جبهة النصرة تطلق «الرسالة» ردًا على أساليب «داعش» في التجنيد الإلكتروني.. وسعيا لتوسيع رقعة مؤيديها

ليس من وليد الصدفة أن تصدر «جبهة النصرة»، وهي فرع «تنظيم القاعدة» في سوريا، مجلتها الإنجليزية الأولى «الرسالة»، بعد عام على إعلان غريمها العقائدي، تنظيم داعش، دولته المزعومة، وإصدار مجلته الناطقة بالإنجليزية «دابق» التي يخاطب فيها مقاتليه الأجانب. فـ«النصرة»، أرادت «تكذيب مزاعم» غريمها، وسحب الذرائع التي تشكل له حاضنة عسكرية تهدد «الجبهة» ونفوذها، كما تشكل خطرًا على تنظيم «القاعدة» الذي يحظى بحصة الأسد الدعائية، من مضمون المجلة. وتتسع دلالات إصدار المجلة بالإنجليزية، من كونها تخاطب المقاتلين الأجانب الموجودين في سوريا، إلى وجه أكثر خصوصية، يرتبط بإعادة إحياء إعلام ودعاية تنظيم «القاعدة» الذي تضاءل نفوذه، وكاد يختفي وجوده من إعلام المنظمات الجهادية. فتوسع تنظيم داعش في خمس دول عربية على الأقل، ألغى إلى حد كبير دور «القاعدة»، واستقطب المتطرفين من أنحاء العالم إلى ساحات القتال التي يتشارك فيها مع «النصرة» في ساحة سوريا، ما دفع بالجبهة، ومن ورائها «القاعدة»، لمخاطبة المقاتلين الأجانب، وتفعيل الأدوات الدعائية التي تمنعهم من «الهجرة» إلى «داعش».
المجلة التي صدرت إلكترونيًا في 43 صفحة، تميزت بالصور الكبيرة، ونشر كتابات لقيادات في النصرة، أبرزهم زعيمها أبو محمد الجولاني، والشرعي عبد الله المحيسني، وتروّج لـ«إنجازات» الجبهة على الصعيد العسكري في سوريا. إذ افتتح محررو المجلة الإلكترونية العدد الأول بملاحظات كتبوها لتبيان سبب اختيارهم اسم «الرسالة» لمجلتهم، قائلين إنه «تعبير عن الرسالة الإسلامية الحقيقية»، كما قالوا: إنهم يأملون نشر الأخبار الموثوقة عن المعارك من أرض الشام، استنادًا إلى شهادات شهود وسكان في سوريا، يطلعون على الأحداث من الميدان والخطوط الأمامية. كما يهدفون إلى الإضاءة على أخطاء جماعات «تهدف لتدمير الرسالة الواضحة والنقية للإسلام والجهاد في سبيل الله»، في إشارة إلى تنظيم داعش. ودعا فريق عمل المجلة القراء الذين «يمتلكون أي تعليق أو نصيحة، أن يراسلوا فريق العمل». وتحمل المجلة رسالة من الشرعي في «النصرة» عبد الله المحيسني، إلى «القرّاء في شرق العالم ومغربه»، يدعوهم فيها إلى القدوم إلى سوريا، و«الجهاد في سبيل الله». كما تتطرق في عددها الأول إلى مفاهيم شهر رمضان، عبر ملف خاص، إضافة إلى قصة «مهاجر»، ومقابلة خاصة مع القيادي في «النصرة» أبو سلطان الجزراوي، وحمل عنوان «معركة النصر». كما تضيء إلى الأحداث الميدانية في سوريا، عبر تحقيق عن معركة إدلب التي كانت «النصرة» جزءًا من فصائل «جيش الفتح» الذي سيطر على المدينة في مارس (آذار) الماضي، فضلاً عن معركة حلب التي تشارك فيها الجبهة.
إلى ذلك، يقول عضو الائتلاف الوطني السوري عبد الإله فهد لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلي «النصرة» في سوريا: «معظمهم سوريون»، ما يعني «أن المجلة الناطقة بالإنجليزية، موجهة حكمًا إلى الغرباء، وهم أتباع تنظيم (القاعدة)»، مستندًا إلى أن زعيمها أبو محمد الجولاني «جاهر بانتمائه لتنظيم القاعدة وبولائه لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، ما يعني أن المجلة موجهة لغير السوريين».
ولا يخفي فهد الصراع على استقطاب المقاتلين الأجانب بين «داعش» و«النصرة»، حيث يشكل هؤلاء «رأس حربة داعش في قتال النصرة»، معتبرًا أن ذلك يبرزه مضمون المجلة الذي اتسم بالهجوم على «داعش»، والإضاءة على تجارب قياديين في «القاعدة»، والحديث عن الإنجازات الميدانية العسكرية، وسرد تجارب مقاتلين أجانب فيها. ويضيف أنها ليست موجهة لـ«النصرة» وحدها، كون مقاتليها السوريين يتحدثون بالعربية، وهناك وسائل إعلام تابعة لها ناطقة بالعربية، ما يعني أن الجمهور الموجهة له المجلة، من الأجانب.
«تحشيد عقائدي» ضد «داعش» وإظهار لصوت «القاعدة»
فيما برز انتقاد مبطن لـ«جيش الفتح» في تحقيق عنه، عبر نشر عبارة لزعيمها الجولاني، قال فيها: إن «جميع فصائل جيش الفتح مسلمون، حتى لو اختلفوا معنا. فبعض فصائل الفتح لهم أخطاء، لكننا نتجاوزها بسبب شدة هول المعركة».. خصصت المجلة ملفًا من ست صفحات لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي، واصفة إياه بـ«المجرم»، وهو الملف العقائدي الأبرز في المجلة، أكدت فيه «بطلان خلافة البغدادي»، عبر شهادات وفتاوى لعلماء. واستتبعت المجلة هجومها العقائدي على غريمها «داعش»، بهجوم سياسي، حيث نشرت صورًا ومعلومات عن أبرز المسؤولين في تنظيم داعش، قائلة إنهم «كانوا جميعًا مسؤولين سابقين في نظام البعث العراقي» الذي كان يترأسه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
يذكر أن «التحشيد العقائدي» ضد «داعش»، ورد في مقالة المحيسني تحت عنوان «مفاتيح الجنة»، إذ رأى أن جماعة «داعش»: «حولوا خلافتهم إلى سيف، يقسم الأمة وليس خلافة تعاضد الأمة وتجمعها». وأوضح «إنهم اليوم، باسم الخلافة، يدمرون الجهاد ويقسمون صفوف المجاهدين، ويجب أن تعرفوا أن هؤلاء الذين يحملون (مفاتيح الجنة)، ليس بالضرورة أن يكونوا على الصواب». وبينما بدأ انتقاد «داعش» نابعًا من خلاف سياسي وعقائدي على الساحة السورية، ظهر أنه، في المقابل، ترويج دعائي لتنظيم «القاعدة» الذي خصصت المجلة تحقيقًا عنه، حمل عنوان «هذه هي القاعدة، أو أنهم نسوا». كما كتب زعيمها الجولاني مقالاً لزعيم «القاعدة» في اليمن الذي قتل جراء غارة جوية بطائرة أميركية مسيّرة الشهر الماضي، ناصر الوحيشي، المعروف في أوساط المتشددين بـ«أبو بصير الوحيشي».
وتظهر المجلة، مدى حرص «النصرة» على إظهار صوت تنظيم «القاعدة» في ساحة القتال المشتركة مع «داعش» في سوريا، وتوسيع رقعة المعركة العسكرية والآيديولوجية بينهما، إلى الساحة الإعلامية. ويأتي ذلك، بعد فشل «القاعدة» بمخاطبة المقاتلين الأجانب في سوريا عبر مجلته «انبعاث» أو Resurgence التي أصدرها قبل أشهر، فكانت مجلة «الرسالة» أول خطاب رسمي من فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، إلى مقاتليها الوافدين من دول أجنبية.
وخلافًا لـ«الرسالة» التي ستصدر شهريًا، تعد مجلة «انبعاث»، الصادرة بالإنجليزية أيضا، مجلة فصلية، تصدر عن مؤسسة «السحاب» الإعلامية التابعة لـ«القاعدة»، وأصدرت عددها الأول في خريف 2014 في 117 صفحة من القطع الكبير، وهي متوفرة للتحميل بصيغة PDF في المنتديات المتطرفة العالمية وفي مقدمها منتدى «شبكة الجهاد العالمي» الذي يمكن وصفه بالواجهة الإعلامية الرسمية للقاعدة ككل، إضافة إلى المدونات المتطرفة الموالية للتنظيم. وتتقاطع «انبعاث» مع «الرسالة» في شكلها، لجهة العناوين الكبيرة ونوعية الصور وجودتها البصرية، والرسوم الغرافيكية، غير أنها تخاطب الغرب بشكل أساس، حيث ذكّرت في مقدمة عددها الأول، بأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
أما «الرسالة»، فتؤدي وظيفتين. تتمثل الأولى في تسليط الضوء على الإنجازات العسكرية للتنظيم في سوريا، فيما تتمثل الثانية في «مهاجمة» تنظيم داعش، و«كشف مزاعمه العقائدية وزيف خلافته المزعومة»، كما يقول مصدر سوري مطلع على أحوال «النصرة» في سوريا، رغم أن المجلة «لم تولِ اهتمامًا بالغًا بالشؤون العقائدية، وهو ما تتّسم به وسائل إعلام داعش».
حرب إلكترونية بين الجماعات المتطرفة
يشير المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الماكينة الإعلامية لتنظيم داعش، ساهمت إلى حد كبير في تحريض المهاجرين (المقاتلين الأجانب) ضد النصرة، وحفّزتهم، إلى جانب الترويج لتقديمات اجتماعية ومادية، على الانضمام إليها، خصوصًا في منطقة إدلب (شمال سوريا)»، مشيرًا إلى أن تنظيم داعش الذي أتمّ انسحابه من ريف إدلب في ربيع 2014: «يحاول تقديم صورة عن نفسه أمام المقاتلين الأجانب على أنه حقّق إنجازات فشل تنظيم القاعدة في تحقيقها، مثل إعلان دولته في العراق والشام، فيما يحاول تقديم النصرة والفصائل السورية الأخرى على أنها عاجزة وتفتقد للشرعية الدينية، ولهذا تعمد النصرة إلى توثيق إنجازاتها والإعلان عنها في وسائل إعلام موجهة لهؤلاء الأجانب، بهدف تكذيب مزاعم التنظيم». من المعروف أن مقاتلين أجانب، يشكلون عداد تنظيمات سورية متحالفة مع «النصرة»، فضلاً عن انضمام بعضهم إلى التنظيم، وقاتلوا في معركتي إدلب وجسر الشغور، وكان أبرزهم مقاتلين من الشيشان وتركمانستان، بحسب ما يقول: «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
واليوم، تسابق «جبهة النصرة» الماكينة الإعلامية لغريمها «داعش»، بإصدارات إعلامية توازيه احترافية، علما بأن «داعش» كان السباق في محاكاة مقاتلين الأجانب، منذ إصدار مجلة ورقية هي «دابق» وينشرها بنسختها الإلكترونية أيضا، وأصدر منها 12 عددًا منذ الصيف الماضي، وذلك بعد إصدار المجلة الورقية الناطقة بالعربية «سنا الشام». وتركز «دابق» منذ إصدارها الأول، على تكريس فكرة الهجرة. ورغم تنوع المواضيع والأقسام، بين التحقيقات والأخبار والملفات، فإن الدعوة إلى الهجرة تبقى الفكرة الأكثر تكرارًا في صفحات المجلة.
كما تحظى «جبهة النصرة» بدعم من مدونتي «جبهة النصرة لأهل الشام» ومدونة «غرفة منبر الأنصار»، فيما يعتبر منتدى «شبكة الجهاد العالمي» التابع لـ«القاعدة» هو الداعم الأساسي للجبهة في أوساط المتشددين. وتحول إعلام «النصرة» الناطق بالعربية، أو عبر المدونات الرديفة الناطقة بالإنجليزية، إلى حرب مفتوحة مع «داعش» منذ إعلان «دولة الخلافة» المزعومة، وذلك بهدف «إعادة الخلافة إلى أصحابها الشرعيين»، كما يكرر إعلام الجبهة. وبات إعلام «النصرة» غير الرسمي بصورة خاصة متفرغًا إلى حد كبير لدحض الشرعية عن «داعش» بحجج دينية في المقام الأول.
وعلى النقيض، أولى «داعش» اهتمامًا بالإعلام الناطق باللغات الأجنبية، إذ أطلق مطلع العام الحالي مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، كما يعمل على ترجمة إصداراته الإعلامية للغات الأجنبية المختلفة كالألمانية والإسبانية. وتتعدد المصادر الإعلامية والمواد التي يخص بها «داعش» مقاتليه الأجانب، من المدونات إلى الصحف والمواقع الإلكترونية، وصولاً إلى البرامج الإذاعية في «إذاعة البيان» التابعة له، وتبث في الموصل والرقة، إذ يخصص برنامج «مراسلون» عمله لمقابلة مقاتلين أجانب، والترويج له والإضاءة على مشاركتهم في القتال.