الأمم المتحدة تحمِّل السياسيين اللبنانيين مسؤولية إفقار شعبهم

أصدرت الأمم المتحدة أمس تقريراً عن الأزمة المالية في لبنان، لمقررها الخاص أوليفييه دي شوتر الذي زار بيروت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبحث في أسباب الوضع الذي أدى إلى حالة الفقر التي تعاني منها فئة واسعة جداً من اللبنانيين، وخلص التقرير إلى أن السلطة اللبنانية والمصرف المركزي هما المسؤولان عن الأزمة المالية غير المسبوقة التي أدت إلى «إفقار غير ضروري» لغالبية السكان الذين يتخبطون لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.
وقالت المنظمة الدولية في تقريرها، إنّه يتعيّن «أن يغيّر لبنان مساره»، وأنه «يمكن عكس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان، بقيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها».
وبحسب التقرير، فإن «الدولة اللبنانية، بما في ذلك مصرفها المركزي، مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإفقار غير الضروري للسكان الذي نتج عن هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان»، وكان «يمكن تجاوزها بالكامل».
وقال التقرير إن «التدمير القاسي للاقتصاد اللبناني لا يمكن الحكم عليه من خلال الإحصائيات فحسب»، مضيفاً أن جيلاً بأكمله حُكم عليه بالفقر. وعبّر التقرير عن الأسف لندرة البيانات الرسمية اللبنانية حول الفقر، واعتمد بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.
وقال أوليفييه دي شوتر، إن الحكومة والبنك المركزي فشلا في تأمين حقوق اللبنانيين في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومستوى معيشي لائق، على مدى فترة التراجع المستمر منذ 3 سنوات. وأضاف أن هذه الأزمة «نتيجة لسياسات حكومية فاشلة»، وأن المسؤولين لم يقروا إصلاحات حتى مع تدهور الوضع.
ونقلت وكالة «رويترز» عنه قوله: «لدى السياسيين شعور بالحصانة من العقاب. هذه مشكلة كبيرة للغاية».
وفي ختام مهمة لتقصي الحقائق استمرت 12 يوماً في نوفمبر، قال دي شوتر إن مسؤولي الحكومة اللبنانية بدوا كأنهم يعيشون «في عالم آخر»، بعيداً عن الصعوبات التي يواجهها معظم السكان.
وقال إن الحكومة اللبنانية اطلعت على مسودة التقرير النهائي قبل نشرها؛ لكنها لم تطعن في أي من المزاعم المتعلقة بانتهاكات الحقوق. وأضاف: «من الصعب للغاية العثور على وسيلة لحمل الحكومة على أن تأخذ هذه الرسائل على محمل الجد».
وكان البنك الدولي قد وصف أزمة لبنان بأنها من أسوأ الأزمات منذ فجر الثورة الصناعية، وقال إن النخبة في البلاد مسؤولة عن هذا «الكساد المتعمد».
ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، ارتفع عدد من يعيشون تحت خط الفقر إلى 80 في المائة، وارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت مائتين في المائة. كما خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها أمام الدولار.
وبحسب التقرير: «يجد 9 من كل 10 أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، وما يزيد على 6 أشخاص من كل 10 سيغادرون البلد لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً».
ورأت الأمم المتحدة أنه يمكن «للمجتمع الدولي؛ بل وينبغي له، أن يقدّم الدعم، ولكنّ هذا الدعم لن يكون له أثر إلا إذا اعتمدت إصلاحات هيكلية لوضع حدّ لعملية التفقير».
وجاء تقرير الأمم المتحدة قبل أيام من الانتخابات البرلمانية المقررة يوم الأحد المقبل وهي الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد؛ لكن محللين لا يتوقعون أن تحدث الانتخابات تغييراً في المشهد السياسي العام، رغم نقمة واسعة على الطبقة السياسية التي يحمّلها لبنانيون كثر مسؤولية الانهيار، وسوء إدارة الأزمات المتلاحقة.
ويتعيّن على البرلمان الجديد إقرار مشروعات قوانين وإصلاحات يشترطها صندوق النقد الدولي، من أجل تنفيذ خطة مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات، وفق ما أعلن الصندوق.