استسلام «دواعش» في سجن الحسكة... وآخرون يتحصنون بمدنيين

تعمل «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية على مداهمة أقسام يتحصن فيها مقاتلو تنظيم «داعش» داخل سجن غويران بشمال شرقي سوريا، وسط مخاوف على مصير مئات القصّر من المحتجزين في السجن، بعد أيام من اشتباكات بين الطرفين أوقعت عشرات القتلى من الطرفين.
بالقرب من بوابة سجن الصناعة بحي الغويران جنوب مدينة الحسكة، يطلب مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) عبر مكبرات الصوت من عناصر تنظيم «داعش» المسلحين؛ التقدم نحو نقطة خاصة بالتفتيش والسير بخطوات ثابتة مع رفع أيديهم خلف رؤوسهم.
وتأتي التعليمات تباعاً بإلقاء الأسلحة والجعب العسكرية والمخازن ثم المشي دون النظر للخلف أو لأي جهة، وبعد وصولهم تقوم دورية من المهام الخاصة وقوى الأمن الداخلي بأخذ بصمات اليد والعين وإجراء فحوصات طبية، قبل صعودهم إلى عربة عسكرية، ليتم نقلهم إلى حافلة وقفت على مسافة قريبة في ساحة المرور، ليصار نقل هؤلاء الذين شاركوا في التمرد المسلح إلى سجون ثانية بعد مشاركتهم في عصيان يعد الأكبر والأعنف منذ احتجازهم في هذا السجن سنة 2019.
واستسلم عشرات من المتطرفين الذين تحصنوا داخل السجن بعد مشاركتهم لمدة 5 أيام متتالية في التمرد المسلح بعدما انهارت تحصيناتهم ونفذت ذخيرتهم. بعض من هؤلاء كان جريحاً وآخرون ربطوا أيديهم أو أرجلهم بالكاد تمكنوا من الوصول إلى نقطة التفتيش. كان بالإمكان مشاهدة بقع الدم على ملابسهم وبالقرب من بوابة السجن الشمالية الرئيسية وقفت 8 سيارات شحن كبيرة ملغمة، وفككت الفرق الهندسية الألغام والمواد المتفجرة وبقيت المفخخات مركونة في مكانها، حيث أعدت لشن هجمات إرهابية انتحارية على محيط السجن لإحداث الفوضى بغية تهريب أكبر عدد من محتجزي التنظيم داخل السجن ويبلغ عددهم نحو 5 آلاف متهم بالقتال إلى جانب التنظيم المتشدد.
وفي المكان، بقيت فوهات البنادق ورائحة الجثث المتفسخة وعشرات السيارات المتفحمة شاهدة على ضراوة المعارك الشرسة، وفي آخر حصيلة أعلنتها قوات «قسد» قُتل من خلايا التنظيم المهاجمين أكثر من 160، فيما قتل 15 من المحتجزين المعتقلين في السجن شاركوا في العمليات المسلحة، لترتفع حصيلة قتلى التنظيم إلى 175 مسلحاً، أما عدد الذين ألقي القبض عليهم فبلغ نحو 150 شخصاً.
ونشرت القيادة العامة لقوات «قسد» في بيان على موقعها الرسمي أمس حصيلة معارك سجن غويران. وقالت: «خلال الأيام الماضية استشهد ببطولة 27 من مقاتلينا. الآن الوضع تحت سيطرة قواتنا التي بدأت عملية تطهير واسعة بمشاركة نحو 10 آلاف من مقاتلينا وقوى الأمن الداخلي»، وأكد البيان أن اعترافات الذين تم القبض عليهم وهاجموا السجن تفيد بأنه «شارك بحدود 200 إرهابي انتحاري في الهجوم، بعضهم قدموا من مدينتي رأس العين وتل أبيض الخاضعة لتركيا وفصائل سورية موالية، وبعضهم جاء من العراق واتخذوا من حي غويران مركزاً ومنطلقاً لعملياتهم الإرهابية».
ودفعت الاشتباكات المستمرة منذ الخميس الماضي، نحو 45 ألف شخص إلى الفرار من منازلهم في مدينة الحسكة، وقال مدير المركز الإعلامي للقوات فرهاد شامي، إن 300 عنصر في التنظيم كانوا قد شاركوا في استعصاء سجن الصناعة سلموا أنفسهم، «بعد نداءاتنا بضرورة الاستسلام داهمت قوات (قسد) في الساعة الخامسة فجر أمس، أحد مباني السجن الذي كان يتحصن فيه عناصر التنظيم، وعلى خلفية المداهمة سيطرت القوات على المبنى بالكامل» واستسلم نحو 300 عنصر من التنظيم، وشدد شامي على أن العملية مستمرة وفق الخطة المقررة، وتواصل القوات بمشاركة قوى الأمن الداخلي (الأسايش) ودعم وإسناد جوي من طيران قوات التحالف «حملة تمشيط حي غويران، لملاحقة الخلايا النائمة للتنظيم المتشدد التي حاولت مؤازرة معتقلي (داعش) في السجن»، ولفت المسؤول العسكري إلى أن القوات تبدي مستوى عالياً من الدقة والحذر، «لوجود المدنيين في المنطقة والذين تتخذهم تلك الخلايا في بعض النقاط دروعاً بشرية».
ويقع سجن الصناعة في الجهة الجنوبية من مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، بحي الغويران، وهذه المنطقة متصلة مع صحراء بادية الجزيرة تحدها من الشرق بلدة الهول التي تضم مخيماً يؤوي نحو 56 ألفاً من عائلات مسلحي التنظيم، فيما تحدها من الجنوب بلدة الشدادي ويقع فيها ثاني أكبر سجن للمتطرفين بعد سجن الصناعة في الغويران.
وسجن الصناعة الذي يضم 5 آلاف متهم بقتاله في صفوف التنظيم يتحدرون من 50 جنسية غربية وعربية وروسية، كان عبارة عن صفوف دراسية تابعة لكلية الاقتصاد بجامعة الفرات الحكومية، وبعد الانتهاء من معركة الباغوز شرق دير الزور والقضاء على خلافة «داعش» العسكرية، نقل عناصر ومسلحو التنظيم وما يعرف بـ«أشبال الخلافة» إلى هذا السجن. والبناء عبارة عن 3 كتل تتألف كل كتلة من طابقين، ويضم كل طابق 10 أجنحة يحتجز فيها أكثر من 100 شخص والغرف مكتظة. وخُصص عنبر للمصابين وجرحى التنظيم، كما يضم جناحاً خاصاً بإدارة السجن وقسم الحراسة وبرج المراقبة، وبجانب ذلك يقع مطعم وهو مبنى كبير يعد مطبخ السجن لإعداد وجبات الطعام.
والسجن محاط بأبنية ومقرات حكومية بينها كلية الاقتصاد ومعهد المراقبين الفنيين وصوامع الحبوب، ومقر شركة «السادكوب» لتوزيع المواد النفطية والبترولية التابعة للإدارة الذاتية، ويقع حي الزهور بالجهة الغربية من السجن فيما تقع مقبرة الغويران بالجهة الشرقية. وداخل الزنازين مهاجع موصدة بأبواب مطلية بلون أخضر مرقمة بأحرف إنجليزية وحروف بلوك متسللة، وكتب على كل باب رقم 120 أو 110 أقل أو أكثر، في إشارة إلى عدد نزلائه، أضواء المكان خافتة مع صعوبة وجود بقعة فارغة بسبب تمدد الرجال على الأرض أو الوقوف، والزي الذي كان يرتديه النزلاء برتقالي اللون أو رمادي والأخير صنع من الأغطية الخاصة بالسجن.