تحديات الدراسات العليا في أميركا تدفع الطلاب إلى المطالبة بتأسيس اتحاد

«اسمي آنا وأدرس في قسم التاريخ. وأريد اتحادا لأني أريد أن أتمكن من القيام بالعمل الذي أحبه ويكون لدي شبكة أمان»... «اسمي برادلي. وأنا أدرس اللغات السلافية، وأؤيد إنشاء اتحاد لأن نفقات الرعاية الصحية باهظة».
في فترة ما بعد ظهيرة أحد أيام فبراير (شباط)، احتشد 60 طالب دراسات عليا في جامعة كولومبيا الأميركية ممن يدرسون علم الإنسان وعلم الحيوان، في غرفة اجتماعات من أجل تبادل الأفكار بشأن كيفية إقناع الجامعة بالاعتراف بالاتحاد الذي يناضلون من أجل إقامته والتفاوض معه. وبدأوا الاجتماع بسؤال الطلبة تقديم أنفسهم وتوضيح سبب رغبتهم في إنشاء اتحاد.
وكان الأمر يبدو أحيانا مثل حلقة علاج نفسي يتشارك فيها الأفراد شكواهم بشأن مستشاري الجامعة غير المبالين، وإجازة الوضع غير الكافية، وغيرها من الشؤون، لكنه كان في الوقت ذاته اجتماعا لوضع الاستراتيجية والحشد. وقال آخر طالب ينضم إلى النقاش: «اسمي نيك، وأنا أيضا أدرس التاريخ. نحن بحاجة إلى اتحاد لأن السلطة لا تتنازل عن أي شيء دون صراع ومقاومة». وذكرت المجموعة أن 1.700 من طلاب الدراسات العليا بجامعة «كولومبيا» البالغ عددهم 2.800 من مساعدي الأساتذة ومعاوني الأبحاث قد وقعوا على استمارات تطالب بإنشاء اتحاد. واحتشد أكثر من مائة مؤخرا أمام مكتب رئيس الجامعة لتقديم تلك الاستمارات، والمطالبة باعتراف الجامعة بهم كاتحاد عمال، لكن الجامعة رفضت وقالت، إن «معاملة طلبة الدراسات العليا كعاملين من شأنه الإضرار بدراستهم وتعليمهم».
وأشارت الجامعة إلى قانون صادر عام 2004 عن المجلس القومي لعلاقات العمل ينص على أن مساعدي الأساتذة، ومعاوني الأبحاث، طلبة وليسوا عاملين، مما لا يلزم الجامعات بالتفاوض معهم حتى إذا أرادت الأغلبية منهم إنشاء اتحاد.
وأمام هذه العقبة يضغط طلبة الدراسات العليا بجامعة «كولومبيا» على الجامعة من أجل اتخاذ خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها جامعة «نيويورك» نهاية عام 2013، وهي الموافقة على التطوع بالاعتراف والتفاوض مع اتحاد طلبة الدراسات العليا. خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأ طلبة الدراسات العليا في كل من جامعة «براون»، و «كورنيل»، و«نيو سكول»، و«ييل»، الدفع باتجاه إنشاء اتحاد، لكنهم واجهوا العقبة نفسها. وأثر هذا القانون، الذي ينطبق على طلبة الدراسات العليا في جامعة «براون»، على الجامعات الخاصة فقط. وطلب طلبة جامعة «كولومبيا» من مكتب مجلس العمال في نيويورك الإشراف على انتخابات الاتحاد، لكن المجلس رفض بسبب قانون عام 2004 المذكور آنفا. ويأمل الطلبة أن يتمكنوا من إقناع المجلس المكون من 5 أفراد في واشنطن بإلغاء ذلك القانون، الذي اتخذه المجلس السابق الذي يعمل لصالح أصحاب العمل والذي كان يهيمن عليه الجمهوريون. أما اليوم فيسيطر الديمقراطيون على المجلس الذي بات أكثر ودا في التعامل مع العمال. وقال روث ميلكمان، الخبير في شؤون العمال في جامعة «سيتي يونفيرسيتي أوف نيويورك»: «بالنظر إلى النجاح الذي تم تحقيقه في جامعة (نيويورك)، وبعض المؤشرات الإيجابية القادمة من المجلس القومي لعلاقات العمل، يتطلع الطلبة في عدة جامعات إلى التمتع بحق إنشاء اتحاد. وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد في أن المجلس سوف يدير الأمور بطريقته».
ويقول مسوؤلون في جامعة كولومبيا إن «الجامعة كانت كريمة مع مساعدي الأساتذة ومعاوني الأبحاث، وإنها تدفع المصروفات الدراسية بالكامل، فضلا عن الأجور وتتراوح تلك النفقات بين 22 و40 ألف دولار، باختلاف الأقسام». ومثل الكثير من الجامعات، تخشى جامعة كولومبيا من أن يتسبب الاتحاد في حدوث توترات، وينظم إضرابات. وصرحت الجامعة قائلة: «نحن نفهم تماما أن السعي للحصول على درجة دكتوراه طريق مليء بالتحديات الكبيرة سواء على المستوى الفكري والإنساني. طلبة الدراسات العليا لدينا باحثون في التدريب، وما يقومون به من تدريس أو عمل بحثي جزء لا يتجزأ من دراستهم العليا». وكما رأى المجلس القومي في حالة جامعة «براون»، نحن أيضا نعتقد أن معاملة طلبة الدراسات العليا كعاملين سوف يأتي بنتائج عكسية تؤثر سلبا على تجربتهم الدراسية.
وأكد سيث برينس، الباحث لنيل درجة الدكتوراه في علم الأوبئة، أن جامعة كولومبيا ومجلس العمال كانا مخطئين في النظر إلى مساعدي الأساتذة، ومعاوني الأبحاث، باعتبارهم مجرد طلبة. وأوضح قائلا: «إذا امتنعنا عن تقديم خدماتنا في التدريس والبحث داخل الجامعة، لن تصبح مؤسسة مرموقة كما هي الآن. كونك طالبا لا يعني أنك لست عاملا».
ويسعى طلبة جامعة كولومبيا إلى الانضمام إلى عمال السيارات المتحدين، وهو التنظيم الذي يمثل آلاف العاملين الإداريين، من بينهم الإداريون في جامعة كولومبيا، وكذلك طلبة الدراسات العليا في جامعة نيويورك وكونيتيكت.
على الجانب الآخر، لدى أليكس بيتشر، طالب دكتوراه في الكيمياء لأربع سنوات، تحفظات على أمر إنشاء اتحاد. وقال: «أنا راض عن الوضع الحالي. نحن نحصل على حزمة جيدة من الامتيازات من جامعة كولومبيا». وأضاف بيتشر قائلا: «نحن كطلبة دراسات عليا نعمل مثل الموظفين، لكننا أيضا طلبة، وبتغيير طبيعة دورنا الوظيفي، سوف يغير الاتحاد طبيعة تجربتنا كطلبة».
وجمع منظمو الاتحاد في جامعة ييل أكثر من ألف توقيع من طلبة الدراسات العليا، الذين يؤيدون إنشاء الاتحاد، وطلبوا من الجامعة الاعتراف بهم. ونظم أكثر من ألف طالب دراسات عليا ومؤيدوهم احتجاجا داخل الحرم الجامعي خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) بمشاركة دانيل مالوي، حاكم كونيتيكت، لدعم مطلبهم. وقال أرون غرينبيرغ، طالب دراسات عليا في قسم العلوم السياسية، ورئيس العاملين من خريجي وطلبة جامعة ييل: «لقد كان نموذج جامعة نيويورك هو وقود هذا الجهد. نحن نريد الجلوس والتفاوض بشأن مزايانا، وما نتقاضاه، وعملنا في الجامعة»، في حين قال توماس كونروي، متحدث باسم الجامعة: «تعتقد جامعة ييل أن طلبة الدراسات العليا طلبة وليسوا عاملين. كذلك نحن لا نعتقد أنه من مصلحة الطلبة، أو هيئة التدريس، أو العملية التعليمية، تغيير العلاقة بين الطالب والأستاذ لتصبح علاقة بين رئيس ومرؤوس». ووصف كونروي المزايا المالية، التي تمنحها جامعة ييل إلى طلبة الدراسات العليا، بأنها «من أفضل المزايا التي تقدم في هذا البلد»، حيث تبلغ 65 ألف دولار سنويا. ويضمن الطلبة الحصول على المصروفات الدراسية لخمسة أو ستة أعوام، إضافة إلى أجر، وتغطية صحية مدعمة إلى حد كبير.
وعبر لويس لي، طالب دراسات عليا في قسم الفلسفة بجامعة نيو سكول، عن حسده للمزايا المالية، التي تمنحها كل من جامعة كولومبيا وييل؛ ففي نيو سكول، يدفع طلبة الدراسات العليا بوجه عام الجزء الأكبر من المصروفات الدراسية ولا يحصلون سوى على أجور متدنية مقابل قيامهم بمهام في التدريس أو البحث. ووقع أغلب طلبة الدراسات العليا في جامعة نيو سكول على استمارة تدعم العضوية في اتحاد عمال السيارات.
وقال لي: «تتمثل المشكلات الأساسية في الأجور، وعدم وجود أمان وظيفي، وعدم التأثير في عملية اتخاذ القرار الخاصة بظروف العمل». ولم ترد «نيو سكول» بعد على مطالبة الطلبة بالاعتراف بالاتحاد، مشيرة إلى أنها تنظر في الخيارات المتاحة. وقالت جوزيفين بار، متحدثة باسم «نيو سكول»: «نحن نقيم تأثير الاعتراف على تعليم كل طلبتنا. الموارد المتوفرة لدينا حاليا أقل من موارد الجامعات البحثية الأكبر».
ولم يختلف رأي أولغا بروداستوفا، طالبة دكتوراه في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة كولومبيا، كثيرا، حيث قالت إن «إصدار الشيكات بأجرها أحيانا يتأخر 3 أشهر. وفي هذه الحالة يشعر طلبة الدراسات العليا بالقلق من احتمال تأخير منحهم الشيكات أكثر من ذلك في حال ضغطوا كثيرا باتجاه إنشاء الاتحاد، فذلك قد يثير غضب المستشارين من هيئة التدريس أو الإدارة». وأضافت بروداستوفا: «قد يكون إنشاء اتحاد أمرا نافعا».
* خدمة «نيويورك تايمز»