مع عودة كيروش والفوز على أوروغواي... إيران تبعث برسالة قوية إلى إنجلترا وأميركا وويلز

تشارك الحكومة الإيرانية أكثر من غيرها في كرة القدم - فالأندية مملوكة للدولة بشكل مباشر أو غير مباشر - لكنها تعتني بالمنتخب الوطني، المحبوب بشكل أكبر، في أوقات الاضطرابات العامة.
وبعد الفوز الشهير على أستراليا في ملحق الصعود لنهائيات كأس العالم في عام 1997، طُلب من اللاعبين أن يأخذوا وقتهم قبل العودة إلى الوطن، خشية أن تتحول الاحتفالات معهم على مستوى البلاد إلى شيء آخر!
وأدت «الحركة الخضراء» عام 2009، التي نشأت للتظاهر ضد ما كان يُنظر إليه على أنه انتخابات رئاسية مزورة، إلى ارتداء عدد من اللاعبين شارات خضراء في مباراة حاسمة في التصفيات في سيول. وفي غضون ساعات قليلة، تم تعليق صورهم في الشوارع على بُعد آلاف الأميال إلى الغرب. وعاد المتظاهرون إلى شوارع إيران بعد وفاة مهسا أميني في الحجز بعد أن ألقت شرطة الآداب القبض عليها في 13 سبتمبر (أيلول) بتهمة «ارتداء ملابس غير مناسبة». ومع استمرار الاضطرابات، فإن أي نجاح في كأس العالم، التي ستنطلق بعد ثمانية أسابيع، قد يُنظر إليه على أنه سيف ذو حدين من قبل السلطات.
وإذا كانت المباريات الدولية الأخيرة مؤشراً على أي شيء، فإن إيران ستذهب إلى مونديال قطر، وهي قادرة على المنافسة بقوة في مجموعتها التي تضم إنجلترا والولايات المتحدة وويلز، والتي خسرت كلها في المباريات التي لعبتها أخيراً.
وفي المباراة الأولى منذ عودة كارلوس كيروش مديراً فنياً هذا الشهر، فاز المنتخب الإيراني على منتخب أوروغواي بهدف دون رد في المباراة التي أقيمت في النمسا. وبسبب العزلة والعقوبات الدولية المفروضة على البلاد، من النادر أن تلعب إيران أمام مثل هذه المنتخبات في المباريات الودية، لكن هذا يسلط الضوء فقط على أن هذه إحدى أفضل النتائج التي حققتها إيران منذ سنوات. وما يزيد من أهمية هذا الفوز أنه جاء بعد أشهر من الفوضى والاقتتال الداخلي.
لقد بدأ الأمر عندما أعلنت القرعة وجود إيران إلى جانب إنجلترا والولايات المتحدة الأميركية في مجموعتها في كأس العالم.
ومن وجهة نظر إيران، لا يمكن أن يكون هناك خصمان أسوأ منهما، فهاتان الدولتان لهما دور عميق في التاريخ الحديث لإحدى أقدم الحضارات في العالم. إنهما الدولتان اللتان لا يزال يُنظر إليهما على أنهما وراء عديد من المشاكل التي تواجهها البلاد، التي تعاني من العقوبات الدولية والاضطرابات في الداخل، كما أنهما تمتلكان فريقين قويين يمثلان تهديداً هائلاً للمنتخب الإيراني، الذي لم ينجح من قبل في تجاوز دور المجموعات خلال خمس مشاركات سابقة في نهائيات كأس العالم.
لكن بعد القرعة، وفي ظل وجود مديرين فنيين محللين في جميع الفرق المنافسة، كانت هناك مطالبات بأن يكون المدير الفني لإيران إيرانياً. ومع ذلك، كان الكرواتي دراغان سكوتشيتش هو من تولى المسؤولية في فبراير (شباط) 2020، وقاد المنتخب الإيراني للتأهل للمونديال بعد تحقيق 15 انتصاراً في 18 مباراة. وفي التاسع من يوليو (تموز)، فاز المنتخب الإيراني للكرة الطائرة على نظيره الصربي في دوري الأمم للرجال. وفي اليوم التالي، أعاد حساب على وسائل التواصل الاجتماعي للمرشد الأعلى، علي خامنئي، نشر رسالة قديمة بعنوان جديد يقول إنه «من الجيد تحقيق النجاح مع مدير فني إيراني».
وعلى الرغم من أنه تم نفي أن يكون هذا تعبيراً عن أي رأي حول ما يجب أن يحدث مع المنتخب الإيراني، فقد شهد الحادي عشر من يوليو (تموز) إقالة سكوتشيتش على الرغم من أنه يبدو أنه لم يكن هناك عدد كافٍ من أعضاء مجلس الإدارة للتوقيع على الوثيقة الرسمية التي تؤكد إقالته.
وكان رد الفعل على القرار مختلطاً، وحتى أولئك الذين لم يحبوا سكوتشيتش شعروا بأنه عومل بشكل سيئ. وكان علي دائي المرشح الأوفر حظاً لتولي القيادة الفنية، لكنه سرعان ما اعتذر عن ذلك، كما لم يبدِ المرشحون الآخرون حماساً كبيراً لتولي هذا المنصب.
عاد سكوتشيتش إلى وظيفته في غضون أسبوع واحد، لكن كان من المستحيل التظاهر بأنه لم يحدث شيء، فقد كان الفريق منقسماً مثل الرأي العام. وكان المهاجم مهدي طارمي قد دخل، في وقت سابق، في خلاف مع المدير الفني، وكان يقود المعسكر الذي يطالب بتغييره. وزعمت تقارير بأن نجم بورتو وبعض زملائه التقوا وزير الرياضة الإيراني.
في الجهة المقابلة، كان سردار آزمون، لاعب باير ليفركوزن، أكبر داعم لسكوتشيتش.
كان الأمر سيُحسم بطريقة أو بأخرى في نهاية أغسطس (آب) مع انتخاب رئيس جديد للاتحاد الإيراني لكرة القدم.
وقال مهدي تاج، الذي تولى رئاسة الاتحاد خلال الفترة بين عامي 2016 و2019 وعمل مع كيروش، على الملأ، إنه سيفكر في إعادة المدير الفني السابق لريال مدريد لو فاز برئاسة الاتحاد. ونظراً لعدم وجود خيارات محلية، كان يُنظر إلى كيروش على أنه أفضل الخيارات المتاحة، نظراً لأنه غير مرتبط بالعمل مع أي فريق ويمتلك اسماً كبيراً في عالم التدريب، ويمكن التعاقد معه بمبلغ مادي زهيد، بالإضافة إلى أنه على دراية باللاعبين والسياسة، وقادر على إعداد فريق يمكنه تقديم نتائج جيدة في كأس العالم.
وكان سكوتشيتش قد ألقى باللوم في وقت سابق على «المصالح المختلفة» التي تحاول خلق توترات في الفريق، لكنه هذه المرة بقي هادئاً وركز على البقاء والحصول على باقي مستحقاته المالية (تشير بعض المصادر إلى أن إقالته لم تكلف الاتحاد الإيراني كثيراً من الأموال).
ويقول أنصار سكوتشيتش إنه من المفارقة والسخرية أن يُقال المدير الفني الذي قاد إيران للتأهل إلى كأس العالم واستبدال مدير فني، فشل مع كل من كولومبيا ومصر، به.
لكن هذا لن يتسبب في أي إزعاج لكيروش، الذي يبغض الصراعات والجدل. وخلال مباراة إيران أمام أوروغواي، كان هناك شعور وكأن كيروش لم يرحل عن إيران قط. ومهما كانت الانقسامات خلال الأسابيع الأخيرة، لا يبدو أن هناك مشكلة في روح الفريق، الذي لعب بكل قوة أمام أوروغواي، وتمكن من خطف فوز مهم في وقت متأخر من المباراة بهدف من لمسة رائعة من مهدي طاريمي.
وهناك مشكلات أكبر في الوقت الحالي في هذا البلد المحب لكرة القدم، لكن بعد أشهر من الفوضى قد يكون المنتخب الإيراني قد عاد أخيراً إلى المسار الصحيح، حتى لو كان لفترة قصيرة، فعلى الأقل بعثت إيران برسالة قوية إلى بقية منتخبات المجموعة الثانية، وخصوصاً أول منتخب سيلعب أمامه وهو المنتخب الإنجليزي، بأنها لن تكون لقمة سائغة.