صحافيو مناطق «الإدارة الذاتية» في شمال سوريا يواجهون المتاعب بـ{امتياز»

بعد تكليفها من إدارة الشبكة الإعلامية بتغطية تظاهرة دعا إليها تحالف كردي معارض في مدينة القامشلي، الواقعة في أقصى شمال شرقي سوريا، حملت الإعلامية ديانا محمد، المتحدرة من المنطقة نفسها، حقيبتها الصحافية ووضعت بداخلها معداتها من كاميرا وآلة تسجيل وهاتفها الجوال، لتغطية الحدث، لكنها لم تعلم أنها ستخسر كاميرتها وهاتفها وكارت الذاكرة وستتعرض للشتائم ذلك اليوم.
ديانا محمد تعمل في مجال الإعلام منذ 4 سنوات. وهي حالياً مراسلة ميدانية لصالح «شبكة آسو الإخبارية»، وهذه أول مرة فيها تتعرض عبر مسيرتها المهنية لموقف كهذا، وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» سردت تفاصيل الواقعة، قالت: «وصلنا إلى مكان التجمع أمام مقر الأمم المتحدة وسط القامشلي، ووقف الإعلاميون في مكان مخصص لتغطية الحدث. ولكن خلال دقائق هجم علينا ملثمون وأتى أحدهم وأخذ كاميرتي بقوة وكسرها أمام عيوني».
ديانا تكلمت عن مشاعرها لحظة مشاهدة تحطيم كاميرتها وكيف سقطت على الأرض، مضيفة: «أدرت وجهي بدايةً حتى لا أشاهد الموقف، إلا أنني لم أتمالك أعصابي وكان قلبي يتقطع... وفوق ذلك شتمني المعتدي وطلب مني المغادرة. ويومذاك شاهدت أيضاً كيف تعرض زملاء آخرون للضرب والإهانة».
أما الإعلامي دارا بركات، مراسل محطة «كردسات نيوز» الذي شارك في تغطية احتجاجات القامشلي، فأفادنا بأن سيارته الخاصة تعرضت نوافذها للكسر ورشقت بالحجارة، وتابع: «يومها ركنت سيارتي بالقرب من مكان الاعتصام، لم أكن أعلم أن الاحتجاجات ستتعرض للانتهاكات ووصلت إلى مكان سيارتي وقد رشقت بالحجارة لتكسر النافذة الخلفية».

العمل محفوف بالخطر

«العمل في سوريا بمجال الصحافة وتغطية الوقائع الميدانية والصراعات العسكرية والسياسية يجعل من هذه المهنة مهنة المتاعب بامتياز»، وفق دارا بركات، الذي يتابع: «سوريا بلد مزقته الحروب منذ 10 سنوات، ولقد تضاعفت مآزقها ومخاطرها في ظل أزمات متراكمة، راح ضحيتها العشرات من الصحافيين واعتقل المئات وفر وهاجر الآلاف منهم». وما يذكر أنه تعرض ثلاثة إعلاميين سوريين للاعتداء أثناء تغطيتهم تظاهرة احتجاجية في 24 من الشهر الحالي نظمها «المجلس الوطني الكردي»، احتجاجاً على رفع أسعار مشتقات الوقود والاعتقالات السياسية.
وبدوره، استنكر «اتحاد الإعلام الحر» وهو نقابة صحافية كردية مقربة من «الإدارة الذاتية» التي تدير مناطق شرق الفرات (شمال شرقي سوريا)، في بيان نُشر على موقعها الرسمي، «تعرّض مجموعة من الإعلاميين أثناء تغطية تظاهرة القامشلي من قبل مجموعة تطلق على نفسها (الشبيبة الثورية - جوانن شورشكر)...»، والأخيرة منظمة شبابية تتبع حزب «الاتحاد الديمقراطي السوري» أحد أبرز الأحزاب الحاكمة بالإدارة.
ووفق بيان «الاتحاد»، نتج عن الاعتداء تحطيم كاميرا وهاتف جوال خاص بمراسلة «شبكة آسو الإخبارية» ديانا محمد وتعرضها للشتائم، كما تعرضت سيارة مراسل محطة «كردسات نيوز» دارا بركات إلى أضرار كبيرة نتيجة تراشق الطرفين بالحجارة، وتعرض مصور شبكة «نبض الشمال» شفزان محمود إلى الضرب والاعتداء.
وأكّد بنكين سيدو، رئيس «الاتحاد» في حديثه أنهم تلقوا شكاوى رسمية من الإعلاميين الثلاثة الذين تضرّروا بسبب الهجوم، وأردف: «طالبوا بأخذ حقهم من خسائر مادية ومعنوية ومحاسبة المعتدين، وبدورنا سجلنا الشكوى ضد منظمة (الشبيبة الثورية). وتوجهنا في بيان رسمي لمسؤولي الجهة لضبط تنظيمهم وأنهم سيتحملون مسؤولية تصرّفات أعضائهم». ولكن سرعان ما اتصل مسؤولو المنظمة مباشرةً و«نفوا علاقة أعضائهم بما جرى»، متّهمين أشخاصاً مجهولين انتحلوا صفة أعضاء المنظمة، على حد تعبير رئيس منظمة «الشبيبة الثورية»، كما نقلها حرفياً بنكين سيدو.
من جهتها، غطت قناة «روسيا اليوم» عبر مراسلها الصحافي محمد حسن، الحركة الاحتجاجية، وأظهر التقرير «احتجاجات بمدن شمال شرقي سوريا» لحظة وقوع الاعتداء وإقدام شبان يرفعون علماً أحمر على مهاجمة ورشق الحجارة على المحتجين السلميين، أمام عناصر قوى الأمن والشرطة المحلية التي حاولت عاجزة منع الهجمات.
في حين اعتبرت «شبكة الصحافيين الكُرد السوريين» طريقة الاعتداء على الصحافيين أمام مرأى قوات الأمن الداخلي (الأسايش) تطوراً لافتاً وخطيراً في سياق الاعتداءات على حرية الرأي والتعبير والعمل الصحافي. وقالت في بيان أصدرته أخيراً على صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، إن «الأجهزة الأمنية اكتفت برد بعض عناصر المجموعة المهاجمة، دون القيام بواجبها كاملاً في ردهم بالقوة واعتقالهم».
وشددت الشبكة الكردية في بيانها على أن المقاطع المصورة «كشفت أنَّ المجموعة الملثمة هاجمت الصحافيين بعنف وهي تحاول مصادرة معداتهم أو تكسيرها، بطريقة منظمة لترهيب المراسلين الصحافيين والمصورين، ومنعهم من نشر الحقيقة».

مجهولون أضرموا النار في مكتب «رووداو»

وفي تطور ثانٍ لافت؛ تعرض مكتب محطة «رووداو» الكردية في مدينة القامشلي لهجوم بقنبلة يدوية من نوع مولوتوف في وقت متأخر من مساء 27
سبتمبر (أيلول) الماضي، تسبب في إحراق أجزاء من المكتب. وأظهرت كاميرات المراقبة دخول شخصين ملثمين إلى المكتب وإضرامهم النيران فيه قبل أن يلوذوا بالفرار. وأصدرت الشبكة بياناً في اليوم التالي، حذّرت فيه من مغبة الهجوم على الإعلاميين للحد من حرية العمل الإعلامي في المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، وباتت تشكل تهديداً مباشراً لحياة الإعلاميين وسلامتهم المهنية.
وتجدر الإشارة إلى أن شبكة «رووداو» الإعلامية قناة كردستانية مقرها الرئيسي في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. وقال مدير مكتبها بالقامشلي الإعلامي فهد صبري في حديث إلى جريدة «الشرق الأوسط»، إنه «في تمام الساعة 12 وخمس دقائق بعد منتصف ذاك اليوم، هاجم ثلاثة أشخاص كانوا مقنعين مكتب الشبكة، ليقوم شخصان بإلقاء قنابل مولوتوف داخل المكتب، أما الثالث فعمد لتصوير عملية الهجوم».
وبحسب ما أظهرته كاميرات المراقبة، أسفر الهجوم بالقنابل الحارقة عن اندلاع الحريق في الطابق الأرضي وأُتلف قسم من معداته وأُلحقت أضرار مادية بمحتوياته. وأشار بيان الشبكة إلى أن تلك الحادثة هي السادسة من نوعها التي يتعرض فيها مكتب «رووداو» في القامشلي للهجوم منذ افتتاحه. وحمّلت الجهات المسؤولة بالتقصير واتهمت منظمة «الشبيبة الثورية»، وأكمل بيانها: «فالهجمات الـ5 السابقة تمّت من قبل منظمة جوانين شورشكير - الشبيبة الثورية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وقام المهاجمون علناً بإلقاء الحجارة على مكتب (رووداو) بوضح النهار».
وأوضحت المحطة في بيانها، أنه في آخر حادثة «لم تعلن أيّ جهة أو مجموعة عن مسؤوليتها عن هذا الهجوم، وكان المهاجمون ملثّمين ومقنّعين حتى لا يتمّ التعرّف عليهم». أما فهد صبري فذكر في حديثه: «هذا هجوم خطير للغاية يهدّد حياة زملائنا في شبكة رووداو وعملهم في غرب كردستان، ويشكل بالوقت ذاته انتهاكاً في غاية الخطورة لحرية العمل الإعلامي»، وطالب مدير المكتب الأجهزة المعنية وسلطات الإدارة الذاتية بعدم التزام الصمت، «وألا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الهجوم على مكتب الشبكة هذه المرّة أيضاً كما حدث في المرات السابقة».

«مراسلون بلا حدود» أدانت الاعتداءات

من جانبها، أدانت منظمة «مراسلون بلا حدود» الدولية الانتهاكات المتعددة ضد حرية الصحافة خلال الآونة الأخيرة في المنطقة التي تسيطر عليها «الإدارة الذاتية» وجناحها العسكري «قوات سوريا الديمقراطية»، ودعت السلطات المسؤولة هناك إلى السماح للصحافيين والإعلاميين بممارسة المهنة بحرية وضمان بيئة عمل مناسبة لهم. وقالت المنظمة في بيان نشر على موقعها الرسمي في 29 سبتمبر الماضي: «شاهد كثير من المراسلين موادهم ممزقة ودمرت من قبل أفراد يدعمون الحكومة الإقليمية. كما لحقت أضرار بمباني رووداو بزجاجات المولوتوف».