تفضيلات الشباب للأخبار تُثير تساؤلات بشأن المحتوى

أثارت نتائج استطلاع للرأي، نشرت أخيراً، تحدثت عن أن الشباب لا يستمتعون بالأخبار، تساؤلات بشأن تطوير محتوى وسائل الإعلام. وفي حين أكد خبراء «منطقية» هذه النتائج، فإن طالبوا وسائل الإعلام بالعمل على تغيير نظرة الشباب للأخبار عبر إطلاق برامج غير تقليدية وجذابة.
استطلاع الرأي هذا، أجراه مشروع إعلامي بحثي بالتعاون بين معهد الصحافة الأميركي ووكالة «أسوشييتد برس» للأنباء، ومركز «نورك» لأبحاث الشؤون العامة، ونُشرت نتائجه نهاية أغسطس (آب) الماضي. ولقد بيَّن أن «79 في المائة من الشباب الأميركي من سن 16 إلى 40 سنة (أي «جيل الألفية» و«جيل زد»)، يتلقون الأخبار بشكل يومي، لكنهم ليسوا سعداء بما يتلقونه».
تشكّل هذه النتائج تحدياً للمفهوم السائد القائل بأن الشباب «لا يقرأون»، اعتماداً على إحصائيات تُظهر أن جمهور وسائل الإعلام (صحافة وتلفزيون) من الجيل الأكبر سناً، حسب المدير التنفيذي لمعهد الصحافة الأميركي، مايكل بولدن، الذي ذكر في تصريحات نشرتها وكالة «أسوشييتد برس»، أن «جيل الشباب أكثر انخراطاً في الإعلام والأخبار من التصورات السائدة عنهم».
الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الإعلام والاتصال في تونس، علقت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن هذه النتائج تعد «منطقية... لا سيما أن مشكلات الحياة انتقلت إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي يتابعها الشباب باستمرار، وأثرت على صحتهم النفسية. لذلك يبحث الشباب في المنطقة العربية عن الأخبار المضحكة بعدما ملّ من السياسة».
وبدورها ترى الدكتورة نهى عاطف، الباحثة الإعلامية في جامعة «سايمون فريزر» الكندية، أن «الاستطلاع، وإن كان يتحدث عن الشباب الأميركي في الأساس، فإن نتائجه تتوافق مع الوضع في المنطقة العربية». وأردفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «على مدار السنوات الماضية حدث تراجع حاد في توزيع الصحف لصالح الإنترنت والتلفزيون، وأضحت البرامج الحوارية المصدر الأساسي للأخبار والمتابعات». واستطردت لافتة إلى أن «الواقع يقول إن معظم البرامج الحوارية باتت تعتمد على المحتوى المتداول على منصات التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه تستخدم الصحف هذه المنصات في الترويج لمحتواها... ما يعني أن المحتوى ذاته يُعرض من خلال عدة وسائط، وهو ما يعرف بالاندماج الإعلامي». ولقد برّرت عاطف أسباب عزوف الشباب عن متابعة الأخبار، أو قلة استمتاعهم بها، بـ«الحالة العامة التي يشعر فيها الشباب بغياب الجديد، إضافةً إلى ضعف الصياغة الإعلامية للمحتوى، والتقصير في تقديمه بشكل جذاب يلمس الشباب».
الاستطلاع، الذي أُجري على 5975 أميركياً تتراوح أعمارهم بين 16 و40 سنة في الفترة من 18 مايو (أيار) حتى 8 يونيو (حزيران) 2022، كشف عن أن «32 في المائة فقط قالوا إنهم يستمتعون بالأخبار التي يحصلون عليها، وهي نسبة أقل مما كان عليه الوضع قبل سبع سنوات، حين كان 53 في المائة من جيل الألفية يستمتعون بالأخبار». ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن أستاذ الصحافة بجامعة ماريلاند، توم روزنستيل، قوله إن «بعض النتائج التي تشير إلى شعور الأشخاص بالضيق كلما أمضوا وقتاً أطول على الإنترنت، أو تتحدث عن وضع البعض لقيود زمنية تحدد استهلاكهم اليومي من الإنترنت، وتعطي انطباعاً بأن الأخبار أصبحت مرهقة للجمهور».
كذلك يشير الاستطلاع إلى أن «71 في المائة من الفئة العمرية محل البحث يحصلون على الأخبار يومياً من مواقع التواصل الاجتماعي». وتتنوع منصات التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها الشباب في الحصول على الأخبار، إذ لم يعد «فيسبوك»، مهيمناً كما كان الوضع سابقاً. ويضيف الاستطلاع أن «أكثر من ثلث النسبة السابقة يحصلون على الأخبار من منصتي (يوتيوب) و(إنستغرام)، بينما يعتمد الربع تقريباً على منصات (تيك توك) و(سناب شات) و(تويتر)»، كما أورد أن «40 في المائة من الشباب قالوا إنهم يستقون الأخبار من (فيسبوك) بشكل يومي، مقارنةً بـ57 في المائة من جيل الألفية، كانوا يعتمدون على (فيسبوك) عام 2015».
وعلى صعيد الاهتمامات والتفضيلات، أوضحت حصيلة الاستطلاع أن المواضيع التي يتابعها الشباب تتقدمها أخبار المشاهير والموسيقى والترفيه بنسبة تقارب 49 في المائة، تليها مباشرة أخبار الطبخ والطعام بنسبة 48 في المائة، بينما يتابع نحو الثلث مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالصحة واللياقة البدنية، والعدالة الاجتماعية والبيئة، والسياسة، والتعليم.
في المقابل، يلفت الاستطلاع عينُه إلى أن «اعتماد الشباب على منصات التواصل الاجتماعي لا يلغي دور مصادر الأخبار التقليدية، إذ إن نحو 45 في المائة من المستطلعين قالوا إنهم يتلقون الأخبار يومياً من المصادر التقليدية (تلفزيون، وراديو، وصحف، ومواقع إخبارية)». ثم إن «ربع الشباب يدفعون بانتظام اشتراكات مقابل منتج إخباري واحد على الأقل من الصحف والمجلات، مطبوعة كانت أو رقمية، ونسبة مماثلة تبرعت لمؤسسة إخبارية غير ربحية واحدة على الأقل». أيضا، فإن «9 من كل 10 شباب رأوا المعلومات الزائفة مشكلة، في حين عدها 6 من بين كل 10 مبحوثين مشكلة كبيرة. وأفاد معظمهم بأنهم تعرضوا لمعلومات مضللة». ولقد ألقى هؤلاء باللوم على منصات التواصل الاجتماعي وبعض السياسيين وبعض وسائل الإعلام التقليدي كأسباب لانتشار المعلومات الزائفة، إذ تقول نسبة كبيرة من المستطلعين إن «القصص الإخبارية عادةً ما تسبب الصراع أكثر من المساعدة في حله ومعالجته، كما أنها تسهم في نقل نظريات المؤامرة والشائعات». في حين يرى البعض أن «الصحافيين يضعون الكثير من الرأي في قصصهم الصحافية».
الدكتورة بلعيد ترى هنا أنه «من الصعب التعامل مع مشكلة تزايد اعتماد الشباب على منصّات التواصل»، لكنها في الوقت نفسه تطالب وسائل الإعلام بالعمل على «خلق محتوى جذاب يتحدث عن حياة الشباب ومشكلاتهم اليومية». وتتفّق الدكتورة عاطف في ذلك، مشددةً على «أهمية إطلاق برامج غير تقليدية على شاكلة تدوينات الفيديو التي يصنعها المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي بهدف تغيير نظرة الشباب للأخبار». وأشارت إلى أن «هؤلاء المؤثّرين أسرع وصولاً للشباب لأنهم يعرفون ما يريده هذا الجمهور ويسعون لتلبية احتياجاته بأسلوب شيق وجذاب، مقارنةً بالبرامج الحوارية التلفزيونية التي تقدم في قوالب مكررة غير جذابة».
ختاماً، هذه النتائج لم تفاجئ مايكل بولدن، الذي يصف دورة الأخبار على مدار السنوات الثلاث الأخيرة بأنها «كانت صعبة... وأن البعض قد يتفاجأ من أن الشباب يرى أن وسائل الإعلام أحد أسباب انتشار المعلومات المضللة، رغم اعتقاد هذه الوسائل أنها تعمل على محاربتها». ويؤكد أنه «في كل الأحوال وسواء كان اعتقاد الشباب صحيحاً أم خاطئاً، على وسائل الإعلام أن تعمل على تصحيحه، وتشرح بشكل أفضل ما تفعله، وكيف تتخذ قرارات التغطية الإخبارية».