«أوميكرون»... بين مقلل من خطورته ورافض «الإفراط في التفاؤل»

منذ ظهور «أوميكرون»، المتحوّر الجديد لـ«كوفيد - 19» أواخر الشهر الفائت في جنوب أفريقيا، انسدل ستار من القلق والتساؤلات على المشهد الوبائي العالمي الذي كان منهمكاً منذ أسابيع بالموجة الجديدة التي تهبّ على القارة الأوروبية، ومتوجّساً من عواقب تدنّي مستويات التغطية اللقاحية في البلدان الفقيرة والنامية، خصوصاً في أفريقيا.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على رصد «أوميكرون»، ما زالت المعلومات العلمية المتوفرة حول مواصفاته البيولوجية وتفاعلاته مع اللقاحات في دائرة التقديرات والترجيحات في انتظار حسمها بيقين التحاليل والدراسات الجارية التي يُجمع العلماء على أنها تحتاج لأسابيع كي تصل إلى خواتيمها ونتائجها النهائية. لكن رغم الأجواء الإيجابية التي أشاعتها المؤشرات الأولى حول عدم خطورة المتحوّر الجديد وفاعلية اللقاحات المتداولة ضده، يقول الخبراء الذين استصرحتهم «الشرق الأوسط» في الأيام المنصرمة، إنه من السابق لأوانه الجزم في أي اتجاه كان حول مسرى المتحوّر الجديد وتأثيره على المشهد الوبائي العام، وأن الوضع كان أفضل قبل ظهوره.
وتشير البيانات الإحصائية الأولى إلى أن «أوميكرون» في طريقه إلى أن يصبح المتحوّر السائد بدل متحوّر «دلتا» الذي كان الوحيد من بين الطفرات الفيروسية التي انتشرت على نطاق واسع وكثيف في جميع أنحاء العالم، وأنه بسبب سرعة سريانه التي يقدِّر الخبراء أنها تضاعف سرعة سريان «دلتا»، سيزيد من عدد الحالات التي تستدعي العلاج في المستشفى وأيضاً من عدد الوفيات.
ويرى الخبراء الذين يميلون إلى ترجيح تدنّي خطورة هذا المتحوّر الجديد بالمقارنة مع الطفرات الأخرى، أن هذا التحوّل في طبيعة الفيروس قد يكون توطئة للتعايش معه بفعل الإصابات واللقاحات والعلاجات الوقائية، إلى أن يصبح موسميّاً على غرار الإنفلونزا التقليدية أو الزكام العادي. ويؤكد هؤلاء أن التحولات الفيروسية من شأنها عادةً تسريع هذا المسار، وأن متحوّر «أوميكرون» ليس سوى مجموعة كبيرة متراكمة من التحولات البيولوجية الطبيعية للفيروس.
لكن ثمّة مجموعة أخرى من الخبراء تشدّد على ضرورة الحذر وعدم الإفراط في التفاؤل أو التسرّع في إطلاق النظريات حول مسرى المتحوّر الجديد لأن المعلومات المتوافرة حتى الآن لا تسمح بتحديد، ولا حتى بتقدير مدى تأثيره على الصحة العامة، خصوصاً أن المؤشرات الأولى توحي بأنه قادر على التهرّب من اللقاحات والمناعة الطبيعية لكن من غير أن تؤدي الإصابة به إلى أعراض خطرة.
ويقول خبراء منظمة الصحة العالمية إن خواتيم هذه المؤشرات هي التي ستشكّل المعادلة التي تحدد مسار المتحوّر الجديد، وإنه في حال تأكّدت سرعة سريانه، حتى وإن كانت خطورته لا تتجاوز خطورة الطفرات الأخرى، ستكون له تداعيات قاسية حتى على البلدان التي بلغت مستويات عالية من التغطية اللقاحية وتتمتع بمنظومات صحية قويّة. ومن أبرز هذه التداعيات ارتفاع مرحلي ملحوظ في عدد الوفيات يتزامن مع ذروة الإصابات التي تستدعي العلاج في المستشفى.
الإجابة عن السؤال حول سبب ارتفاع عدد الوفيات حتى في حال كانت خطورة «أوميكرون» أدنى من خطورة الطفرات السابقة تأتي على لسان خبير العلوم الوبائية ومستشار منظمة الصحة فرنسوا بلانشار، الذي يقول: «العلوم الإحصائية هي التي تعطينا الجواب عن هذا السؤال. إذا كان المتحوّر الجديد قادراً على إصابة عدد أكبر بكثير من الأشخاص، حتى وإن كانت احتمالات المرض أقل على الصعيد الفردي، فإن العدد الإجمالي للوفيات سيكون أعلى بين المجموعة». ويضيف بلانشار أن الشرط الأساسي لعدم وقوع عدد أكبر من الضحايا جراء المتحور الجديد هو أن تكون خطورته أقل بكثير من الطفرات السابقة. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الإصابات الخطرة المعروفة بمتحور «أوميكرون» ما زال ضئيلاً جداً، لكن المعروف أيضاً أن معظم الذين أُصيبوا به حتى الآن هم من الشباب الذين تظهر عليهم عادةً أعراض طفيفة.
أما الاستجابة المناعية ضد المتحوّر الجديد فهي تقاس بالمقارنة مع تلك التي تولّدها المناعة الطبيعية أو التي تنشأ عن اللقاحات. ويُذكر أن شركة «فايزر» كانت قد كشفت يوم الأربعاء الفائت عن نتائج التجارب التي أجرتها مؤخراً وبيّنت أن استجابة مضادات الأجسام ضعيفة جداً بعد تناول جرعتين من اللقاح، ما يزيد من قدرة متحوّر «أوميكرون» على الإصابة بالمرض، وأن الجرعة الثالثة تستعيد القدرة المناعية التي كانت تتمتع بها اللقاحات ضد الطفرات السابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات التي أُجريت حتى الآن حول فاعلية اللقاحات ضد المتحور الجديد استندت إلى مضادات الأجسام العادمة التي تولّدها هذه اللقاحات، والتي تشكّل معياراً أساسياً لقياس قدرة الفيروس على الإصابة بالمرض، لكنها لا تسمح بمعرفة استجابة الجسم لوقف أعراضه الخطرة. ويقول مستشار منظمة الصحة الخبير الفيروسي فيديريكو مارتينون إن «ردة الفعل التي تنشأ عن اللقاحات والإصابة الطبيعية بالمرض أعمق بكثير من تلك التي تتولّد من مضادات الأجسام، فضلاً عن أن المناعة التي تتولّد في الخلايا قادرة على منع الإصابة الخطرة حتى بعد دخول الفيروس إلى الجسم».
ويذكّر الخبراء بأنه حتى اليوم ما زالت المعلومات ضئيلة جداً عن تفاعل الفيروسات التاجية مع الجسم البشري وإصابته بالإنفلونزا. ويرى البعض منهم أن هذه الفيروسات كانت قد انتشرت على نطاق واسع في السابق وتسببت في إصابات خطرة، وأنها بعد مراحل متلاحقة من السريان والتحوّر واعتياد الجسم البشري عليها، تحولّت إلى طفرات فيروسية مزعجة تقتصر أعراضها على السعال والتهابات وآلام في الحنجرة وارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم في أسوأ الحالات.