آلاف الروس يودِّعون غورباتشوف... وبوتين يتجاهله

شارك آلاف الروس، السبت، في وداع آخر زعيم للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، في مراسم جنازة من دون طابع رسمي، غاب عنها الرئيس فلاديمير بوتين.
ودُفن غورباتشوف الذي توفي الثلاثاء عن 91 عاماً، في مقبرة «نوفوديفيتشي» إلى جانب زوجته رايسا غورباتشوفا التي توفيت عام 1999، والتي كان قريباً جداً منها، بينما كانت فرقة موسيقية عسكرية تعزف النشيد الوطني الروسي، وفق وكالة «الصحافة الفرنسية».
في وقت سابق من يوم السبت، سُجّي جثمان غورباتشوف في مجلس النقابات، وهو مكان رمزي في العاصمة الروسية سجيت فيه جثامين عدة قادة شيوعيين، مثل جوزيف ستالين عام 1953. وقال أحد المشاركين ويُدعى يفغيني ماتفيف (44 عاماً): «رجل سياسي كبير يرحل، حقبة غورباتشوف تنتهي اليوم»، مضيفاً: «لقد هدّأ العلاقات مع أميركا (...) كان العالم بأسره يعرفه». وكان يفغيني من بين آلاف قدموا للمشاركة في وداع الزعيم السابق.
ودخل الروس ضمن مجموعات صغيرة من كافة الأعمار إلى مجلس النقابات، لوضع الورود والانحناء بصمت أمام نعش غورباتشوف الذي كان مفتوحاً، وقد وُضعت إلى جانبه صورة للزعيم السابق.
وطبع غورباتشوف التاريخ عبر مساهمته في انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، عند محاولته إنقاذه عبر تنفيذ حزمة إصلاحات، ما أدى إلى انتهاء الحرب الباردة.
وقالت ناتاليا ليليكو، وهي مدرّسة تبلغ 60 عاماً شاركت في مراسم التشييع: «لقد حصلنا على نفحة حرية، منحنا الشفافية والتعددية».

من جانبها، رأت كسينيا جوبانوفا، وهي مترجمة تبلغ 41 عاماً، أن ذلك كان «نفساً من الحرية ينقصنا منذ زمن»، مضيفة: «أنا ضدّ فكرة الانقطاع عن سائر العالم، أنا مع الانفتاح والحوار».
ويحظى غورباتشوف الذي وصل إلى السلطة في 1985، باحترام كبير في الدول الغربية، كما يرى بعض الروس أنه رجل سلام، بينما حمّله جزء كبير منهم مسؤولية انهيار قوة عظمى، وسنوات من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تلت ذلك.
في دليل على هذا الأمر، لم يتم إعلان يوم حداد وطني، كما أن الجنازة أُقيمت في ظل غياب بوتين الذي عزاه الكرملين إلى «جدول الرئيس» الذي لا يسمح له بالحضور. وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الزعيم الأجنبي الوحيد الذي قدم إلى موسكو؛ حيث انحنى أمام جثمان غورباتشوف احتراماً. وكتب أوربان على «فيسبوك» أن غورباتشوف كان أحد الأسباب التي سمحت لأوروبا الوسطى «بالتخلص من الشيوعية سلمياً، من دون خسائر بشرية ولا إراقة دماء».
من جهته، قدّم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تعازيه في مكالمة هاتفية أجراها السبت مع بوتين، وفق ما أعلن الكرملين. وحضر سفراء الدول الغربية، وكذلك الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، والصحافي ديمتري موراتوف الحائز جائزة نوبل للسلام لعام 2021، الجنازة، وقدموا تعازيهم لابنة غورباتشوف، إرينا.
ورغم أنه لم يحضر الجنازة، السبت، كان بوتين قد توجه الخميس إلى المستشفى المركزي في موسكو؛ حيث توفي غورباتشوف، ووضع باقة ورود قرب نعشه.
وغداة وفاته، وجّه بوتين له أول تحية في رسالة تعزية. بلهجة حيادية، قال إن غورباتشوف «ترك تأثيراً كبيراً على تاريخ العالم»، وكان «يجهد لعرض حلوله الخاصة للمشكلات».
وكانت العلاقات بين الرجلين معقدة، وتأرجحت بين علامات التقدير والمآخذ المتبادلة قبل أن تصبح لامبالاة ودية.
في المقابل، فإن العواصم الغربية من واشنطن إلى برلين، مروراً بباريس وروما، وجّهت تحية تقدير لذكرى غورباتشوف، بسبب عمله على التقارب بين الغرب والشرق، وخفض الترسانات النووية، ما أدى إلى منحه جائزة نوبل للسلام في 1990. وأعلنت ألمانيا التي أتاح سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي إعادة توحيدها، أنه سيتم تنكيس الأعلام السبت في العاصمة.
في المقابل، يظهر التكريم المحدود الذي خص به الروس غورباتشوف ضعف شعبيته في البلاد. ويرى كثيرون أنه ساهم في انهيار القوة السوفياتية العظمى التي كانت تتنافس مع أميركا، والتي فتحت نهايتها المجال أمام عقد من الأزمات والعنف.