بولسونارو يراهن على أصوات إنجيليي البرازيل لهزيمة لولا دا سيلفا

في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كانت نسبة الكاثوليكيين في البرازيل تزيد على 85 في المائة من بين سكانها البالغ عددهم 220 مليون نسمة. وبعد أربعة عقود على ذلك الإحصاء، تراجعت هذه النسبة بشكل ملحوظ لصالح المجموعات الإنجيلية التي تموّل نشاطها الكنائس والإرساليات الأميركية، والتي أصبحت تشكّل نحو ثلث السكان وتنشط في جميع المحافظات عبر مراكز التبشير والخدمات الاجتماعية.
ويتجلّى تنامي نفوذ هذه الجماعة بوضوح في البرلمان البرازيلي، حيث يشكّل نوابها أكبر كتلة تضمّ 116 عضواً كانوا القاطرة التي حملت جايير بولسونارو إلى رئاسة البرازيل ضد كل التوقعات في الانتخابات الماضية، والتي يراهن عليها الرئيس الحالي لتجديد ولايته مطلع الخريف المقبل، بعد أن أطلق يدها في جميع مرافق الدولة ومدّها بمساعدات ضخمة طوال السنوات الماضية.
وتجدر الإشارة إلى أن بولسونارو، وهو كاثوليكي متحدّر من أصول إيطالية، كان قد عُمّد على يد مبشرّ إنجيلي في نهر الأردن خلال إحدى زياراته إلى إسرائيل قبل أسابيع من ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة، حيث كان شعار حملته «الله فوق كل شيء، والبرازيل فوق الجميع». وكان صرّح في بداية هذه الحملة منذ أيام، بأن الانتخابات المقبلة هي صراع بين الخير والشر، تحسمه أصوات المؤمنين والمحافظين على القيم والمبادئ الدينية.
ورغم التعدد الكبير للتيارات الإنجيلية، فهي تتوافق بشكل مطلق في البرلمان حول معظم المواضيع الاجتماعية المطروحة على مائدة النقاش السياسي، مثل معارضة الإجهاض، ورفض ترخيص المخدرات، وتأييد الأسرة التقليدية، وحظر ألعاب الميسر، وتشديد القيود على شراء الأسلحة. يقول إيغناسيو روبليدو، مدير معهد الدراسات الاجتماعية في جامعة ساو باولو، إن البرازيل دولة علمانية غالبية سكانها من الكاثوليك، لكنّها في طور تحوّلات اجتماعية عميقة يدفعها نشاط الكنائس الإنجيلية التي أصبحت تملك أوسع شبكة لوسائل الإعلام وتسخّر كميات هائلة من المال لنشر رسالتها. ويحتفل النواب الإنجيليون كل أربعاء في قاعة البرلمان بقداس تتخلله التراتيل والأناشيد، وغالباً ما يشارك فيه بولسونارو، حيث أعلن أمامهم مؤخراً أنه قرر تعيين رئيس إنجيلي للمحكمة العليا قبل أن يبلّغ الحكومة بقراره.
في الانتخابات الماضية، صوّت 90 في المائة من الإنجيليين لصالح بولسونارو، لكن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن هذه النسبة ستتراجع في الانتخابات المقبلة، وأن غالبية الفقراء بين الجماعات الإنجيلية ستؤيد لولا. لكن بولسونارو ما زال يتمتع بشعبية واسعة في الأوساط الدينية المحافظة التي لا تؤيده فقط في المواضيع الاجتماعية، بل تدعمه في سياساته الاستراتيجية التي كانت سبب التراجع الذي أصاب الدور البرازيلي ومشاركتها في تسوية الأزمات الإقليمية ومعالجتها.
وتفيد دراسة صدرت مؤخراً عن اللجنة الأميركية اللاتينية للبحوث السياسية، بأن الدائرة الضيّقة المحيطة ببولسونارو، التي واكبت مسيرته نحو الرئاسة منذ أن كان نائباً مغموراً في البرلمان، نجحت في مخططها لدفع الإنجيليين نحو المواقف اليمينية المتشددة، خصوصاً بعد مسلسل الفضائح الذي طال الرئيسة السابقة ديلما روسيّف وأدّى إلى عزلها، في الوقت الذي نجح فيه أنصار بولسونارو في إقناع الإنجيليين بأن اليسار البرازيلي الذي يقوده حزب العمّال ليس غريماً سياسياً أو طرفاً مشروعاً في المشهد السياسي، بل هو «الشر بعينه ولا بد من مواجهته في حرب مقدّسة». وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات الدينية كانت في السابق أكثر تعاطفاً مع حزب العمّال، خصوصاً خلال وجود لولا في موقع الرئاسة، لكن بعد عزل روسّيف ساروا بحماس في الركب المؤيد لبولسونارو وكانوا الدعامة الأساسية في وصوله إلى الحكم.
ولا يستبعد بعض المراقبين تكرار مفاجأة الانتخابات السابقة وفوز بولسونارو، رغم أن جميع الاستطلاعات حتى الآن ترجّح خسارته للتراجع المطرد في شعبيته بسبب سوء إدارته للجائحة، والأزمة الاقتصادية الخانقة. ويقدّر هؤلاء أن الفارق بين لولا وبولسونارو قد لا يتجاوز 3 في المائة من الأصوات، بعيداً عن الفارق الذي زاد على 10 في المائة بين بولسونارو وفرناندو حدّاد مرشح حزب العمال في انتخابات عام 2018.
لكن يرى آخرون أن أولوية الجماعات الإنجيلية ليست تجديد ولاية بولسونارو بقدر ما هي زيادة عدد الكتلة البرلمانية الإنجيلية والتمهيد لانتخاب رئيس يخرج من صفوفها، وليس تأييد مرشح فرضته ظروف المعادلة السياسية مثل الرئيس الحالي.
في الجهة المقابلة، يعتبر أنصار لولا أن فوز بولسونارو، الذي ليس مستحيلاً رغم ما تشير إليه الاستطلاعات، سيكون له وقع الكارثة على البرازيل. ويقول البعض إنه إذا كان تمكّن خلال السنوات الأربع الماضية من القضاء على أهمّ الإنجازات التي حققتها الديمقراطية البرازيلية في العقود الأربعة الماضية، فليس من الصعب تصوّر حجم الدمار الذي سيخلّفه بعد ولايته الثانية. ويرى هؤلاء أن السبيل الوحيدة لمنع وقوع هذه الكارثة، هي فوز لولا في الجولة الأولى، بحيث يصعب على بولسونارو تنفيذ الانقلاب الذي يلمّح إليه منذ أيام ويستعدّ له في حال خسارته بفارق بسيط.