ندوة «المغرب الثقافي إلى أين ؟»... نقط ضوء وكثير من المُثبطات

شدد مشاركون في ندوة «المغرب الثقافي إلى أين ؟» على أهمية الثقافة وعلاقتها الوطيدة بالتنمية.
وبقدر حديثهم عن «نقط ضوء»، منذ حكومة التناوب التوافقي بقيادة السياسي الراحل عبد الرحمن اليوسفي إلى اليوم فيما يتعلق بالوضع الثقافي، سجل المشاركون، في هذا اللقاء الثقافي الذي نظم، مساء أول من أمس، عن بعد، «الكثير من المثبطات ومن السلبيات التي يجب معالجتها».
وأكد المشاركون في الندوة التي نظمتها «مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة» في موضوع «المغرب إلى أين... »، على وجود حاجة لمشروع تنموي ثقافي، مشيرين إلى أن بناء أفق واعد للثقافة المغربية يتطلب تشخيصاً للعثرات والأخطاء السابقة والراهنة.
وقال الشاعر مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب، ‏المساهم في التنظيم، في معرض تقديمه للندوة، على «أهمية الثقافة وعلاقتها الوطيدة بالتنمية، التي هي «فعل حضاري يمس حياة الأفراد والجماعات في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية».
وقال القادري إن الندوة تؤكد الحاجة إلى التنمية الشاملة، «الشيء الذي يبرز ضرورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون استبعاد التنمية الثقافية، من منطلق أن البعد الثقافي لا يقل أهمية عن الأبعاد الأخرى».
وطرح القادري جملة أسئلة وأفكار جوهرية لتوطين وربط الثقافة بالتنمية، من منطلق أن الثقافة التي نحتاجها اليوم، هي «الثقافة التي تنتصر لحرية التعبير وحرية الإبداع وكذا الحق في اعتناق الآراء، وغير ذلك».
ثم تساءل: «كيف يمكن توسيع مشاركة الأفراد والجماعات وضمان الحق في الولوج إلى الثقافة من خلال توسيع شبكة الفضاءات الثقافية وتعزيز فرص الدعم؟ وكيف نسهم في ظل هذا المغرب الثقافي الذي نرومه في خلق اقتصاد ثقافي وتوطين الصناعات الإبداعية ووضع قوانين تصون حقوق الملكية الفكرية؟».
ورأت الشاعرة مالكة العاصمي، عضو المكتب التنفيذي لمؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، أن الحديث عن الثقافة في المغرب يستدعي مجموعة تفريعات لا غنى عنها، لفهم الحاضر وما سيقدمه للمستقبل. وشددت على أن أهمية الثقافة بالنسبة لكل أمة من الأمم، يفرض عليها أن تخترق مختلف القطاعات؛ ملاحظة أن الأمر ليس كذلك في المغرب.
وتحدثت مالكة العاصمي عن ثلاثة مؤشرات دالة، بينها أن مفهوم الثقافة، اليوم، تقلص إلى درجة انحساره في بعض الأشكال التعبيرية الخارجية بعيداً عن مفهومه الأعمق. وتساءلت: «هل الثقافة تعني، فقط، الفلكلور والمعمار والكتابة والتشكيل والسينما والمنتوج التقليدي؟ وهل يمكن للثقافة أن تقبل فصل القيم الإبداعية عن بعضها أو فصلها عن قيمها المرجعية المثلى؟ وهل تعني الثقافة تحنيط بعض العناصر أو بالعكس تركها تتفسخ وتتحول وتتشكل من دون ضابط؟».
وشددت مالكة العاصمي على أن الثقافة تعني فيما تعنيه نهوض المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية بدورها في تكوين المواطنين بما يؤهلهم لفهم الحياة والعالم والمحيطين العام والخاص واستيعاب أوضاعه وقضاياه ومشكلاته وحاجياته ومتطلباته، والتفاعل معها والإبداع فيها.
ولاحظ الشاعر والروائي حسن نجمي أن سؤال «الـمغرب الثقافي إلى أين». يستدعي الحديث عن التاريخ الثقافي للمغرب وعن التراكم في الزمان وفي الجغرافيا، وبالتالي عن ذاكرة جماعية خصبة، في علاقتها بالهوية الفردية والجماعية، وبالواقع السوسيو - ثقافي ككل.
وذهب نجمي إلى أن الحديث عن المغرب الثقافي يكتسي بعدين، على الأقل: أن يتم الحديث عن الحقل الثقافي بتعقيداته ومساحاته وأبعاده من جهة، وعن السياسات الثقافية، من جهة ثانية.
وأضاف نجمي أن سؤال «الـمغرب الثقافي إلى أين». مركزي وأساس، مشيراً إلى أن التحليل ينبغي أن يلامس، أيضاً، التغيرات الثقافية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وإدراك العوامل الكامنة خلف مختلف هذه التغيرات، ومن ثم الآليات الضرورية التي لا غنى عنها للتفكير في مستقبل الثقافة المغربية وفي شروط تحديثها ودمقرطة الفضاء الثقافي وبناء مشروع تنموي ثقافي.
وأضاف: «لدينا حقل ثقافي معقد ومركب ومتعدد ومفتوح على العالم وعلى التاريخ».
وشدد نجمي على أن «الثقافة لا بد أن تكون حاضرة في الوعاء التنموي وفي السيرورة وفي القرارات وفي التدابير التي يمكن أن توضع لرسم معالم المستقبل». وأضاف: «النتيجة جاءت كما كنا نخشى: لا وجود لأي بعد ثقافي في النموذج التنموي الجديد. نموذج أسندت مهام وضعه ورسمه للجنة فرنكفونية وتقنيين لا علاقة لمعظمهم بالحقل الثقافي، وبالقطاع الثقافي، وبالتجربة الثقافية، وبالتدبير الثقافي، وبالقطاع الثقافي، وبالواقع اللغوي، وبالتوترات المطروحة على مستوى الهوية، وبمستوى الحقل الديني وتدبيره، مما يتطلب فعلاً أن نفكر، على مستوى الدولة والمجتمع، في وضع نموذج تنموي ثقافي جديد».
وختم نجمي بالحديث عن فضل في «بناء نموذج ثقافي وطني برؤية استراتيجية تعتبر الثقافة مجالاً للاستثمار في الإنسان، والهوية، والتربية والتعليم والعلوم».
حمروش: موضوع مُركب
انطلق الشاعر والناشط الثقافي عبد الدين حمروش من سؤال الندوة، مشيراً إلى أنه يتعلق بموضوع مركب، الشيء الذي يجعل النقاش حول الثقافة نقاشاً عاماً، على اعتبار أن الأسئلة متعددة والمحاور متعددة.
وبسط حمروش مداخل تناوله للموضوع، بحديثه عن الثقافة والهوية واللغة، والثقافة الشعبية، والثقافة والقيم، والصناعات الثقافية، والإعلام، والثقافة والنشر والتوزيع، والثقافة فيما له علاقة بالعولمة والسياقات الإقليمية والدولية، والثقافة والتطبيع، والثقافة والمجتمع المدني، وكذا الهندسة الثقافية، والثقافة والقطاع الخاص.
وبعد أن شدد على أن سؤال الثقافة تمكن مقاربته من زوايا متعددة ومتنوعة، اقترح حمروش هيكلاً لمداخلته توزعته أربعة مداخل: الثقافة بأي معنى، والتدبير الثقافي من جهة البعد الرسمي، والفاعل الثقافي، والقيم.