من يقف وراء تخريب خطي أنابيب «نورد ستريم»؟

أشار كثيرون إلى أن عملا تخريبيا يقف وراء تسرب الغاز من خطي الأنابيب «نورد ستريم 1» و«نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا، واعتبر خبراء أن قوات عسكرية مختلفة في المنطقة قادرة على تنفيذ عملية كهذه. ورغم أن وقوع حوادث عرضية بشكل متزامن يبدو أمرا غير وارد، فإن الغموض لا يزال يخيم على طريقة مهاجمة الأنابيب وهوية الفاعل. وقع التسرب في المياه الدولية قبالة جزيرة بورنهولم الدنماركية في بحر البلطيق، بين جنوب السويد وبولندا، وهي منطقة تعد منذ فترة طويلة من أكثر المساحات المائية الخاضعة للمراقبة من كثب في العالم.
وكتب المحلل البحري المستقل إتش آي ساتون على «تويتر»، أمس (الثلاثاء)، قائلا إنه خلال الحرب الباردة «نشر الاتحاد السوفياتي غواصات تجسس تتمتع بقدرات هندسية خاصة للتعامل مع قعر البحر في البلطيق».
وأضاف ساتون أنه على الرغم من أن دول البلطيق السوفياتية السابقة باتت تنتمي اليوم إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن البحرية الروسية اليوم تمتلك «أكبر أسطول من غواصات التجسس في العالم» في القطب الشمالي.
وتابع: «هم قادرون على إتلاف خط أنابيب في بحر البلطيق. ومع ذلك فإن ذلك يبدو أمرا غير محتمل».
ووجهت الحكومات الغربية أصابع الاتهام إلى موسكو التي وصفت هذه المزاعم بأنها «سخيفة». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف اليوم: «الخطان كانا ممتلئين بالغاز المكلف للغاية والجاهز للضخ. الآن يختفي هذا الغاز في الهواء».
وقال أستاذ سياسات الطاقة في جامعة هيرتي ببرلين ليون هيرث إنه سيكون من الصعب الوصول إلى الأنابيب على عمق 70 مترا تحت الماء. وأضاف أن «إلحاق الضرر بخطي أنابيب للغاز في قعر البحر هو حدث كبير، لذا من المرجح أن تكون جهة فاعلة تابعة لدولة ما وراء ذلك»، مستبعدا ضمنيا وقوع هجوم «إرهابي» أو إجرامي.
وقال مسؤول عسكري فرنسي كبير لوكالة الصحافة الفرنسية إنه بالنسبة للجيوش الحديثة، فإن المنطقة «مناسبة بشكل مثالي لغواصات الجيب»، وهي غواصات قزم مع طاقم صغير وغالبا ما يتم نشرها من سفينة.
ويمكن إرسال غواصين إلى قعر البحر لوضع متفجرات، وإلا فإن الألغام ذاتية الدفع أو غواصة مسيّرة يمكن أن تقوم بالمهمة.
وأضاف المسؤول أن «الغواصات المسيّرة تغادر من غواصة تقف على بعد أميال بحرية عدة من الهدف (... ) ولأن الهدف ثابت فالعملية ليست بهذا التعقيد» بالنسبة لهجوم من بعد. وأشار إلى أن الهدف الثابت يجعل من غير المرجح أن تكون الأنابيب قد ضربت بالطوربيدات لأن هذا السلاح يستخدم عادة لمهاجمة أهداف متحركة.
وقدر معهد «نورسار» النرويجي للزلازل حجم الانفجار بما يعادل 700 كيلوغرام من مادة «تي إن تي»، وهو تأثير يمكن أن ينتج من عبوات حديثة.
وقال جوليان باولاك من جامعة هيلموت شميدت في هامبورغ: «بحر البلطيق ضيق وضحل، وتقريبا أي حركة يتم تعقبها ومراقبتها من قبل الدول المطلة عليه ومن قواتها البحرية». وأضاف أن «القيادة البحرية لحلف شمال الأطلسي والسفن الحليفة تتوقع أنشطة هجينة وتستعد لها، بما في ذلك تخريب البنى التحتية الحيوية». ومع ذلك، قال باولاك إن «السفن والغواصات قادرة على نشر غواصين قتاليين وأيضًا مركبات دون طيار تحت الماء».
وقال المصدر العسكري الفرنسي إن الهجوم في أعماق البحر سيكون «عملية بحرية خاصة»، مضيفا: «الأمر ليس سهلا، إنما هناك من يفعله، لكن يجب أن يكون ذلك منسقا ومعدا له بشكل جيد».
يعتقد محللون أن تحديد الفاعل الحقيقي قد يستغرق بعض الوقت، ما يترك حالة من عدم اليقين من المرجح أن تستغلها جهات مختلفة. ومنذ وقت طويل تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على ألمانيا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن قبيل غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) «إذا غزت روسيا (...) أعدكم بأننا سنضع حدا لـنورد ستريم».
وانتشر الفيديو على نطاق واسع على الإنترنت منذ التسرب ومسارعة ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد الجناة. كما تزامنت انفجارات نورد ستريم مع افتتاح خط أنابيب غاز جديد من النرويج إلى بولندا عبر الدنمارك بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي. وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي: «حقبة هيمنة الغاز الروسي على وشك الانتهاء».
لكن هيرث قال: «من الصعب تخيل أحد أعضاء حلف شكال الأطلسي يفعل ذلك، حتى أكثرهم انتقادا لمشروعات خطوط الأنابيب (الروسية)».
وفي الوقت الحالي يتفق المحللون على أن الهجوم على نورد ستريم مرتبط بحرب أوكرانيا.
ومن المؤكد أيضا أن تضرر أنابيب الغاز يزيد من الضغوط على الاقتصاد الأوروبي المتعطش لمصادر طاقة جديدة من أجل تعويض الشحنات الروسية المتوقفة.
وأضاف هيرث الذي لديه شكوك بأن الروس قاموا بتخريب الأنابيب أنه «تذكير صارخ بضعف البنى التحتية للطاقة لدينا».
وتابع «إذا كان هذا صحيحا، فهو أمر يبعث على القلق. وعلى أقل تقدير يعني أن روسيا تحرق الجسور: إنها ترسل أوضح إشارة ممكنة إلى أنها لن تقوم بتسليم الغاز في أي وقت قريب».