الحديدة الساحلية تعاني نقص الأمن وضعف الخدمات منذ سيطرة الحوثيين عليها

منذ دخول المسلحين الحوثيين إلى مدينة الحديدة، التي تقع في غرب اليمن وتزخر بمعالم سياحية جميلة، ويقطنها أكثر من مليوني نسمة، أصبح الوضع المعيشي لأهالي المدينة والمحافظة ككل متدهورًا للغاية، إذ هناك سخط على ما يجري بسبب انتشار المسلحين في كل أنحاء المدينة ومداخلها ومخارجها وتردي الوضع الأمني والخدماتي. بات أهالي الحديدة، التي تعد ثاني كبرى مدن اليمن بعد تعز الواقعة وسط البلاد، يشعرون بأن أبسط الحقوق سلبت منهم، مثل المواد الغذائية التي يحتكرها المسلحون ويبيعونها في السوق السوداء إلى جانب المشتقات النفطية، وتلك المبالغ التي يطلبها المسلحون مقابل حصولهم على الغاز المنزلي أو بعض المواد الغذائية لا يستطع المواطن شراءها مقارنة بدخله اليومي، لأن غالبية مواطني الحديدة وإقليم تهامة عموما، يعتمدون على الدخل اليومي من البيع والشراء.
يقول سكان الحديدة إن جماعة الحوثي عمدت لتشويه كل ما هو جميل في المدينة من معالم مثل قلعة الكورنيش التاريخية الواقعة على الشريط الساحلي والتي تقع على تلة مرتفع قرب ميناء الاصطياد، ويعود بناؤها إلى فترة الوجود العثماني في العام 1538. كانت القلعة تستخدم لأغراض دفاعية، كما استخدمت سجنا من قبل العثمانيين ومن بعدهم ملوك اليمن الشمالي. ومنذ دخولهم المدينة، سيطر الحوثيون على القلعة ونشروا قناصيهم على أسطحها، كما سيطروا على بعض المرافق الحكومية في المدينة.
في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، تمكنت جماعة الحوثي المسلحة من السيطرة على القلعة بعد اشتباكات عنيفة دارت بين جماعة الحوثي المسلحة وآخرين من الحراك التهامي السلمي، الذي اعتقلت الجماعة قبل أشهر مؤسسه العميد خالد خليل. واستخدم المسلحون الحوثيون في تلك الاشتباكات، الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ليتمكنوا من الاستيلاء على القلعة وعلى الأسلحة الموجودة.
ومن التكتيكات التي استخدمتها جماعة الحوثي أنها أسرعت لاستبدال محافظ المحافظة صخر الوجيه، الذي رفض تنفيذ مطالبها، والحال نفسه مع مدير الأمن الذي جمد الحوثيون عمله وغيروه بشخص آخر، ومدير البحث الجنائي الذي تم تعيين أيضا بدلا منه شخص موال لهم، ومدير مديرية الحوك، ورئيس موانئ البحر الأحمر وعدد من المسؤولين في المحافظة، وكل ذلك من أجل السيطرة على محافظة الحديدة. ويقول سكان المدينة إنهم لاحظوا أن كل من تم تعيينهم من عديمي الكفاءة، مما جعل المحافظة تشهد إخفاقات عدة على المستويات الأمنية والاقتصادية رغم وجود ميناء الحديدة ثاني أكبر ميناء في اليمن الذي بات هو الآخر يخضع لسيطرة المسلحين الحوثيين.
ولم يسلم حتى الصرح العلمي لأبناء هذه المحافظة التي تلقب «عروس البحر الأحمر»، إذ قامت الجماعة الحوثية في الآونة الأخيرة ببسط هيمنتها على جامعة الحديدة وأجرت تغييرات عده فيها من بينها تعيين رئيس جامعة ونواب له بدلاً عن السابقين، وهؤلاء المعينون جميعهم من المواليين للجماعة، مما قوبل برفض بعض الكادر الأكاديمي في الجامعة ذاتها ومن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ويقول طلاب إن «تلك الإجراءات اتخذت من قبل الحوثيين لقمع أي حركات شبابية مناهضة لهم قد يقوم بها طلاب الجامعة».
يقول يحيى علي عمر، أحد سكان الحديدة، لـ«الشرق الأوسط» إن «المسلحين الحوثيين وسعوا من سيطرتهم بشكل كامل على المرافق الحكومية في محافظة الحديدة من خلال تغيير كل من يعارضهم من المسؤولين، كما حدث مع المحافظ صخر الوجيه الذي استبدل بالعميد حسن أحمد الهيج، الموالي للمتمردين، وكذلك تغيير مدير أمن المحافظة ورئيس موانئ البحر الأحمر، بالإضافة إلى رفضهم الخروج من قلعة الكورنيش التاريخية وتسليمها للسلطة المحلية، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي قبالة البحر الأحمر وقربها (على بعد كيلومتر واحد) من جنوب الميناء القديم».
ورغم ما يعانيه المواطن في تهامة، فإنه يرفض الاستسلام لجماعة الحوثي المسلحة ويطالب بخروج جميع الميليشيات من الإقليم ككل وأن تعود المحافظة المسالمة كما كانت من قبل. ويقول يحيى عمر إن «الوضع في تهامة لا يبشر بالخير وتدهور بسبب وجود الحوثيين حيث يتم حرمان المواطنين من أبسط الحقوق مثل المواد الغذائية التي يتم احتكارها وبيعها في السوق السوداء بمبالغ باهظة». وأضاف: «منذ أشهر، والحديدة تغرق في ظلام دامس بسبب استيلاء الحوثيين على مادة الديزل المخصصة للمواطنين وبيعها في السوق السوداء بمبالغ خيالية مبررين هذا التصرف بدعم المجهود الحربي الذي يذهب لقتل المواطنين في المحافظات الأخرى».
ويوضح مواطن آخر من مدينة الحديدة يدعى محمد سراج لـ«الشرق الأوسط» أن «جماعة الحوثي المسلحة صارت تبيع المشتقات النفطية في السوق السوداء، وهي مشتقات خاصة بالمواطنين مثل الغاز المنزلي، وباتوا يحصلون على مبالغ طائلة في اليوم الواحد ليستغلوها في القتل والترهيب وقتل من يعارض توجههم». ويضيف سراج أصبح المواطن في الحديدة تحت الإقامة الجبرية محروما من كل مقومات الحياة وتحت التهديد بالقتل من المسلحين الحوثيين.
وفي حادثة جرت خلال الأيام القليلة الماضية، قال شهود عيان إن جماعة الحوثي طردت مدير الضرائب الموالي لها، داخل بيت الفقيه في الحديدة، بعد أن أواهم واستقبلهم، وذلك لأنه رفض جمع الضرائب لهم من المحلات التجارية والبقالات، لتؤول فيما بعد إلى خزينة ما يسمى المجهود الحربي. وأضافت المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» «بعد رفض مدير الضرائب جمعه لما طلبوه منهم قاموا بجمعها بأنفسهم وفرضوا على المحلات التجارية والبقالات والبائعين المتجولين (البسطات) ضرائب بأنفسهم، الأمر الذي لاقى استياء كبيرًا في أوساط المواطنين».