هل يفك منتخب «الأسود الثلاثة» عقدة السقوط أمام الكبار؟

وصلت إنجلترا إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم، بالاعتماد على أهداف هاري كين. وبدا من غير المعقول أن يتمكن فريق المدرب غاريث ساوثغيت من تحقيق اللقب دون أن يكون قائده في كامل لياقته وقدرته على التسجيل، وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ويبدو الخبر السار لمشجعي إنجلترا هو أن كين بدا كذلك.
أما أفضل الأخبار لأولئك الذين يحلمون بأن يرفع منتخبهم الكأس أخيراً بعد الفشل المتتالي والمؤلم في البطولات الكبرى، هو أنه فجأة لم يعد مهماً بشكل كبير ما إذا كان كين من بين من يسجلون الأهداف لإنجلترا أم لا.

هاري كين يحتفل بهدفه في مرمى السنغال في ثمن نهائي المونديال (أ.ب)

ونجح القائد في تعزيز رصيده مرة أخرى بهدفه الأول في البطولة، لتصل إنجلترا إلى دور الثمانية بفوزها 3- صفر على السنغال.
ورفع كين إجمالي رصيده من الأهداف الدولية إلى 52، وهو رقم يتراجع بهدف واحد خلف الرقم القياسي الذي سجله وين روني مع إنجلترا، وقد يراهن قليلون على عدم قدرته على معادلة رقم مواطنه يوم السبت المقبل، في مباراة فرنسا. ويقف مهاجم توتنهام هوتسبير بمفرده الآن كأفضل هداف لمنتخب بلاده في نهائيات البطولة، برصيد 11 هدفاً، متجاوزاً جاري لينيكر الذي تشارك معه في الرقم القياسي قبلها.
واللافت للنظر أن هدف كين قبل نهاية الشوط الأول جاء من تحرك سلس بشكل رائع، بدأ من انطلاقة من جود بلينغهام ليجعل النتيجة 2-صفر في أول تسديدة له على المرمى في البطولة.
والأمر الأكثر لفتاً للأنظار، والسبب في ارتفاع آمال إنجلترا إلى عنان السماء، هو أن هذا الهدف جعل من كين ثامن لاعب في إنجلترا يسجل أهدافاً حتى الآن في نسخة قطر.
وهذا التنوع المذهل لهدافي إنجلترا يشمل أسماء: ماركوس راشفورد (3)، وبوكايو ساكا (3)، وجود بلينغهام، ورحيم سترلينغ، وجاك جريليش، وفيل فودن، وجوردان هندرسون، بالإضافة إلى كين.
وقال ساوثغيت: «جودة التحركات كانت رائعة، والإنهاء كان قوياً».

ساوثغيت يحظى بكتيبة مميزة من اللاعبين  قد تقوده بعيداً في البطولة (أ.ف.ب)

وأدت كرة القدم الهجومية لمنتخب إنجلترا إلى تسجيله بالفعل 12 هدفاً في كأس العالم، في طريقه إلى الدور قبل النهائي في نسخة 2018، وتتجاوز بالفعل بواقع هدف واحد ما كانت عليه عندما فازت البلاد باللقب لمرة وحيدة حتى الآن، في عام 1966.
وبات ساوثغيت الذي دفعه فوزه السابع في كأس العالم مدرباً لإنجلترا للتساوي مع ألف رامسي مدرب إنجلترا في نسخة 1966، موضع حسد من كل مدرب مستمر مع فريقه في البطولة حتى الآن، بما في ذلك مدربو منتخبات فرنسا والبرازيل والأرجنتين وإسبانيا.
وكان من الغريب أن يتعرض ساوثغيت للسخرية قبل البطولة؛ حيث خاضت إنجلترا 6 مباريات من دون انتصار في دوري الأمم الأوروبية.
وشهدت الخمس مباريات الأولى في هذه السلسلة الكئيبة فشل إنجلترا في التسجيل خلال اللعب، مع تعرض ساوثغيت للانتقادات بسبب أسلوب اللعب شديد الحذر الذي كان يثبط من أداء لاعبيه.
لكن تعديل طريقة لعب 4-3-3 والرغبة الواضحة في تدوير المهاجمين الصرحاء الذين يلعبون أمام خط الوسط الذي يقوده ديكلان رايس ويدعمه بلينغهام، أطلق العنان لإمكانات فريق مليء بالمواهب الهجومية.
وعانت إنجلترا في الواقع لمدة 38 دقيقة لاختراق دفاع السنغال بطلة أفريقيا؛ حيث تراجعت وتيرة تمريراتها، وهو أمر سيحتاج ساوثغيت إلى معالجته.
ولكن بمجرد أن باتت تحركاتهم إلى الأمام أكثر انسيابية، بدا أنه لا يمكن إيقاف لاعبي إنجلترا؛ حيث تدخل هندرسون ليفتتح التسجيل بهدفه الثالث فقط في 73 مباراة، بعد تمريرة رائعة من بلينغهام.
وتم الإبقاء على هندرسون ضمن التشكيلة الأساسية، بعد مشاركته في المباراة الأخيرة بدور المجموعات ضد ويلز، بينما تم استدعاء ساكا الذي أضاف الهدف الثالث لإنجلترا قبل مرور ساعة، بعد أن غاب عن الانتصار على ويلز بثلاثية دون رد أيضاً.
وتماماً مثل كل قرار اتخذه ساوثغيت حتى الآن في نهائيات كأس العالم، ثبتت نجاعة القرار الجديد على الفور.
وقال كين: «لدينا مجموعة من اللاعبين يسجلون أهدافاً من مختلف المراكز، وهذا أمر في غاية الأهمية حقاً؛ لأنك تمر نحو مراحل متقدمة للبطولة».
مع تسجيل المهاجم الأساسي للفريق مرة أخرى، بعد أن قدم بالفعل 3 تمريرات حاسمة في دور المجموعات، فإن تأكيد زميله رايس هذا الأسبوع على أن المنافسين يجب أن يبدأوا الخوف من إنجلترا؛ لا يبدو نوعاً من العجرفة على الإطلاق.
بعد دور أول «هادئ» بدأه على وقع الانتقادات بسبب سلسلة من 6 مباريات متتالية من دون فوز، واختبار «سهل» في ثمن النهائي ضد سنغال محرومة من نجمها المطلق ساديو مانيه، يبدأ مونديال قطر الآن بالنسبة لمنتخب إنجلترا ومدربه غاريث ساوثغيت.
دخل منتخب «الأسود الثلاثة» إلى النسخة الثانية والعشرين من كأس العالم على خلفية أسوأ سلسلة منذ 1993؛ لكنه استفاد إلى حد كبير من الوضع المعنوي المهزوز للمنتخب الإيراني المأزوم، نتيجة الاحتجاجات الحاصلة في البلاد، كي يحصل على الدفعة المعنوية اللازمة من أجل إطلاق بطولته بالفوز 6-2.
وبعد تعثر أمام الأميركيين في مواجهة أعادته مجدداً إلى دائرة الانتقادات، عاد المنتخب الإنجليزي ليتحرر من الضغط أمام جاره الويلزي (3-صفر) قبل أن يكرر النتيجة ذاتها أمام السنغال على ملعب البيت في الخور، في لقاء عانى في بدايته قبل أن يحسم الأمور بشكل كبير في نهاية الشوط الأول بتقدمه بهدفين، أحدهما لقائده هاري كين الذي افتتح رصيده بعد صيام لثلاث مباريات.
لكن الآن، جاء وقت الجد بالنسبة للمنتخب الحالم بمعانقة اللقب الذي تُوج به مرة واحدة عام 1966 على أرضه؛ إذ يصطدم بكيليان مبابي وزملائه في المنتخب الفرنسي حامل اللقب. وعلق ساوثغيت على هذه المواجهة بالقول: «إنه أكبر تحدٍّ يمكن أن نواجهه. إنهم أبطال العالم. يملكون عمقاً هائلاً من المواهب، ولاعبين مذهلين على الصعيد الفردي»، مضيفاً: «إنه تحدٍّ رائع... إنها مباراة رائعة بالنسبة لنا من أجل أن نختبر أنفسنا ضد الأفضل».
وخلافاً للمشاركتين الكبريين الماضيتين في مونديال 2018 وكأس أوروبا 2020، سيكون رجال ساوثغيت مطالبين بتجاوز منافس عملاق، من أجل محاولة تكرار أو التفوق على ما حققوه قبل 4 أعوام في روسيا حين وصلوا إلى النهائي، والصيف الماضي حين بلغوا نهائي البطولة القارية للمرة الأولى في تاريخهم، قبل الخسارة بركلات الترجيح أمام إيطاليا.
في مونديال روسيا 2018، كان مسار إنجلترا معبَّداً؛ إذ واجهت في ثمن النهائي كولومبيا، ثم السويد، قبل السقوط عند عقبة لوكا مودريتش ورفاقه في المنتخب الكرواتي، في حين أن القسم الثاني من القرعة تَكوَّن من برتغال كريستيانو رونالدو، وأرجنتين ليونيل ميسي، وبرازيل نيمار، وفرنسا مبابي التي توجت باللقب.
وكانت القصة مشابهة في كأس أوروبا التي أقيمت صيف 2021 عوضاً عن 2020، بسبب تداعيات فيروس «كورونا»؛ إذ ضم مسار الإنجليز في الطريق إلى النهائي كلاً من: السويد، وأوكرانيا، وألمانيا، وهولندا، وتشيكيا، والدنمارك، بينما تقارع في القسم الثاني منتخبات: بلجيكا، والبرتغال، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا.
وبعد الفوز على منتخب ألماني بعيد كل البعد عن المنتخب الذي تُوج بمونديال 2014، وما زال يعاني تبعات خروجه من الدور الأول لمونديال 2018 في صدمة تكررت مجدداً في هذه النهائيات، واجه رجال ساوثغيت أوكرانيا ثم الدنمارك، قبل أن يسقطوا في معقلهم «ويمبلي» بركلات الترجيح أمام إيطاليا.
وبعدما اعتمد على خط دفاعي من 4 لاعبين منذ بدء النهائيات، قد يضطر ساوثغيت إلى اللعب بخمسة مدافعين في مواجهة السبت، على «ملعب البيت»، من أجل محاولة إيقاف توغلات مبابي الذي وصل إلى 5 أهداف في هذه النهائيات، بينها ثنائية الأحد في الفوز على بولندا 3-1.
وعلق ساوثغيت على مواجهة مبابي، معتبراً أن نجم باريس سان جيرمان «لاعب من الطراز العالمي، وسبق أن أثبت قدراته في اللحظات المهمة، خلال هذه البطولة والبطولات التي سبقتها».
لكن ساوثغيت ليس متخوفاً من مبابي وحسب؛ بل «هناك أيضاً (أنطوان) غريزمان الذي أراه لاعباً استثنائياً. هناك أوليفيه جيرو الذي نعرفه جيداً (لعب مع آرسنال وتشيلسي)، ولديهم لاعبو وسط شبان رائعون».
وسيحاول ساوثغيت ورجاله التخلص من عقدة السقوط أمام الكبار في الأدوار الإقصائية للمونديال وكأس أوروبا؛ إذ تكرر السقوط أمامهم في مناسبات كثيرة منذ الفوز بلقب كأس العالم على أرضهم عام 1966. وقد انتهى مشوار «الأسود الثلاثة» على أيدي ألمانيا الغربية عامي 1970 (ربع النهائي)، و1990 (نصف النهائي)، والأرجنتين عام 1986 (ربع النهائي) و1998 (ثمن النهائي)، والبرازيل عام 2002 (ربع النهائي)، والبرتغال في كأس أوروبا 2004 (ربع النهائي) ومونديال 2006 (ربع النهائي)، وألمانيا عام 2010 (ثمن النهائي)، وإيطاليا في كأس أوروبا 2012 (ربع النهائي). وكي يتجنب ساوثغيت انضمام فرنسا إلى هذه اللائحة، يجب عليه إيجاد طريقة لإيقاف مبابي بشكل خاص.