التخلص من أوزيل كان أهم قرار اتخذه أرتيتا في ولايته مع آرسنال

بالطبع لا توجد أي علاقة - فقط من قبيل الصدفة - في حقيقة أن الأندية الثلاثة التي تتصدر جدول الترتيب في الدوريات الثلاثة الأولى في أوروبا في الوقت الحالي هي التي تخلصت من المهاجم الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ! لقد استغنى كل من آرسنال وبرشلونة وبوروسيا دورتموند عن خدمات أوباميانغ، وإن كان بوروسيا دورتموند قد فعل ذلك الأمر منذ وقت طويل. ورغم أن هذه مجرد مصادفة، فقد يكون من المنطقي في هذه المرحلة من المسيرة الكروية للمهاجم الغابوني، وفي رياضة تسعى دائماً لتحقيق النجاحات من خلال الاهتمام بالفوارق الهامشية البسيطة، أن يبدأ وكيل أعماله في تسويقه على هذا الأساس، بعدما أدرك أن التخلص من اللاعب كانت له فوائد لا يمكن إنكارها!
إننا نتحدث هنا عن لاعب لا يجب أن يُعامل باعتباره لاعباً أساسياً في فريق، وإنما عن لاعب يمكن تشبيهه بالماعز الذي كان الإغريق القدامى يأخذونه في المعركة لتقديمه قرباناً من أجل ترضية الآلهة، لأنه ما إن يتم إبعاده عن أي فريق حتى يستفيق هذا الفريق ويتصدر جدول ترتيب الدوري في البلد الذي يلعب فيه! إن الأندية الثلاثة التي رحل عنها أوباميانغ تصدرت جدول ترتيب الدوري في بلدانها خلال الفترة بين نوفمبر (تشرين الثاني) ومارس (آذار)، بينما كان هو ينشر صوراً له وهو يتناول العشاء في دبي!
لكن هناك نقطة مهمة يجب الإشارة إليها هنا، وهي أن هناك بعض النجوم الذين يؤدي وجودهم إلى تدمير الفرق التي يلعبون لها، وبالتالي فإن التخلص من هؤلاء اللاعبين لا يقل أهمية على الإطلاق من التعاقد مع لاعبين جدد، والدليل على ذلك أن نادي مانشستر يونايتد ظل يعاني لسنوات رغم وجود العديد من النجوم صاحبة الأسماء الكبيرة في عالم كرة القدم، وما إن تخلص منها حتى بدأ يعود إلى تقديم مستويات جيدة. بالإضافة إلى ذلك، يعد المثال الأكثر وضوحاً على ذلك هو نادي آرسنال، حيث يعود جزء كبير من نجاح المدير الفني الإسباني الشاب ميكيل أرتيتا إلى قدرته على التخلص من بعض اللاعبين الذين لم يكونوا يقومون بما يتعين عليهم القيام به من أجل مصلحة الفريق. ويمكن القول إن أهم قرار اتخذه أرتيتا في ولايته هو التخلص من اللاعب الألماني مسعود أوزيل.
ومع اعتزال أوزيل كرة القدم هذا الأسبوع، يجب الإشارة إلى أن أوزيل يشبه أوباميانغ كثيراً في هذا الصدد، فبعدما تخلص آرسنال من أوزيل تمكن من بناء فريق شاب جديد ويتصدر الآن جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق ثماني نقاط كاملة عن أقرب منافسيه مانشستر سيتي. والآن، يجني أرتيتا ثمار اعتماده على لاعبين شباب لديهم حماس هائل لتقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر. لقد تعرض أوزيل لانتقادات لاذعة، وأثار حالة كبيرة من الجدل، وكان هناك من يراه شخصاً مخادعاً، وهناك من يراه لاعباً عبقرياً أسيئ فهمه ولم تساعده الظروف على تقديم أفضل ما لديه.
لقد كان هناك عدد قليل من لاعبي كرة القدم المثيرين للانقسام خلال العقد الماضي، أو على الأقل عدد من اللاعبين الذين بدا وكأنهم يمثلون حقبة فاشلة بشكل كبير. وكان يتم النظر لمعظم مسيرة أوزيل مع آرسنال على أنها رمز لنهاية عصر المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر وسلسلة متوالية من النتائج المخيبة للآمال. ويمكن الآن تقسيم مسيرة أوزيل مع آرسنال إلى ثلاث فترات: المرحلة الأولى المخيبة للآمال، ثم المرحلة الثانية المخيبة للآمال، ثم المرحلة الثالثة المخيبة للآمال بشكل استثنائي، عندما حصل على 60 مليون جنيه إسترليني على مدى ثلاث سنوات، سجل خلالها هدفاً واحداً خارج ملعب فريقه! ومع ذلك، فإن أوزيل نفسه هو الذي اختار أن يكون غير فعال بطريقة ما، وألا يستغل الموهبة الطبيعية التي منحها له الله.
لقد كان أوزيل يمثل تماماً تلك الحقبة السيئة في آرسنال، الذي كان بحاجة ماسة إلى إعادة بناء الفريق لكنه لم ينجح في ذلك. وعندما انضم أوزيل لآرسنال لأول مرة في عام 2013، كان يشاركه في الملصق الدعائي نفسه لهذا العصر الجديد اللاعب الفرنسي يايا سانوغو، لكن لم ينجح آرسنال في التطور في ظل وجودهما. ومع ذلك، قدم أوزيل مستويات جيدة في بعض الفترات وأظهر لمحات من موهبته الكبيرة، وما زلنا نتذكر جميعاً المستوى الرائع الذي قدمه أمام باريس سان جيرمان عام 2018، وما قدمه أيضاً أمام تشيلسي في سبتمبر (أيلول) 2016، والذي أجبر المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي على اللعب بثلاثة لاعبين في الخط الخلفي بعد ذلك لتجنب الفوضى التي أحدثها أوزيل في خط دفاع فريقه.
لكن المشكلة الأساسية بالنسبة لأوزيل تتمثل في أنه لم يكن مناسباً لهذا العصر. لقد وُصف أوزيل بأنه لاعب كرة قدم حديث للغاية لأنه كان يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً، لكنه في الحقيقة كان لاعباً يشبه اللاعبين الذين كانوا يلعبون في عصور سابقة ولم يكن مناسباً على الإطلاق لهذا العصر الحديث، وربما يعود السبب جزئياً في ذلك إلى أنه كان يلعب كصانع ألعاب تقليدي ويتمتع بلمسة سحرية ورؤية مثالية، كما كان يمتلك قدماً يسرى استثنائية، لكنه لم يكن يجيد اللعب من دون كرة ولم يكن يقوم بأدواره الدفاعية كما ينبغي، وعندما كان فريقه يفقد الكرة كان يصبح غير فعال بالمرة، ولم يكن يبذل أي مجهود لمساعدة فريقه لاستعادة الكرة وكان يبدو ضعيفاً وهزيلاً.
ما حدث لأوزيل هو أن كرة القدم قد تغيرت كثيراً من حوله، وأصبحت تعتمد بشكل أكبر على القوة البدنية والانضباط الشديد. وفي المقابل، فإن صانع ألعاب آرسنال في الوقت الحالي، مارتن أوديغارد، يمتلك مهارة فائقة ورؤية ثاقبة ويلعب ببراعة، لكنه في الوقت نفسه يبذل مجهوداً كبيراً داخل الملعب ويقوم بدوره الدفاعي على أكمل وجه عندما يفقد فريقه الكرة، وهذه هي متطلبات كرة القدم الحديثة.