سنوات السينما: الأرض (1970)

الأرض (1970) (1 من 2)
(جيد)
هناك الكثير مما قيل في فيلم «الأرض» ليوسف شاهين وأغلبه قام على الموضوع الإنساني - السياسي الذي يعرضه. ما ينتج عن هذا الاهتمام في الموضوع والقضية، التي يتبناها الفيلم مع معالجة شاهينية لها كل ما لديه من إلمام وخبرة فنية مشهودة، وضع صعب بالنسبة لمن أراد التعمّق أكثر، ومن زاوية متحررة من الوصايا، يصعب، في فيلم هو في الوقت نفسه مهم لمسيرة مخرجه، ومهم للسينما المصرية، واستذكار لمؤسسة السينما المصرية التي أنتجته، الخروج عن الخط المعتمد بخط مخالف.
ليس أن «الأرض» فيلم رديء بأي شكل. كذلك هو ليس بالعمل الذي لا يتعامل مع قضايا إنسانية تنضم لأفلام كثيرة حول الوضع الطبقي في الثلاثينات والأربعينات، ما يتوجب حسبانه، حقيقة أن الفيلم هو حكاية وقضية أكثر مما هو فيلم عن السينما في حالة بهاء وإبداع. بكلمات أخرى، الفن والمعالجة البصرية والسردية لفيلم «الأرض»، مستسلمان للنص وشروطه. بذلك هناك الكثير من الأرض، والكثير من الفلاحين، والكثير من الشكوى والخطابات، التي يراد لها أن تنضح بالرغبة في الثورة الصعبة ضد سُلطة لا يمكن مقاومتها، ناهيك عن التغلّب عليها.
تعرض رواية عبد الرحمن الشرقاوي، كالسيناريو الذي كتبه حسن فؤاد (واحد من سيناريوهين له، تم تنفيذهما، الآخر «الناس والنيل»، الذي أخرجه يوسف شاهين أيضاً سنة 1972) قرية تعتمد على الزراعة، مما يجعلها بحاجة إلى الماء لسقاية القطن ودوار الشمس وباقي خيرات الأرض. الحكومة سمحت بعشرة أيام فقط لسقي الماء، وهي بالكاد تكفي، لكن عندما تصدر الأوامر لخفض عدد هذه الأيام إلى خمسة، تبدأ القرية البحث عن حلول. بين المقترحات، كتابة عريضة للحكومة، وبينها محاولة التحدّث إلى العمدة (عبد الوارث عسر) لعله يستطيع الوساطة. بينها أيضاً مواجهة القرار بالقوّة. هذا المقترح الأخير يقوده محمد أبو سويلم (محمود المليجي)، والفلاح عبد الهادي (عزت العلايلي). الأول والد وصيفة (نجوى إبراهيم)، والثاني هو من يريدها زوجة له.
أهل القرية غير متّفقين على حل واحد. وجزء كبير من الفيلم يقوم على تكرار مشاهد من ذلك التباين بين الآراء قبل إضافة تجربة الشيخ حسونة (يحيى شاهين)، الذي كان هاجر إلى المدينة، وها هو يعود لمساعدة أهل القرية في نضالهم. لكن الشيخ حسونة واقع بين خيارين صعبين، خسارة أرضه إذا ما انضم إلى أهل القرية، أو القبول بتحييده مقابل الاحتفاظ بها.
هناك الكثير من الهرولة «من وإلى»، وهذا يتواكب مع طبيعة السلوك المتوقع، والكثير من المواقف الخطابية التي تعكس انشقاق المتضررين. لكن هناك مشهد ممتاز واحد في هذا الشأن، يقع بعد ساعة ونصف من الفيلم، عندما يخطب أبو سويلم في بعض رجال القرية المجتمعين داخل بيت، مذكراً كل واحد بدوره في عدم التئام القرار ووحدة الصف. لكن جودة أداء المليجي وجودة كتابة المشهد وتنفيذه، ستحال إلى نوع من الهدر لاحقاً. فمن بين من يوجّه أبو سويلم الحديث إليه، هو الشيخ حسونة الذي يهب لعناقه مادحاً تأثير كلماته عليه.
هذا ما يجعل قبوله الصامت بتحييده عن النزاع مقابل عدم التعرض لأرضه موضع تساؤل غير مقصود كتابة أو تنفيذاً.