يوم دامٍ في لبنان وعون يتعهد بمحاسبة المسؤولين عن العنف

قال الرئيس اللبناني ميشال عون، في كلمة متلفزة، إن أحداث العنف في بيروت، اليوم (الخميس)، «غير مقبولة»، متعهداً بمحاسبة المسؤولين عنها والمحرضين عليها، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء. وأضاف: «لن نسمح لأحد بأن يأخذ لبنان رهينة لمصالحه الخاصة، ولن نسمح بأن يتكرر ما حدث اليوم تحت أي ظرف»، وقال إن إطلاق النار «سيكون موضع متابعة أمنية وقضائية».
وقُتل ستة أشخاص وأُصيب ثلاثون على الأقل بجروح، في وقت سابق الخميس، في اشتباكات مسلحة تخللها تبادل لإطلاق النار والقذائف الصاروخية تزامناً مع تظاهرة لمناصري «حزب الله» وحركة «أمل» ضد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، في تصعيد يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة.
وتعرض القاضي طارق بيطار خلال الأيام الأخيرة لحملة ضغوط قادها «حزب الله» اعتراضاً على استدعائه وزراء سابقين وأمنيين لاستجوابهم في إطار التحقيقات التي يتولاها، تخللها مطالبات بتنحيته.
وتحولت مستديرة الطيونة، على مسافة عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قناصة على أسطح أبنية، رغم وجود وحدات الجيش وتنفيذها انتشاراً سريعاً في المنطقة، التي تُعدّ من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990).
وأعلن الجيش أنه «خلال توجه محتجين إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة - بدارو، وقد سارع الجيش إلى تطويق المنطقة والانتشار في أحيائها». ولم يحدد الجيش هوية الأطراف التي بدأت إطلاق الرصاص. وحذر من أن وحداته «سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يوجد على الطرق وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار». وناشد المدنيين إخلاء الشوارع.
وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي أن «الإشكال بدأ بإطلاق النار من خلال القنص»، ما أسفر عن «إصابات بالرأس»، متحدثاً عن سقوط ستة قتلى.
وقالت مديرة الطوارئ في «مستشفى الساحل» في الضاحية الجنوبية لبيروت، مريم حسن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن بين القتلى الذين وصلوا إلى المستشفى امرأة في الرابعة والعشرين من العمر أُصيبت بطلق ناري في الرأس خلال وجودها في منزلها.
وفي شوارع مؤدية إلى مستديرة الطيونة، شوهد مسلحزن، بينهم مقنعون، من حركة «أمل» و«حزب الله»، وقد وضع بعضهم شارات تؤكد انتماءهم الحزبي، يطلقون النيران باتجاه أبنية فيها قناصة، فيما لم يكن الطرف الآخر واضحاً للعيان.
واتهم «حزب الله» وحركة «أمل»، «مجموعات من حزب القوات اللبنانية»، أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية، ويُعد اليوم معارضاً شرساً لـ«حزب الله»، بـ«الاعتداء المسلح» على مناصريهما.
واستنكر رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، ما حصل في محيط منطقة الطيونة، معتبراً أن «السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر الذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان».
وبعد اشتباكات استمرت ساعات عدة، عاد الهدوء ليسيطر على المنطقة وسط خشية من تصعيد جديد.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صباحاً صوراً لأطفال يجلسون أرضاً في إحدى القاعات المدرسية، فيما وجه سكان خلال النهار نداءات لإجلائهم من المنطقة.
ويقود «حزب الله» وحليفته حركة «أمل» الموقف الرافض لعمل بيطار، ويتهمانه بـ«الاستنسابية والتسييس». ويخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط إلى عزل بيطار على غرار سلفه فادي صوان، الذي نُحي في فبراير (شباط) بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.
ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلبه ملاحقة نواب ووزراء سابقين وأمنيين، تقدم أربعة وزراء معنيين بشكاوى أمام محاكم متعددة مطالبين بنقل القضية من يد بيطار، ما اضطره لتعليق التحقيق في القضية مرتين حتى الآن.
وعلق بيطار، أول من أمس (الثلاثاء)، التحقيق بانتظار بت دعوى مقدمة أمام محكمة التمييز المدنية من النائبين الحاليين وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر، المنتميين لكتلة حركة «أمل».
وأفاد مصدر قضائي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» بأن محكمة التمييز المدنية رفضت الدعوى في الشكل على اعتبار أن الأمر ليس من صلاحيتها لأن بيطار «ليس من قضاة محكمة التمييز».
وإثر القرار، يستطيع بيطار استئناف تحقيقاته. وهذه المرة الثالثة التي يرفض فيها القضاء دعوى مماثلة ضدّ بيطار لعدم اختصاص المحكمة بالنظر فيها.
وكان مقرراً أن تعقد الحكومة، بعد ظهر أمس (الأربعاء)، جلسة للبحث في مسار التحقيق، غداة توتر شهده مجلس الوزراء بعدما طالب وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» بتغيير المحقق العدلي، إلا أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قرر تأجيل جلسة الأربعاء إلى موعد يُحدد لاحقاً بانتظار التوصل إلى حل.
ويتظاهر ذوو ضحايا انفجار المرفأ باستمرار دعماً لبيطار واستنكاراً لرفض المدعى عليهم المثول أمامه للتحقيق معهم، بينما تندّد منظمات حقوقية بمحاولة القادة السياسيين عرقلة التحقيقات، وتطالب بإنشاء بعثة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة.