الحماية من «كوفيد - 19»... الخبرة عبء على الاستجابة المناعية

إذا سألت أصحاب الشركات أيهما تفضل في العمل، فإن الأغلبية تفضل أصحاب الخبرات، ويكون التمييز بين المتقدمين لنفس الوظيفة على أساس سنوات الخبرة. لكن عندما يتعلق الأمر بجسدك واستعداده لمقاومة العوامل الممرضة، ومنها فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض «كوفيد - 19»، فإن دراسة ألمانية حديثة، تمنح الأولوية للخلايا التائية المناعية عديمة الخبرة، مؤكدة أن الخلايا الخبيرة فائدتها محدودة للغاية.
ومع بدايات الوباء ذهبت دراسات إلى أن الإصابة السابقة بنزلات البرد الشائعة قد تمنح بعض الحماية التي تقلل من فرص الإصابة بكورونا المستجد أو على الأقل لا تجعل مرضك شديدا عند الإصابة، لكن الدراسة الجديدة التي أجراها باحثون من جامعة كيل الألمانية ونشرتها دورية «اميونتي» في 12 أغسطس (آب)، ذهبت إلى أن الأشخاص الذين أصيبوا في كثير من الأحيان بفيروسات نزلات البرد، والتي تنتمي أيضاً إلى عائلة فيروسات كورونا، لا يتمتعون بحماية أفضل من (كوفيد - 19)، لا بعد الإصابة بالفيروس ولا بعد التطعيم.
يقول بيترا باشر من معهد علم المناعة في جامعة كيل الألمانية في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة بالتزامن مع الدراسة: «أظهرنا بالفعل عام 2020 أن التعرض المبكر لفيروسات البرد الشائعة لا يوفر الحماية من (كوفيد - 19)، وفي دراسة متابعة، تمكنا الآن من إظهار أن هذا ليس مفيدا أيضاً لجودة استجابة اللقاح».
وخلال الدراسة قام باحثو المناعة بالمعهد، بتحليل عينات الدم من الأشخاص الأصحاء قبل وبعد إصابتهم بالفيروس وقبل وبعد التطعيم، ولاحظ الباحثون أن «الاستجابة المناعية الجيدة تأتي من ذخيرة الخلايا التائية الساذجة «عديمة الخبرة»، بينما كان لخلايا الذاكرة التائية الموجودة مسبقا، والتي تتعرف على كورونا المستجد تأثير سلبي، وقد يفسر هذا سبب كون الاستجابة المناعية لدى كبار السن أسوأ بعد الإصابة أو التطعيم، عند المقارنة مع الشباب.
والخلايا التائية، وبشكل أكثر دقة الخلايا التائية المساعدة، هي المنظمات المركزية للاستجابات المناعية، وتتعرف كل خلية تائية على عامل ممرض معين من خلال «مستقبل الخلية التائية».
ولم يكن لدى الخلايا التائية الساذجة أي اتصال مع مسببات الأمراض أثناء العدوى أو التطعيم، وبالتالي يتم تنشيط الخلايا التائية الخاصة بهذا العامل الممرض فقط ويمكن أن تتحول إلى خلايا ذاكرة، وتوفر هذه الخلايا رد فعل مناعي سريعا عند الاتصال المتكرر مع العامل الممرض، وهذا هو مبدأ التطعيم.
وفي المقابل، فإنه في دم الأشخاص الذين لم يتم تطعيمهم أو لم يصابوا بالعدوى، يمكن العثور على خلايا الذاكرة التي يمكن أن تتفاعل مع كورونا المستجد، ولكنها تنشأ من العدوى بمسببات الأمراض الأخرى، وهذه ظاهرة تسمى «التفاعلية التبادلية»، والتي كان يعتقد سابقاً أنها واقية.
يقول باشر «تساءلنا عما إذا كانت خلايا الذاكرة التي استجابت بالفعل لممرض مشابه لكورونا المستجد، مثل فيروس البرد، قد حسنت بالفعل الاستجابة للتطعيم ضد الفيروس، أم أنه من المهم أن يكون لديك الكثير من السذاجة، فوجدنا أن الخلايا الساذجة تتكيف بشكل خاص مع العامل الممرض الجديد، وهذا هو الحال عادة في الشباب، الذين عادة ما يمتنحون مناعة جيدة بعد العدوى والتطعيمات، مقارنة بكبار السن».
شملت الدراسة التي خرجت بهذه النتيجة تحليل دم 50 فردا سليما قبل تلقي التطعيم ضد كورونا وبعد عدة أسابيع من التطعيم الأول والثاني. وتم استبعاد الإصابة السابقة بالفيروس، باستخدام تقنية خاصةً تسمى «تخصيب الخلايا التائية التفاعلية للمستضد»، حتى يتم تحليل تلك الخلايا التي تتفاعل مع اللقاح على وجه التحديد.
يقول باشر «نقوم بفرز الخلايا التي تتفاعل مع كورونا المستجد لأنها تحدد الاستجابة المناعية فقط، ومن خلال تحليل مستقبل الخلايا التائية، يمكننا بعد ذلك تحديد ما إذا كانت الخلايا قد أتت من ذخيرة ساذجة أو من ذخيرة الذاكرة».
ويضيف «كانت نتيجة الدراسة أن خلايا الذاكرة التائية الموجودة مسبقا لا تساهم في استجابة مناعية عالية الجودة، بل على العكس، تأتي استجابة مناعية جيدة جدا من الذخيرة الساذجة».
وأظهر المشاركون الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً استجابة أضعف للقاح بشكل عام، وفي حالاتهم، أدى التطعيم إلى زيادة طفيفة فقط في الخلايا التائية الخاصة بكورونا المستجد، وأظهرت الدراسة أنه في كبار السن، لم يعد من الممكن تنشيط الخلايا التائية الساذجة القليلة المتبقية، ولكن أيضاً الوجود القوي لخلايا الذاكرة الموجودة مسبقا لا يساهم بشكل إيجابي في استجابة اللقاح لدى كبار السن.
يقول «يمكن التخفيف من هذا الخلل في الجهاز المناعي لكبار السن من خلال المزيد من التطعيمات المعززة، ولكن لا يمكن تعويضه بشكل كامل، وهذا يعني أن فئة كبار السن تظل مجموعة معرضة للخطر».
يقول ألكسندر شيفولد، الباحث المشارك بالدراسة «إذا كنا نركز في نصيحتنا على كبار السن، الذين لا تستطيع أجهزتهم المناعية التكيف بشكل جيد مع هذا العامل الممرض الجديد، ولكن لا نغفل أيضاً أن هناك بين الشباب من يعانون من ضعف الاستجابة المناعية بعد التطعيم، وهذا يتفق مع ما نراه في الواقع، فلا تزال هناك بعض الحالات الخطيرة التي تحدث بين بعض الشباب، رغم التطعيم».