كييف تحمِّل موسكو المسؤولية حال فشل «اتفاقية الحبوب» بعد قصف ميناء أوديسا

غداة توقيع اتفاقية تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة في إسطنبول، برعاية الأمم المتحدة ووساطة تركية، أعلنت أوكرانيا، السبت، أن صواريخ روسية أصابت ميناء أوديسا الرئيسي على البحر الأسود، إلا أن الضربة لم تسبب أضراراً جسيمة. ووصفت كييف الهجوم الروسي بأنه «صفعة وإهانة» لتركيا والأمم المتحدة بعد توقيع الاتفاقية، ودعتهما إلى ضمان الالتزام بالتعهدات الواردة في اتفاقية إسطنبول.
ونُقل عن المتحدث باسم وزارة الخارجية أوليغ نيكولينكو، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «بصق في وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اللذين قاما بجهود للتوصل إلى الاتفاقية»، عبر إطلاق صواريخ على ميناء أوديسا.
وقالت كييف إن صواريخ روسية أصابت مصنعاً لمعالجة الحبوب في الميناء، وفق ما أكد المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إغنات، لوكالة «الصحافة الفرنسية».
وقال ممثل منطقة أوديسا، سيرغي براتشوك، في بيان، إن «العدو (روسيا) هاجم ميناء أوديسا البحري بصواريخ (كروز) من طراز (كاليبر). وأسقطت الدفاعات الجوية صاروخين، وأصاب صاروخان البنية التحتية للميناء».
وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الأوكرانية نقلاً عن الجيش الأوكراني، إن الصاروخين الروسيين اللذين أصابا ميناء أوديسا لم يتسببا في أضرار كبيرة. ونقلت عن المتحدثة باسم القيادة العسكرية الجنوبية ناتاليا هومنيوك، قولها إن محطة ضخ تعرضت للقصف، وتسببت الغارة في نشوب حريق دمر منازل حول الميناء. وأضافت أن منطقة تخزين الحبوب لم تتعرض لأذى. ولم يتم تسجيل مزيد من الخسائر.
وقال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف، إن بلاده تواصل استعدادها لاستئناف صادرات الحبوب من موانيها المطلة على البحر الأسود، رغم الضربة الصاروخية الروسية. وكتب كوبراكوف على «فيسبوك»: «نواصل الاستعدادات الفنية لانطلاق صادرات المنتجات الزراعية من موانينا».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد دعا في كلمة خلال مراسم توقيع الاتفاقية في إسطنبول، أول من أمس، كلاً من روسيا وأوكرانيا إلى الالتزام بها والعمل على إنجاحها، معتبراً أنها الطريق لإنقاذ ملايين الفقراء في العالم، وتجنب أزمة الغذاء العالمية.
ودان غوتيريش ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الهجوم الصاروخي على الميناء الأوكراني. وقال بيان صادر عن الأمم المتحدة، إن «الأمين العام يدين بشكل لا لبس فيه الضربات التي أعلن عنها اليوم على ميناء أوديسا الأوكراني». وأضاف أنه «لا بد من التنفيذ الكامل (للاتفاق) من قبل الاتحاد الروسي وأوكرانيا وتركيا».
وفي بروكسل، كتب بوريل في تغريدة على «تويتر»: «ضرب هدف مهم لتصدير الحبوب بعد يوم واحد من توقيع اتفاق إسطنبول، أمر مستهجن، ويبرهن مرة أخرى على ازدراء روسيا الكامل للقانون والالتزامات الدولية».
ووصفت سفيرة الولايات المتحدة لدى كييف، بريدجيت برينك، القصف، بأنه «شنيع». وقالت على «تويتر»: «روسيا تقصف مدينة أوديسا الساحلية بعد أقل من 24 ساعة من توقيع اتفاق للسماح بشحن صادرات زراعية. يواصل الكرملين استخدام الطعام كسلاح. تجب محاسبة روسيا».
وأعلنت تركيا استعدادها للمساعدة في إزالة الألغام في البحر الأسود، بهدف تسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية بموجب الاتفاقية. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، في مقابلة تلفزيونية، إن الاتفاقية تنص على أنه في حال اقتضت الحاجة، يمكن أن يتولى بلد ثالث عملية إزالة الألغام، مؤكداً أن تركيا مستعدة لتقديم مساعدتها.
ووقَّعت أوكرانيا وروسيا، في إسطنبول، الجمعة، اتفاقين منفصلين مع تركيا والأمم المتحدة بشأن تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة عبر البحر الأسود، استهدف المساعدة على تجنب مجاعة عالمية، وذلك من خلال ضخ مزيد من القمح وزيت دوار الشمس والأسمدة والمنتجات الأخرى في الأسواق العالمية، بما في ذلك تلبية احتياجات الإغاثة الإنسانية بأسعار رخيصة نسبياً، عبر العودة إلى مستوى ما قبل الحرب في أوكرانيا، وهو تصدير 5 ملايين طن متري شهرياً؛ حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي أن نحو 37 مليون شخص وصلوا إلى مرحلة من الجوع الشديد بسبب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.
وتحتاج أوكرانيا إلى تفريغ صوامعها قبل موسم الحصاد القادم، في حين سيكون من شأن زيادة صادرات الأسمدة من روسيا تجنب إنتاجية عالمية أقل في المواسم الزراعية المقبلة.
وتسري الاتفاقية لمدة 120 يوماً، وتتوقع الأمم المتحدة تجديدها، إلا إذا انتهت الحرب بحلول ذلك التاريخ. وسيبدأ العمل فوراً لتشكيل فرق التفتيش وتعيين العاملين في مركز التنسيق المشترك في إسطنبول، والذي سيشرف عليه أعضاء من كل الأطراف الأربعة الموقعة على الاتفاقية (روسيا، وأوكرانيا، وتركيا، والأمم المتحدة).
وتطلب المواني الأوكرانية نحو 10 أيام للاستعداد، ولذلك ستمضي أسابيع قبل أن تتحرك السفن دخولاً وخروجاً. وتضمن الاتفاقية مروراً آمناً من وإلى ميناء أوديسا، وميناءين أوكرانيين آخرين، هما على الأرجح خريسون وماريوبول.
وعلى الرغم من قيام أوكرانيا بتلغيم المياه القريبة منها في إطار الدفاع عن نفسها، يقول خبراء إنه لا حاجة لنزع ألغام، ذلك لأن مرشدين أوكرانيين سيوجهون السفن إلى قنوات آمنة في المياه الإقليمية الأوكرانية. وستكون هناك كاسحة ألغام تحت التصرف إذا دعت الحاجة؛ لكن لن يرافق عسكريون السفن التي سيتتبعها مركز التنسيق المشترك في البحر الأسود إلى مضيق البوسفور في إسطنبول، ومنه إلى الأسواق العالمية.
واتفقت كل الأطراف على ألا تكون هناك هجمات على السفن أو المنشآت في المواني المخصصة للتصدير، وإذا ظهر نشاط محظور فسيتعين على مركز التنسيق المشترك في إسطنبول إيجاد الحل له.
وتعهد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عقب توقيع الاتفاقية، بأن بلاده لن تستغل إزالة الألغام وفتح المواني الأوكرانية، مؤكداً أن روسيا أخذت على عاتقها الالتزامات المنصوص عليها بوضوح في هذه الاتفاقية.