كيف يمكن للصين الخروج من مأزق «صفر كوفيد»؟

خلال سنوات جائحة «كوفيد - 19»، كان يُنظر للصين على أنّها صاحبة قصة نجاح في إدارة الوباء، عبر تطبيق سياسة «صفر كوفيد»، ما مكّنها من تخفيض أعداد الوفيات، بسبب الفيروس، إلى نحو 5 آلاف حالة في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، مقارنة مع 170 ألف حالة وفاة في المملكة المتحدة التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة.
لكن في الوقت الذي بدأت فيه أعداد الإصابات والوفيات تقلّ تدريجياً في العالم، بالتزامن مع الانتقال من مرحلة الإغلاق إلى التخفيف، لا تزال الصين تُصرّ على سياسة «صفر كوفيد»، بإجراءاتها المتمثّلة في عمليات إغلاق وحجر متكرّرة وفحوص «بي سي آر (P.C.R)» شبه اليومية، والمفارقة أنّ أعداد الإصابات بدأت تتّجه للزيادة، رغم تطبيق تلك السياسة، في وقت بات فيه ملمح الانخفاض هو السائد في غالبية دول العالم.
وشهدت الصين أخيراً احتجاجات نادرة على تلك السياسة، غير أنّ الخارجية الصينية، قالت في بيان الإثنين، تعليقاً على تلك الاحتجاجات، إنّ معركتهم ضد فيروس كورونا المستجد، «ستُكلّل بالنجاح»، وسط تشكيك من خبراء يرون أنّ بكين ستكون على موعد مع سيناريو «مرعب» قد يؤدي إلى حدوث «تسونامي» من الإصابات.
يقول تامر سالم، أستاذ البيولوجيا الجزيئية والفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر لـ«الشرق الأوسط»: «سياسة (صفر كوفيد) في حدّ ذاتها ليست مشكلة، لكنّ المشكلة تكمُن في استمرار تنفيذها، حيث كان ينبغي على بكين الاستفادة من المكاسب المؤقتة التي حققتها باستخدام تلك السياسة، للاتجاه نحو مرحلة التعايش مع الفيروس، مثلما فعلت غالبية دول العالم، التي شاركت بكين في البداية تنفيذ السياسة نفسها بقوة وحزم».
ومنذ بداية الوباء، طبّق كثيرٌ من الدول سياسة «صفر كوفيد» بصرامة، لكنّ ذلك كان بشكل مؤقت بهدف كسب الوقت لتطوير ونشر اللقاحات. وبمجرّد بناء مناعة «معقولة»، تم تخفيف القيود، وعادت الحياة إلى طبيعتها. لكنّ بكين استمرت في تلك السياسة التي حرمت مواطنيها مما يُعرف بـ«المناعة الهجينية»، كما يوضح سالم.
و«المناعة الهجينية»، هي التي تتشكل من اللقاحات والإصابة الطبيعية بالفيروس. وقد أثبتت دراسات أنها أكثر فاعلية في توفير الحماية. لكن استمرار سياسة «صفر كوفيد»، قصّر الحماية التي حصل عليها المواطن الصيني، من لقاحات تشير غالبية الدراسات إلى أنّ فعاليتها ليست قوية، فلقاحا «سينوفاك» و«سينوفارم»، الصينيان ليسا عديمي الفائدة، لكنّهما ليسا بجودة اللقاحات المستخدمة في أماكن أخرى من العالم (بحسب هذه الدراسات).
وتأخذ اللقاحات الصينية فيروسات «كورونا» كاملة وتقتلها وتحقنها لتدريب الجسم على محاربة الفيروس بأكمله. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ تقنية لقاح «الرنا مرسال»، التي تستخدمها شركتا «فايزر» و«موديرنا»، تدرّب الجهاز المناعي على مهاجمة البروتين الشوكي الموجود فقط على سطح الفيروس (بروتين سبايك)، وهو الجزء الرئيسي المستخدم لإصابة خلايا الجسم.
وقد يكون هذا الاختلاف، بين استهداف كل الفيروس، بدلاً من التركيز على الجزء الذي يسبّب الإصابة، هو الذي يوفّر حماية أقل، وفق دراسة نشرتها مجلة «لانسيت» في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتشير بيانات الدراسة التي تمّ إجراؤها في هونغ كونغ، إلى أنّ جرعتين من لقاح «فايزر» توفّران حماية بنسبة 90 في المائة ضدّ الأعراض الشديدة أو الوفاة، بينما تُحقّق جرعتان من «سينوفاك» حماية بمقدار 70 في المائة.
يقول بن كاولينغ، عالم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ، في تقرير نشره موقع «ذا ستيت» في 30 نوفمبر (تشرين الثاني): «إذا كنت تستخدم لقاحاً أقل فاعلية، فهذا يعني أنه يجب عليك الاهتمام أكثر بأخذ الجرعة المعززة الثالثة، وربما الرابعة. فثلاث جرعات من اللقاحات الصينية، تحمي بشكل جيّد من العدوى الشديدة والوفاة. لكن في حين أنّ نسبة عالية من الأشخاص قد حصلت على جرعتين فقط، وحصل نصف الصين فقط على ثلاث جرعات، وأن عدداً كبيراً ممن حصلوا على جرعة ثالثة فعلوا ذلك قبل تسعة أشهر أو عام، ما يشير إلى أنّ حمايتهم قد تتضاءل، فهذا يعني أنّه يجب على الحكومة الصينية أن تسعى جاهدة لرفع مستويات المناعة، خصوصاً بين كبار السن، قبل أن تتخلّى عن سياسة (صفر كوفيد)».
ويخشى كاولينغ، من تكرار سيناريو «هونغ كونغ»، حيث تبنّت السياسة نفسها، واستخدمت لأكثر من عامين سياسات صارمة للحجر الصحي، والتتبع والاختبار لمحاولة وقف انتقال الفيروس. وكان هذا النظام يحمي من المرض. لكن في الربيع الماضي، اخترق «أوميكرون» هونغ كونغ، ما أدّى إلى زيادة عدد الإصابات بشكل كبير هناك، حيث أُصيب نصف السكان في غضون شهر أو شهرين، بينما النمط نفسه يمكن أن يحدث كذلك في الصين.
وبحسب كاولينغ، لا تملك الصين حالياً، سوى الاهتمام بحملات التلقيح، وإدارة الوباء بالطريقة نفسها التي انتهجتها دول العالم، من حيث التخفيف التدريجي للقيود، ذلك لأنّ الإنهاء المفاجئ لسياسة «صفر كوفيد»، قد يؤدي إلى «سيناريو مرعب» يربك المستشفيات.
واقترحت دراسة نشرتها مجلّة «نيتشر ميدسين»، في مارس (آذار) الماضي، أنّ إنهاء حالة «صفر كوفيد» قد يُربك المستشفيات، ويزيد من الطلب على الأسِرّة بمعدّل يفوق المتوفّر حالياً، كما توقعت الدراسة نحو 1.5 مليون حالة وفاة.
وأعربت ماريون كوبمانز، رئيسة قسم علم الفيروسات في «مركز إيراسموس الطبي» في روتردام بهولندا، عن قلقها من توسّع الاحتجاجات، التي قد تدفع لاتخاذ قرار مفاجئ يؤدي إلى «تسونامي» من حالات الإصابة بالفيروس. وقالت كوبمانز لموقع «ذا ستيت»، إنّ الصين تحتاج إلى بناء مناعة سكانها جيداً، قبل التخلّي عن هذه السياسة.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، حذّر في مؤتمر صحافي خلال مايو (أيار) الماضي من أنّ استراتيجية الصين القائمة على «صفر كوفيد» غير قابلة للاستمرار، مشدداً على أهمية الانتقال إلى نهج بديل.
وأكّد مدير الحالات الطارئة في المنظمة، مايكل راين المطلب نفسه، مشيراً إلى أنّ هذه الاستراتيجية سمحت للصين، لبعض الوقت، بتسجيل عدد قليل من الوفيات مقارنة بعدد سكانها، ولكن أمام ارتفاع عدد الوفيات منذ فبراير (شباط) ومارس في الصين، فمن المنطقي أن تتحرّك الحكومة نحو نهج بديل.
في المقابل، ترى بكين أنّ مكاسب تلك السياسة أكبر من خسائرها. وحسب تقديرات الحكومة، فإنّ هذه الاستراتيجية جنّبت الدولة مليون حالة وفاة و50 مليون إصابة.