ستولتنبرغ يعتبر قرار ألمانيا بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي «تاريخياً»

أعلن حلف شمالي الأطلسي أنه سيتولى عمليات تنسيق حماية البنى التحتية الأكثر حساسية؛ رداً على عملية التخريب التي تعرضت لها أنابيب غاز مشروع نورد ستريم تحت البحر قبل أشهر. وقال أمين عام الحلف يانس ستولتنبرغ أثناء مشاركته في مؤتمر أمني ببرلين، أمس الخميس، إنه يرحب باقتراح ألمانيا والنرويغ لإنشاء وحدة تنسيق لهذه العمليات، تقودها الناتو، وتكون برلين مقرا لها. وكان المستشار الألماني أولاف شولتز أعلن أنه سيتناقش مع أمين عام الحلف اقتراحاً ألمانياً نرويغياً مشتركاً في هذا الشأن، كان قد وضع أطره قبل يوم مع رئيس الوزراء النرويغي يوناس غار شتور الذي يزور برلين أيضاً. والتقى الرجال الثلاث في العاصمة الألمانية لمناقشة خطة تأمين أنابيب الغاز الممتدة تحت بحر البلطيق، تفادياً لعمليات تخريب إضافية في المستقبل.
أعلن شولتس ورئيس الوزراء النرويغي، الأربعاء، أنّهما أطلقا مبادرة لتعزيز حماية البنى التحتية البحرية بعد التفجيرات التي استهدفت في سبتمبر (أيلول) خطّي أنابيب نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق. وخلال جلسة نقاش أمام الصحافيين في برلين شارك فيها أيضاً ستور، قال شولتس: «نحن بصدد مطالبة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ينس ستولتنبرغ) بإنشاء هيئة تنسيق لحماية البنى التحتية البحرية». وحذّر شولتس من أنّ هذه المبادرة تظهر «بوضوح» أنّنا «نأخذ حماية بنانا التحتية على محمل الجدّ، وأنّه لا يمكن لأحد أن يعتقد أنّه ستبقى هناك هجمات دون عواقب».
بدوره، قال رئيس الوزراء النرويغي إنّ هذه البنى التحتية «هي شرايين الاقتصاد الحديث (...)، وقد ناقشت ألمانيا والنرويغ في الأسابيع الأخيرة كيف يمكننا تعزيز أمنها». وفي 26 سبتمبر، رصدت أربع عمليات تسرّب في خطّي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و2 قبالة جزيرة بورنهام الدنماركية: اثنتان منها في المنطقة الاقتصادية السويدية، والأخريان في المنطقة الاقتصادية الدنماركية. ويقع خطّا أنابيب نورد ستريم اللذان يربطان روسيا بألمانيا في قلب التوترات الجيوسياسية منذ سنوات. وتصاعدت هذه التوتّرات منذ قرار موسكو قطع إمدادات الغاز إلى أوروبا. ورجّحت السلطات القضائية الدنماركية والألمانية والسويدية أن تكون عمليات التسرّب في خطّي الأنابيب تخريبية وناجمة عن تفجيرات، وفتحت تحقيقاً لجلاء ملابساتها. ونفت موسكو أيّ ضلوع لها في عمليات التخريب هذه، واتّهمت لندن بالوقوف خلفها.
وفي برلين لم يقدّم أيّ من المسؤولين الألماني أو النرويغي أيّ تفاصيل حول مبادرتهما. وقال ستور إنّ هذه المبادرة «غير الرسمية» هي بمثابة تعاون بين أطراف مدنيين وعسكريين برعاية حلف شمال الأطلسي ووزارات الدفاع في الدول المعنية بها، مشيراً إلى أنها تتعلّق بالإضافة إلى ضمان أمن خطوط أنابيب الغاز بنى تحتية مهمة أخرى، في مقدّمها كابلات الاتصالات. من جهته، شدّد المستشار الألماني على وجوب أن تكون هيئة التعاون هذه «قادرة على التدخّل سريعاً عند وقوع أيّ طارئ».
وناقش شولتز مع ستولتنبرغ أزمة نقص الذخيرة التي تعاني منها ألمانيا ودول أخرى كانت أرسلت من مخزون جيشها من الذخيرة إلى أوكرانيا، وتجد اليوم نفسها عاجزة عن إعادة ملء مخزونها. وقال ستولتنبرغ إن أوكرانيا بحاجة اليوم إلى ذخيرة إضافية، رغم الصعوبات التي تواجهها الدول الحليفة بتأمينها. وأشار إلى أن ألمانيا ودولاً أخرى في نقاش حالياً مع عدد من شركات الأسلحة لتسريع إنتاج الذخيرة، بهدف استمرار تأمينها لأوكرانيا وأيضاً لإعادة ملء مخزونها.
وقال ستولتنبرغ إن «قرار ألمانيا بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي بقدر كبير، هو قرار تاريخي مع الاستثمار في قطع جديدة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والسفن والغواصات». وفي إشارة إلى الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، قال: «إنها بالفعل نقطة تحول، تعكس بيئتنا الأمنية التي تغيرت». وقال ستولتنبرغ، الذي أكد أيضاً أهمية صناعة الدفاع في ألمانيا: «نحتاج إلى قوات مسلحة ألمانية قوية ومستعدة»، مضيفاً: «إنه أمر مهم بالنسبة لأمن ألمانيا، ومهم بالنسبة لأمن أوروبا، كما أنه مهم للأمن العالمي». وبالحديث عن أوكرانيا، دعا أمين عام حلف الناتو إلى استمرار الدعم وتعزيزه. ورحب ستولتنبرغ بالمساعدات الألمانية المالية والإنسانية والعسكرية لأوكرانيا، حيث قال إنها تحدث فرقاً في ساحة المعركة. وأكد ستولتنبرغ مجدداً دعوته «للوقوف ضد الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا». وأشار ستولتنبرغ إلى أن الاعتماد الخطير على الغاز الروسي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع الصين.
ويدور في ألمانيا نقاش منذ أيام حول نقص الذخيرة التي يملكها الجيش الألماني، والتي لن تكفي لصموده إلا لبضعة ساعات، بحسب التقديرات. وتجد ألمانيا نفسها عاجزة عن شراء احتياط بشكل سريع، بسبب اعتماد شركات صناعة الذخائر على مادة تشحن من الصين المتأخرة في التسليم بسبب فيروس كورونا. وسئل شولتز عن نقص الذخيرة لدى الجيش الألماني في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع ستولتنبرغ، فرد بالقول إن ألمانيا «لم تحضر نفسها جيداً في السنوات العشر الماضية فيما يتعلق بتزويد الجيش بذخيرة كافية». ولكنه أضاف بأن «وزارة الدفاع ملتزمة بأن تغلق هذه الفجوة، وتؤمن الذخيرة اللازمة».
وعاد شولتز وأكد عرض بلاده لبولندا بتأمين أجوائها عبر نشر ثلاث منظومات باتريوت، ولكنه قال إن الحوار مستمر مع بولندا حول الأمر، وإنه لم يتخذ أي قرار بعد بهذا الشأن. وزادت ألمانيا من مساهماتها ضمن قرارات الناتو بشكل كبير منذ الحرب في أوكرانيا، رغم محدودية جيشها. ونشرت ألف جندي إضافي ضمن قوات الناتو على حدود الحلف الشرقية، خاصة في ليتوانيا. وقال شولتز إنه في حلول عام 2025، تعمل ألمانيا على أن يكون لديها 30 ألف جندي جاهز تحت إمرة الناتو.
ورغم الانتقادات التي تواجه ألمانيا حول تلكّئها في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، دافع أمين عام الناتو عن برلين قائلاً إنها «من أكثر الدول التي تساعد أوكرانيا عسكرياً». وأضاف رداً على انتقادات حول رفض ألمانيا تأمين أسلحة حديثة، بأن الأمر لا يتعلق فقط بتأمين الأسلحة «بل التأكد من القدرة على تشغيلها، أي أن تكون لها ذخيرة وقطع تبديل كافية، وأن يكون هناك معرفة في صيانتها».
ومقابل تجديد تأكيد بأن الدعم مستمر لأوكرانيا حتى تنتصر، تحدث ستولتنبرغ عن الصين التي قال إنها تشكل «تحدياً لأمننا وقيمنا»، ولكنه أضاف بأن الصين «ليست عدواً بالنسبة إلينا، ما يعني استمرار التجارة معها، والإبقاء على العلاقات الاقتصادية والسياسية معها». ولكنه أضاف أنه في الوقت نفسه «يجب أن نكون واعين للاعتماد المحتمل على التجارة مع الصين» في انتقاد لألمانيا التي بات عدد كبير من صناعاتها الحساسة معتمدة على الصين، مثل مصانع الأسلحة لتصنيع الذخائر. وسئل ستولتنبرغ عن موافقة ألمانيا على بيع جزء من مرفأ هامبورغ لشركة «كوسكو» الصينية المرتبطة بالدولة، فرد قائلاً إن على الدول أن تكون حذرة في التعامل مع الصين، وإن هناك حاجة للاتفاق على أطر بين دول حلف الناتو؛ «لتقليص نقاط ضعفنا، وإيجاد توازن بين التجارة مع الصين، وألا نصبح معتمدين كلياً عليها».