الولايات المتحدة تسعى إلى حل الخلاف مع فرنسا

للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الأميركية - الفرنسية، وتحالفهما الطويل الذي يعود إلى عام 1778، تقدم باريس على استدعاء سفيرها لـ«التشاور». ويعكس قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليس فقط مدى «الغضب الفرنسي» مما وصفه بقرار أميركي «وحشي» و«طعنة في الظهر» من أستراليا، بل وبمدى الشك الذي ينمو بشكل متواصل حول «نيات» الولايات المتحدة تجاه علاقتها بأوروبا عموماً وبحلفائها، وبخاصة على مستقبل حلف الناتو نفسه. وعلى الرغم من كل الأوصاف التي نعت بها عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وما نسب إليه من توتير للعلاقة مع أوروبا، فإن العلاقة بين بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي وواشنطن لم تتدهور إلى هذه الدرجة التي أدت إلى استدعاء سفير دولة أوروبية أساسية كفرنسا. وبدا أن تصميم إدارة بايدن على احتواء القوة المتنامية للصين، أبعد من مراعاة الحلفاء الأوروبيين، في الوقت الذي تعد فيه واشنطن أن تنفيذ استراتيجيتها بعيدة المدى في مواجهة بكين، تتطلب تنفيذ صفقة الغواصات النووية، مع حليف في المحيط الهادي مثل أستراليا، بات يتصادم بشكل متزايد مع الصين، ويحتاج دعماً استراتيجياً. وعلى الرغم من ذلك، بدا أن الولايات المتحدة مصممة على التقليل من شأن الخلاف مع فرنسا، وتصوير الصراع على أنه مجرد خلاف آخر بين الأصدقاء.
وقالت إميلي هورن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي: «لقد كنا على اتصال وثيق مع شركائنا الفرنسيين بشأن قرارهم باستدعاء السفير فيليب إتيان إلى باريس لإجراء مشاورات. نحن نتفهم موقفهم وسنواصل المشاركة في الأيام المقبلة لحل خلافاتنا، كما فعلنا في نقاط أخرى على مدار تحالفنا الطويل». غير أن فرنسا تنظر إلى القرار الأميركي على أنه لم يكن هجوماً تم إعداده سراً فحسب، بل ويشير أيضاً إلى تحول استراتيجي أساسي يدعو إلى التشكيك في طبيعة التحالف الأطلسي. وفيما كشف مسؤولون أميركيون أنهم أبلغوا الفرنسيين أولاً عن الصفقة صباح الأربعاء، أي قبل ساعات من إعلان بايدن عنها، أعلنوا أيضاً أن كبار المسؤولين الأميركيين حاولوا، دون جدوى، تحديد موعد اجتماعات مع نظرائهم الفرنسيين قبل تسريب أنباء الصفقة في الصحافة الأسترالية والأميركية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وفي إيجاز مع الصحافيين يوم الجمعة قبل إعلان الحكومة الفرنسية عن سحب سفيرها من واشنطن، قللت ليندا توماس غرينفيلد، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، من أهمية الضرر الذي لحق بالعلاقة بين البلدين. وقالت: «كما قال الرئيس، نتعاون بشكل وثيق مع فرنسا بشأن الأولويات المشتركة في منطقة المحيطين الهندي والهادي وسنواصل القيام بذلك هنا في مجلس الأمن». وأضافت: «هناك خلافات بين الأصدقاء الحميمين، ولكن هذه هي طبيعة الصداقة، لأنكم أصدقاء، يمكن أن تكون لديكم خلافات وتواصلون العمل في مجالات التعاون هذه، ولا نرى تلك التوترات تغير من طبيعة صداقتنا».
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الجمعة، إن بلاده «تأمل» في أن تتمكن من إثارة خلافها مع فرنسا بشأن أزمة الغواصات «الأسبوع المقبل» في الأمم المتحدة. وكتب برايس في تغريدة على «تويتر»: «لقد كنا على اتصال وثيق مع حلفائنا الفرنسيين»، و«نأمل في أن نتمكن من مواصلة نقاشنا حول هذا الموضوع على مستوى عالٍ في الأيام المقبلة، بما في ذلك بالجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك». وأضاف أنه «يتفهم» موقف الفرنسيين، مؤكداً أنه أُحيط علماً بقرار باريس باستدعاء سفيرها لدى الولايات المتحدة «للتشاور». وفي وقت سابق، أعرب البيت الأبيض، عن «أسفه» لاستدعاء باريس سفيرها لدى الولايات المتحدة بسبب أزمة الغواصات، لكنه قال إن واشنطن ستعمل على حل هذا الخلاف الدبلوماسي. وقال مسؤول في البيت الأبيض لوكالة الصحافة الفرنسية، طلب عدم الكشف عن هويته: «نأسف لأنهم اتخذوا هذه الخطوة، وسوف نستمر بالتواصل في الأيام المقبلة لحل الخلافات بيننا، كما فعلنا في مسائل أخرى خلال تحالفنا الطويل». ويرى مراقبون أن واشنطن مصممة بشكل جدي على حل الخلاف مع باريس، وستسعى إلى عقد اجتماعات ثنائية مع الفرنسيين. وفيما يتوقع أن يعقد وزيرا خارجية البلدين، أنتوني بلينكن وجان إيف لودريان، لقاء على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لم يصدر بعد عن البيت الأبيض تأكيدات عن حصول لقاء بين بايدن وماكرون، الذي لم يتأكد بعد حضوره إلى نيويورك. وهو ما يعول عليه الأميركيون لرأب الصدع بين البلدين الحليفين.