رحيل منيرة القبيسي أول مؤسِّسة لتنظيم دعوي نسوي في سوريا

شيّعت العاصمة السورية الداعية الدمشقية منيرة القبيسي إلى مثواها الأخير في حي العفيف الممتد على سفح جبل قاسيون، عن عمر ناهز الـ89 عاماً.
ومنيرة القبيسي التي لم تظهر لها أي صورة في وسائل الإعلام، لطالما شغلت الرأي العام بتأثيرها الروحي الذي امتد من دمشق إلى الكثير من الدول العربية والأجنبية كمؤسِّسة لأبرز جماعة دينية إسلامية نسائية والمعروفة في سوريا باسم «القبيسيات». وكان لافتاً في نص نعي الأم الروحية الذي عُلّق على جدران الأحياء الدمشقية، إقامة مجلس عزاء للرجال، فيما تم الاكتفاء بتلقي تعازي النساء عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
ونعت اليوم (الاثنين)، وزارة الأوقاف في دمشق ومجمع أبو النور والجامع الأموي وشخصيات وجِهات دينية إسلامية في دمشق، الداعية القبيسي التي توفيت في دمشق. وكتب الشيخ عبد الكريم بكار في نعيها: «فقدت أمة الإسلام اليوم الداعية الدمشقية الأستاذة الفاضلة منيرة القبيسي، التي أسست واحدة من أهم الجماعات الإسلامية في العصر الحديث».
وُلدت منيرة القبيسي عام 1933 في كنف أسرة دمشقية تجارية. تابعت تعليمها الجامعي وتخرجت في كلية العلوم الطبيعية، ثم سلكت طريق التعليم في مدارس دمشق. ومع بداية عقد الستينيات، أسهم قربها من جامع أبو النور إلى الاتجاه نحو النشاط الدعوي بعد تتلمذها بدايةً على يد الشيخ الراحل ومفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو، عززته بدراسة علوم الدين في كلية الشريعة بجامعة دمشق وترك مهنة التعليم لتتفرغ كلياً لنشاطها الدعوي.
ودون أن تقطع صلتها بالشيخ أحمد كفتارو، استقلت عنه بحركة نسائية تهتم بالتثقيف الديني والوعي الاجتماعي، ملتزمةً بنهجه الوسطيّ، كما جمعت بين التعليم التربويّ التقليديّ في الحلقات والمعاهد الشرعية والتعليم الأكاديميّ، متأثرةً بنهج الشيخ الراحل محمد سعيد رمضان البوطي، مع التركيز على التربية والروحانيات والشخصية الأخلاقية، وتجنب السياسة والعنف والصدامات مع الأطراف والجماعات الدينية الأخرى في البلاد والاحتكام للقانون والنظام الحاكم.
كما حافظت على علاقات جيدة مع عائلات كبار العلماء ورجال الدين والداعيات، لتكون شبكة علاقاتها النسائية المميزة أحد أهم أسباب تعميق وامتداد تأثيرها في المجتمع الدمشقي النسائي، حيث نجحت في جذب معظم سيدات دمشق المسلمات إلى حلقات التعليم الديني التي بلغت ذروتها بعد تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة خلفاً لوالده الرئيس حافظ الأسد. وقُدّر عدد القبيسيات في حينها بأكثر من نصف مليون امرأة دون وجود ما يثبت أو ينفي هذا الرقم سوى ازدياد انتشار ارتداء الحجاب الأزرق الداكن والكحلي الذي عُرفن به.
بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام سنة 2011، انقسم السوريون حول الموقف من منيرة القبيسي وجماعة القبيسيات على خلفية عدم إعلان منيرة القبيسي موقفاً واضحاً من النظام، ومن ثم تأييد الداعيات القبيسيات للنظام.
وبينما يؤيد سوريون وعرب مواقف القبيسيات باعتبار منيرة القبيسي داعيةً وأستاذةً ومربيةً رائدةً في مجال الدعوة النسائية، ينتقد آخرون علاقتها مع النظام، ويُبدون تخوّفاً كبيراً من انتشار تأثيرها إلى لبنان، وفلسطين، والأردن، ودول الخليج، بل إلى أوروبا وأميركا أيضاً. وظهرت هناك جماعات تابعة لها بشكل أو بآخر، بتسميات مختلفة، رغم عدم وجود أي هيكلية تنظيمية معلنة، ضمن هالة من الغموض والإشاعات تحيط بتلك الجماعات.
وكان لافتاً في عام 2018، إعلان وزير الأوقاف بدمشق، عدم وجود ما يُسمى «القبيسيات». وقال إن الداعيات اللواتي ظهرن في وسائل الإعلام المحلية في أكثر من مناسبة، تابعات لوزارة الأوقاف بمهام محددة. وجاء إعلان وزير الأوقاف آنذاك، ليزيد من الغموض الذي أحاط بمسيرة منيرة القبيسي ومصير جماعة «القبيسيات».