رئيسي يتجه لحضور اجتماعات «الجمعية العامة» في تحد لعقوبات «حقوق الإنسان»

عشية انتهاء عام على رئاسته، أعلنت الحكومة الإيرانية أن الرئيس؛ المحافظ المتشدد، إبراهيم رئيسي يعتزم حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في نيويورك الشهر المقبل، في تحد للعقوبات الأميركية المفروضة عليه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وجاء الإعلان، في وقت واجه فيه رئيسي انتقادات غير مسبوقة من حلفائه المحافظين بسبب عدم التقدم في وعوده بشأن حل «المشكلات الفائقة» خصوصاً ما يتعلق بتحسين الوضع الاقتصادي.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، في مؤتمر صحافي: «تم إنجاز التخطيط المبدئي لمشاركة الرئيس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة»؛ وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويعدّ رئيسي (61 عاماً) الذي تولى رئاسة السلطة القضائية بين 2019 و2021، من المدافعين عن «النظام العام» ولو بوسائل صارمة. وأدرجت الولايات المتحدة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 اسم رئيسي في قائمتها السوداء للمسؤولين الإيرانيين الذين فرضت عليهم عقوبات على خلفية «التواطؤ في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان».
وكان رئيسي يشغل في 2019 منصب رئيس السلطة القضائية، قبل أن يتولى بدءاً من صيف عام 2021 منصب رئيس الجمهورية بعد فوزه بالانتخابات التي أجريت في يونيو (حزيران).
وكان رئيسي من المؤيدين للشدة التي تعاملت بها السلطات الإيرانية مع احتجاجات «الحركة الخضراء» التي تلت إعادة الانتخاب المثيرة للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009، كما واجه انتقادات على أثر الاحتجاجات التي تعاملت معها السلطات بالشدة، أبرزها أواخر 2017 إلى مطلع 2018، ونوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وفي 2016، كشف تسجيل مسرب من مكتب حسين علي منتظري، نائب المرشد الإيراني الأول (الخميني)، عن دور رئيسي في حملة إعدامات طالت آلاف المعارضين السياسيين من مختلف التوجهات؛ بمن فيهم من الأحزاب السيارية والأقليات الدينية والعرقية في صيف 1988، وكان رئيسي أحد المسؤولين الأربعة في «لجنة الموت» عندما كان يشغل حينها منصب نائب المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران.
ورداً على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 عن تلك الحقبة، أبدى رئيسي تقديره لـ«الفتوى» التي أصدرها المرشد الإيراني الأول (الخميني)، لتنفيذ الإجراءات في حق هؤلاء الموقوفين.
ومن المقرر أن تبدأ أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة في 13 سبتمبر (أيلول) المقبل. وفي دورة العام التي أقيمت بعد زهاء شهر من توليه منصبه الرئاسي، لم يحضر رئيسي إلى نيويورك على خلفية الظروف الصحية المرتبطة بتفشي «كوفيد19»، وألقى كلمته في خطاب عبر تقنية الفيديو.
* عام على الرئاسة
ويتم رئيسي الأربعاء عامه الأول رئيساً لإيران، وهو محافظ متشدد يواجه تحديات تجربة وعد بأن تحقق الكثير، في منصب انتخب ليتولاه من دون خبرة سابقة في السلطة التنفيذية.
في العام الأول من ولاية تمتد 4 سنوات، شكل الوضع الاقتصادي التحدي الأبرز. وفي ظل الصعوبات العائدة بشكل أساسي إلى العقوبات الأميركية، دفع رئيسي، الذي لطالما وضع الطبقات الفقيرة ومكافحة الفساد أولوية له، نحو إجراءات شملت تعديل نظام الدعم الحكومي ورفع أسعار مواد أساسية.
وقطع رئيسي مرات عدة وعوداً، آخرها في يوليو (تموز)، بـ«توضيح» الإجراءات للشعب الإيراني بشكل دائم من أجل «إبقاء الأمل حياً» في نفوسهم. وتعهد رئيسي في أول خطاب بعد تنصيبه بعدم «ربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب»، في إشارة إلى العقوبات الأميركية التي تركت آثارها السلبية على الاقتصاد.
ورفع خلال حملته شعار مواجهة «الفقر والفساد»، وهو المبدأ نفسه الذي خاض على أساسه الانتخابات الرئاسية عام 2017 وخسرها في حينها أمام المعتدل نسبياً حسن روحاني الذي فاز بولاية ثانية.
كرر التجربة في يونيو (حزيران) 2021، وفاز بنحو 62 في المائة من الأصوات في عملية اقتراع غاب عنها أي منافس جدي. كانت نسبة المشاركة 48.8 في المائة، في العموم، وهي الأدنى في استحقاق رئاسي منذ تبني نظام ولاية الفقيه بعد ثورة عام 1979.
في 3 أغسطس (آب) 2021، تولى رئيسي مهامه خلفاً لحسن روحاني الذي أتم ولايتين متتاليتين (2013 - 2021)، وهو الحد الأقصى المسموح به دستورياً.
ورأت وكالة الصحافة الفرنسية في تحليل، الثلاثاء، أن رئيسي يطوي عامه الأول في الرئاسة بينما «تمكن خلاله من ضبط تفشي وباء (كوفيد19)». وتضيف أن حكومة رئيسي «سرعت من عمليات التلقيح عبر استيراد جرعات من الصين وروسيا بشكل أساسي، إضافة إلى لقاحات تم تطويرها محلياً».
لكن في الواقع، كانت قضية إدارة جائحة «كورونا» وتوفير اللقاحات من بين الملفات الساخنة للمشاحنات السياسية بين فريق الحكومة السابقة والحكومة الحالية. ويقول المسؤولون السابقون إن الفضل في إدارة الجائحة يعود للقاحات التي قامت بشرائها إدارة روحاني، وجرى توزيعها خلال الأشهر الأولى من إدارة رئيسي، متهمين الحكومة الجديدة بمحاولة تسجيل نقاط سياسية. وحاول الإعلام الموالي لكلا المعسكرين تكريس روايته.
ووفق آخر الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، تلقى 58.1 مليون إيراني (نحو 70 في المائة من عدد السكان) جرعتين على الأقل.
ويقول حميد رضا ترقي، القيادي في «حزب المؤتلفة الإسلامية» المؤيد لرئيسي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الحكومة «نجحت في كبح جماح فيروس (كورونا) والحد من تأثيراته». ويرى الباحث في مجموعة «أوراسيا»، هنري روم، أن «حكومة رئيسي أشرفت على تطعيم واسع النطاق ضد (كوفيد)، بعدما بدلت الدولة من سياستها ووافقت على استيراد لقاحات أجنبية».
في بداية عهده، وعد رئيسي بأن تسارع حكومته بالتركيز على مجالين أساسيين: ضبط انتشار وباء كانت إيران الأكثر تأثراً به في الشرق الأوسط، وإعادة تصحيح الوضع الاقتصادي الذي يعاني بشكل أساسي من العقوبات.
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية، الثلاثاء، عن مسؤولين أن إيران تواجه موجة سابعة من تفشي «كورونا»، وعادت أرقام الوفيات لتسجيل أكثر من 60 حالة يومياً خلال هذا الأسبوع.
* مشكلات فائقة
وتبدو الأمور في المجال الاقتصادي أكثر تعقيداً. وتواجه حكومة رئيسي صعوبة في تحقيق وعوده بتحسين الظروف الاقتصادية في البلاد الواقعة تحت تأثير عقوبات أميركية.
ووجه ممثل مدينة قم، النائب المحافظ المتشدد مجتبى ذو النوري انتقادات حادة، الثلاثاء، إلى الأداء الاقتصادي لحكومة رئيسي. ونقلت وكالة «إيلنا» الإصلاحية، عن ذو النوري: «لقد مضى ربع ولايتك، هل حققت ربع الأهداف التي كان ينبغي بلوغها. الفرص تمر مر السحاب».
وانتقد ذو النوري عدم تطبيق إصلاح الأجور ومعاشات المعلمين والمتقاعدين. وصرح: «رغم مضي 5 أشهر؛ فإن معاشات المتقاعدين لا تزال غير واضحة». وقال إن «حركة الحكومة تشبه شخصاً يركض على جهاز الجري، دون أن يقطع أي مسافة»، لافتاً إلى أن «النواب يتعرضون لانتقادات وعدوانية من الناس».
وتساءل النائب عن دور نواب البرلمان في حل مشكلات الناس، وما إذا كان الخروج منها ممكناً. وقال: «إذا كانت توجد حلول؛ فهل يوجد تبادل أفكار وتنسيق بين الحكومة والبرلمان؟». وأضاف أيضاً: «من لا يدري أن التهريب وفساد النظام البنكي يقصمان ظهر اقتصاد البلاد؟ (...)». وتابع: «يجب أن يكون حل المشكلات الفائقة من ضرورات عمل الحكومة».
وتواجه إيران أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تعود جزئياً إلى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها بدءاً من عام 2018، في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وأدت هذه الأزمة في أحد جوانبها، إلى حال من انعدام ثقة الإيرانيين بالسلطة السياسية، وهو ما أقر روحاني بوجوده قبل نهاية ولايته الثانية. ويرى محللون أن هذا الأمر كان من العوامل التي أدت إلى تسجيل نسبة امتناع كبيرة في الانتخابات الرئاسية لعام 2021.
وفي حين بدأ الاقتصاد يستعيد نسق النمو في أواخر عهد روحاني إثر ركود بين 2018 و2019 في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي لا تتوقع أن يعود الدخل الفردي لمستويات ما قبل الأزمة حتى العام المقبل. ويتوقع أن يبقى مستقبل الاقتصاد مرتبطاً بشكل كبير بمصير المفاوضات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي، والتي ستتيح في حال نجاحها، رفع كثير من العقوبات التي تعوق النشاط التجاري مع طهران، خصوصاً صادرات النفط؛ المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة.
وتعثرت المفاوضات التي قطعت شوطاً كبيراً نحو إبرام تفاهم، منذ مارس (آذار) الماضي في ظل استمرار التباين بين طهران وواشنطن حول نقاط عدة.
وفي ظل استمرار الجمود، يرى محللون أن الحكومة الإيرانية ستبقى تواجه عجزاً ضخماً في ميزانيتها السنوية. ووفق أحدث الأرقام الرسمية، سجل التضخم خلال يونيو (حزيران) الماضي زيادة قدرها 54 في المائة على الفترة نفسها من العام الماضي، ليواصل بذلك قضم القدرة الشرائية للإيرانيين.
أما العملة المحلية (الريال) التي سجل سعر صرفها تحسناً في مطلع العام مع تواتر الأنباء عن تحقيق تقدم في المحادثات النووية، فتراجعت بشكل إضافي خلال العام، وبلغت مستويات متدنية قياسية في يونيو (حزيران) الماضي.
وفي ظل هذه الصعوبات، اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات حادة في مايو (أيار) الماضي، شملت تعديل نظام الدعم الحكومي، ورفع أسعار مواد غذائية أساسية شملت الطحين والزيوت ومنتجات الحليب. وتلت هذه الإجراءات تحركات احتجاجية في عدد من المناطق الإيرانية.
ويقول مدير تحرير صحيفة «شرق» الإصلاحية، مهدي رحمانيان، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الأفق الاقتصادي للبلاد ليس واضحاً، والخبراء الاقتصاديون يتوقعون ارتفاعاً جديداً في الأسعار».
وفي حين يشيد رحمانيان بالجهود التي بذلتها حكومة رئيسي في مجال تحسين الروابط مع دول الجوار، يرى أن غالبية هذه الملفات ستبقى رهن المباحثات بشأن الاتفاق النووي.
ويرى روم أنه إذا بلغت المباحثات طريقاً مسدودة وانهارت تماماً؛ «فستكون إيران على الأرجح في مواجهة مشكلات اقتصادية واجتماعية أكبر».