرسمي في التفجيرات عبر دعم ومساندة وتوجيه أفراد حزب الله الخليجي، إلا أنه لم ترد بلائحة الاتهام الأميركية أسماء أي عناصر بالحكومة الإيرانية، كما لم يرد بها اتهام محدد تجاههم.