مبادرة أميركية تستثمر 250 مليون دولار في مستقبل التعليم العالي المصري

انطلقت في القاهرة الأسبوع الماضي مبادرة للتعليم العالي بين الولايات المتحدة الأميركية ومصر، يبلغ قدرها 250 مليون دولار، وتقدم خلالها الحكومة الأميركية ما يصل إلى 1900 منحة دراسية وفرص تبادل أكاديمي للطلاب والطالبات المصريين للدراسة في مصر وأميركا في التخصصات المهمة لاقتصاد مصر، التي من شأنها أن تؤدي إلى توفير الوظائف في اقتصاد القرن الحادي والعشرين.
وتشمل المبادرة أيضا شراكات تعليمية بين ما يصل إلى عشرين مؤسسة تعليم عالٍ من البلدين لتعزيز البحوث والتبادل بين الجامعات المصرية والأميركية لتحسين قدرة المؤسسات المصرية التنافسية في الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة، بحسب ما أوضحته مصادر حكومية مصرية لـ«الشرق الأوسط».
وأشارت الخارجية الأميركية إلى أن المبادرة تهدف إلى ترسيخ الشراكة بين شباب مصر والولايات المتحدة. وأوضحت المتحدثة باسمها ماري هارف في بيان يوم الثلاثاء أن الولايات المتحدة تسعى لتقديم الفرصة للشباب المصريين من ذوي المهارات للحصول على وظائف من شأنها مساعدة مصر على تلبية احتياجات اقتصاد القرن الحادي والعشرين، مع التركيز بشكل خاص على العلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وأيضا على تعليم المرأة، وتوفير فرص عمل مجدية لآلاف المصريين الذين يدخلون سوق العمل كل عام، مشيرة إلى أن المبادرة سوف تدعم ما يصل إلى 20 شراكة في مجال التعليم العالي لتعزيز البحوث والتبادل بين الجامعات المصرية والأميركية.
وفي مؤتمر صحافي مشترك عقد في قاعة إيورات بمقر الجامعة الأميركية بالقاهرة، يوم الأحد الماضي، أعلنت السفارة الأميركية في القاهرة ووزارة التعليم العالي ووزارة التعاون الدولي عن إطلاق المبادرة الجديدة، وذلك في احتفالية حضرها من مصر كل من وزير التعليم العالي السيد أحمد عبد الخالق ووزيرة التعاون الدولي نجلاء الأهواني، والدكتور أشرف حاتم أمين عام المجلس الأعلى للجامعات، وعن الجانب الأميركي السفير الأميركي في القاهرة ستيفن بيكروفت، وماري إلين ويبر رائدة الفضاء بوكالة ناسا، وشيري كارلين مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في القاهرة.
وأوضحت مصادر بالسفارة الأميركية في القاهرة لـ«الشرق الأوسط» أن «المبادرة بمثابة استثمار نحو مستقبل مصر، حيث توفر فرصا تعليمية للمصريين المتميزين لاكتساب مهارات التعلم، التي من شأنها أن تلبي الاحتياجات المتنامية الخاصة باقتصادات القرن الحادي والعشرين»، مشيرة إلى أن هذه المبادرة ستمتد لسنوات، وتقوم خلالها الحكومة الأميركية بتقديم منح دراسية للجنسين، مع الاهتمام بالمناطق المحرومة في كل من المناطق الريفية والحضرية، مما سيسهم في تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي في مصر.
وحول طبيعة المنح الدراسية التي توفرها المبادرة، أشارت المصادر الأميركية والمصرية إلى أن «هناك ما يفوق 1900 فرصة للمنح، جرى تقسيمها إلى 5 مجالات، هي 100 منحة دراسية للمرأة لدراسة ماجستير إدارة الأعمال MBA بالولايات المتحدة، و60 منحة للفتيات محدودات الدخل لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بالجامعات الأميركية، و550 منحة دراسية محلية للدراسة بالجامعات المصرية في مختلف التخصصات مثل: الأعمال التجارية الزراعية، والهندسة، والاقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات، وما لا يقل عن 50 منحة فولبرايت (Fulbright) للدراسات العليا في الولايات المتحدة، إضافة إلى أكثر من ألف منحة تبادل وفرصة دراسة بالخارج للمهنيين والطلاب المصريين».
وقبل ساعات من انطلاق المبادرة، قال السفير الأميركي لدى مصر ستيفن بيكروفت: «اليوم نحتفل بفصل جديد ومهم في تاريخ العلاقات التعليمية بين البلدين، حيث برنامج السنوات الثلاث المكثفة للمنح الدراسية والشراكات الجامعية، يمولها ويدعمها الشعب والحكومة الأميركية بموجب المبادرة»، مضيفا أن «مبادرة التعليم العالي بين الولايات المتحدة ومصر هي تأكيد على التزام الولايات المتحدة بمستقبل مصر.. وهي مبادرة مصممة لتقديم هذا النوع من التعليم، وبذلك يستطيع المصريون والأميركيون النجاح، وتستطيع مصر لعب دورها القائد في المنطقة بنجاح أكبر».
وأشار بيكروفت إلى أن «التعليم هو عنصر أساسي لنجاح أي دولة إذا كنا ننظر للمستقبل، لأن المستقبل يتأسس في جزء كبير منه على المعرفة.. والعلوم والهندسة والتكنولوجيا تتطلب كثيرا من التعليم للنجاح في هذه القطاعات»، مؤكدا أنه «عندما ينجح الاقتصاد في دولة ما، فإنه يجب أن يكون لديك كثير من الشباب الذكي المتعلم للمساهمة في ذلك»، ملمحا إلى أن العلاقات الثنائية قائمة على الكثير من الروابط ومجالات التعاون، وكلما زادت واتسع نطاق هذه الروابط والمجالات والبرامج زاد التعاون والعمل المشترك.
كما أوضح بيكروفت في كلمته خلال المؤتمر الصحافي أن المنح الدراسية يتم منحها على أساس الجدارة للطلاب في جميع أنحاء المجتمع المصري، مع جهد خاص نحو الطلاب المحرومين اقتصاديا. وستركز المنح على دعم الدراسة في المجالات التي حددتها مصر نفسها على أنها حاسمة لتحقيق النجاح الاقتصادي على المدى الطويل والازدهار، في الحقول التي تشمل العلوم التطبيقية والهندسة، وإدارة الأعمال.
وتابع قائلا: «وفي الوقت نفسه، فإن المبادرة ستفيد الجامعات الحكومية المصرية وعشرات الآلاف من الطلاب المصريين فيها، وذلك من خلال استثمار عدة ملايين من الدولارات في ما يصل إلى 20 شراكة بين الجامعات والشركات المصرية والأميركية، مما يؤدي إلى زيادة البحوث المشتركة، وبرامج الدرجة المشتركة، وتبادل المعرفة».
وحول دوافع أميركا للمبادرة، قال بيكروفت: «قد يتساءل البعض لماذا تستثمر الولايات المتحدة كثيرا في منح جديدة للطلاب المصريين؟ وأحد الأسباب هو أن مستقبل مصر كدولة آمن ومزدهر، وديمقراطي، وهو أمر حاسم لاستقرار هذه المنطقة البالغة الأهمية. وفي عالم اليوم، مستقبل مصر، مثلها في ذلك مثل كل بلد آخر، يعتمد على تعليم شبابها. وبالتالي فإن مستقبل شباب مصر وخيارات الدولة يجعل من إعدادهم للعمل والمسؤولية والمنافسة العالمية مهمة للشعب الأميركي ولجميع أولئك الذين يرغبون في مستقبل جيد لمصر.. نحن لا نعتقد أن النموذج الأميركي لديه كل الإجابات، لكننا نعلم من التجربة والتدفق المستمر من الطلاب الذين يأتون إلينا من كل ركن من أركان المعمورة، أن لدينا الكثير لتقدمه في مجال التعليم العالي».
وفي كلمته، أكد الدكتور السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي المصري، على أهمية المبادرة، موضحا أنها تستهدف بناء الإنسان المصري وإعداده لمواجهة التحديات المستقبلية.
وأضاف الوزير أن هذه المبادرة ترتكز على التخصصات المهمة والضرورية، كالطاقة والطب والهندسة والمياه وريادة الأعمال والعلوم والتكنولوجيا التي يحتاجها الاقتصاد المصري في الفترة الراهنة، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق مع الجانب الأميركي على أن يكون تنفيذ هذه المبادرة على نحو مشترك.
وأشار عبد الخالق إلى أن المبادرة تسهم في تحقيق التبادل العلمي والبحثي والتفاهم المشترك بين الشعبين المصري والأميركي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة يهمها أن تنعم مصر بالاستقرار والسلام والرخاء والنمو الاقتصادي، باعتبار مصر ركيزة أساسية ومهمة في المنطقة والعالم بشكل عام، داعيا إلى توفير المزيد من المنح الدراسية والتعاون المشترك بين البلدين في مجالات التعليم والبحث العلمي، ومشيرًا إلى أن الوزارة تتبنى سياسة الانفتاح على كل الجهات الخارجية والتعاون مع كل الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ومن جانبها أشارت الدكتورة نجلاء الأهواني، وزير التعاون الدولي في مصر، إلى أن المبادرة تكتسب أهميتها من أنها تتعلق بمحور مهم وضروري في منظومة التنمية الشاملة وهو التعليم، لأنه الأكثر فاعلية في بناء الإنسان وهو الوسيلة الحقيقية لخلق فرص العمل والضمانة الرئيسية في تحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعي.
وقالت الأهواني إن المبادرة الممولة من برنامج المساعدات الأميركية السنوي تغطي الفترة من 2014 إلى 2022، مشيرة إلى أن أنشطة هذه الاتفاقية تنحصر في ثلاثة أوجه، وهي: الشراكات بين مؤسسات التعليم المصرية والأميركية، والمنح الدراسية للكليات والجامعات الأميركية في الدراسات العليا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وإدارة الأعمال والشؤون الإدارية والزراعة والطاقة المتجددة، ومجالات أخرى تدعم الأهداف التنموية المصرية. كما أوضحت أن المبادرة ستوفر المنح الدراسية في الجامعات الخاصة والحكومية بمصر ذات الجودة التعليمية العالية في المجالات اللازمة لدعم التنمية في مصر.
وقالت الوزيرة إن «هذه المبادرة هي استكمال لجهود سابقة في دعم الحكومة المصرية للتعليم مع جميع شركائنا في التنمية، وهذه الاحتفالية قد حضرها عدد من الشباب الذين استفادوا من جهود الحكومة المصرية سابقًا في الحصول على منح دراسية في جامعات الولايات المتحدة الأميركية».