وتيرة التلقيح تتراجع في الدول الغنية

يفيد التقرير الدوري الذي أصدره المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا (أخيراً)، أن وتيرة تناول اللقاحات ضد كوفيد19 تتراجع منذ أسابيع في معظم البلدان الأوروبية والغنية، وذلك خلافاً للأشهر الأولى من حملات التلقيح عندما كان الإقبال على تناول اللقاح يتجاوز بكثير الكميات المتوفرة من الجرعات.
ويأتي هذا التقرير في الوقت الذي لجأت فيه حكومات، مثل فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، إلى فرض تدابير إلزامية لتناول اللقاح على بعض الفئات، بينما تستعد حكومات أخرى، مثل بلجيكا وهولندا والبرتغال واليونان، لتحذو حذوها في الأسابيع المقبلة لتكملة التغطية اللقاحية التي قالت مديرة المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية آندريا آمون «إنها السلاح الوحيد المتاح حالياً للقضاء على الفيروس، والكفيل وحده بالعودة إلى الدورة العادية للحياة الاجتماعية والاقتصادية التي توقفت منذ مطالع العام الفائت». وفي دراسة مقارنة بين ثلاثة بلدان فرضت التلقيح الإجباري بدرجات متفاوتة من الصرامة: الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا، يخلص المكتب الأوروبي للمنظمة الدولية، من غير أن يفاضل بين التدابير المتبعة في هذه البلدان، إلى أن «توسيع دائرة التغطية اللقاحية على المستوى العالمي، هو الضمانة الأكيدة للخروج من الجائحة في الأمد المنظور، وعدم العودة إلى تدابير الإقفال وشل الحركة الاقتصادية».
تجدر الإشارة إلى أن التغطية اللقاحية في فرنسا بلغت حتى الآن 81 في المائة من مجموع السكان البالغين، فيما اقتربت من 71 في المائة في إيطاليا، وما زالت تراوح عند 50 في المائة في الولايات المتحدة، بعد انطلاقة سريعة لحملة التلقيح مع مجيء الإدارة الجديدة مطلع العام الجاري.
أما النظام الأكثر تشدداً حتى الآن لفرض اللقاح الإجباري، فهو الذي اتبعته إيطاليا التي الزمت جميع العمال والموظفين في القطاعين العمومي والخاص بتناول اللقاح كشرط لمزاولة أنشطتهم، تحت طائلة تجميد الراتب والغرامة المالية في حال الامتناع، فيما قررت الولايات المتحدة فرض اللقاح على الموظفين الفيدراليين والمتعاقدين مع الحكومة، واكتفت فرنسا بفرضه على الطواقم الصحية منذ منتصف الشهر الجاري تحت طائلة تجميد الراتب والفصل من الخدمة. وفيما لا يزال الجدل حول نجاعة فرض اللقاح الإجباري مقصوراً في الولايات المتحدة على الأوساط العلمية، انتقل منذ فترة إلى الشارع في فرنسا وإيطاليا حيث تخرج أسبوعياً مظاهرات احتجاجية ضد تدابير فرض تناول اللقاح، غالباً ما تستغلها قوى سياسية متطرفة وتنتهي بصدامات عنيفة مع الأجهزة الأمنية.
وكانت إيطاليا الدولة الغربية الأولى التي فرضت اللقاح على جميع العمال، لكنها لجأت إلى صيغة تتحاشى الإلزام القانوني بالتلقيح خشية الطعون في دستورية القرار. ويفرض المرسوم الذي أقرته الحكومة يوم الخميس الماضي حيازة شهادة التلقيح لممارسة أي نشاط مهني، مستقل أو ضمن مؤسسة أو إدارة عمومية، كما يفرض اللقاح على البرلمانيين والقضاة ومن يزاولون أعمال الخدمة المنزلية والمهن الحرة المتصلة بها، علماً أن شهادة التلقيح إلزامية منذ فترة لارتياد المقاهي والمطاعم والمسارح والمتاحف ودور السينما.
الاعتراض الوحيد على هذا القرار جاء من حزب «إخوان إيطاليا» اليميني المتطرف الذي رفض المشاركة في حكومة دراغي الائتلافية، مع بعض التحفظات من زعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني، لكن غالبية الإيطاليين تجاوبت مع الخطوة التي أيدتها أيضاً نقابات العمال والهيئات الاقتصادية. وأفادت السلطات الصحية أمس أنه منذ الإعلان عن القرار ارتفعت وتيرة الإقبال على التلقيح بنسبة 35 في المائة، وتوقعت أن تبلغ التغطية اللقاحية 90 في المائة قبل نهاية العام الجاري. وأفادت أيضاً أن عدد الإصابات الجديدة عاد إلى الارتفاع في دور العجزة والمدارس، لكن خطورة هذه الإصابات ما زالت متدنية جداً مقارنة بالمرحلة السابقة.
في الولايات المتحدة قررت الإدارة الأميركية فرض اللقاح الإجباري على جميع موظفي الحكومة والعمال الفيدراليين، وعلى الشركات والمؤسسات التي يعمل فيها أكثر من مائة موظف. ولدى إعلانه قرار فرض اللقاح الإجباري قال جو بايدن «لقد نفد صبري»، بعد أن كانت أعداد الإصابات الجديدة قد عادت إلى الارتفاع لتبلغ مستويات لم تشهدها منذ ستة أشهر بسبب من متحور دلتا، فيما كانت أعداد الوفيات اليومية تتجاوز الألف، معظمهم من غير الملقحين.
لكن مع إعلان إدارة بايدن قرار فرض اللقاح الإجباري، سارعت 24 ولاية، معظمها يحكمها الجمهوريون مثل فلوريدا وتكساس، إلى التهديد بالطعن في دستورية القرار. وأبلغت النيابات العامة في هذه الولايات الحكومة بأنها إذا أصرت على تنفيذه سوف تواجه إجراءات قانونية. وتجدر الإشارة أن هذا القرار يشمل حوالي مائة مليون عامل وموظف في الولايات المتحدة، حيث يقدر عدد الذين قرروا عدم تناول اللقاح بما يزيد عن 80 مليونا.
في فرنسا كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أعلن منتصف يوليو (تموز) الفائت فرض اللقاح الإجباري على جميع العاملين في القطاع الصحي اعتباراً من منتصف الشهر الحالي تحت طائلة تجميد الراتب والفصل من الخدمة. وكان سبق ذلك القرار تدبير بفرض شهادة التلقيح أو الاختبار السلبي لارتياد المقاهي والمطاعم والمتاحف ووسائل النقل العام للمسافات الطويلة.
ورغم المجازفة التي كانت تنطوي عليها خطة ماكرون في بلد موصوف بنزعة مواطنيه الشديدة إلى الاحتجاج، نجح الرئيس الفرنسي في رهانه حيث بلغت التغطية اللقاحية في فرنسا حالياً 81 في المائة من السكان البالغين، أي أكثر من إسرائيل وبريطانيا، بعد أن كانت نسبة الرافضين لتناول اللقاح 60 في المائة مطلع العام الجاري. وكانت وزارة الصحة الفرنسية أفادت يوم الجمعة الماضي أن 90 في المائة من أفراد الطواقم الصحية قد تناولوا اللقاح، وأن ثلاثة آلاف فقط تم تجميد رواتبهم بصورة مؤقتة، علماً أن حوالي 2.7 مليون شخص يعملون في هذا القطاع.