«ما بعد الميركلية»... توقعات الأوروبيين من ألمانيا ما بعد الانتخابات

يرى مواطنو الاتحاد الأوروبي أنه كان من الممكن أن يكون هناك المزيد من الصراعات الدولية لو لم تكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في قيادة الاتحاد الأوروبي، وهو رأي سائد بشدة في إسبانيا وهولندا والبرتغال، حسب استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. ويعتقد المجلس أن ميركل تعد مرشحة قوية محتملة لرئاسة الاتحاد الأوروبي في المستقبل، حيث يُنظر إليها على أنها قوة موحدة. ويرى تقرير المجلس الذي جاء بعنوان «ما بعد الميركلية: ما يتوقعه الأوروبيون من ألمانيا ما بعد الانتخابات»، أن الحكومة الألمانية المقبلة سوف تضطر إلى تقديم أفكار واضحة لمكافحة انهيار سيادة القانون داخل الاتحاد الأوروبي. وشمل الاستطلاع 12 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يبلغ عدد سكانها مجتمعة 300 مليون نسمة، وتشكل 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد. كما سيتعين عليها العمل بجد للحفاظ على الثقة التي اكتسبتها ألمانيا خلال عهد ميركل.
وأشار التقرير الذي استند إلى الاستطلاع للرأي الذي أُجري في 12 دولة من دول الاتحاد الأوروبي إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أوشكت ولايتها على الانتهاء تحظى بتقدير كبير، وأنه كان من الممكن أن يكون هناك مزيد من الصراعات في العالم لو لم تكن في منصبها. وتبين أن أكثر من ثلث الأوروبيين يفضلون المزيد من القيادة الألمانية داخل الاتحاد الأوروبي. وقال 36 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يثقون بألمانيا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والمالية، وذكر 35 في المائة أنهم يثقون بألمانيا في الدفاع عن حقوق الإنسان. ومع ذلك، يبدو أن الألمان أنفسهم لديهم تحفظات بشأن دورهم داخل الاتحاد الأوروبي، وأظهر الاستطلاع، كما اقتبست منه الوكالة الألمانية، أنهم متشائمون بشأن مستقبل بلدهم ومكانته في العالم، حيث ذكر 52 في المائة من الألمان أنهم يعتقدون الآن أن «العصر الذهبي» لبلدهم قد ولى. وفي جميع أنحاء أوروبا، تعد مصداقية ألمانيا كقائد جيوسياسي محتمل منخفضة، حيث يعتقد فقط حوالي خُمس المواطنين في الدول التي شملها الاستطلاع أن ألمانيا قادرة على قيادة الاتحاد الأوروبي في علاقاتها مع روسيا. كما ذكر 17 في المائة فقط أنهم يعتقدون أن برلين تستطيع الدفاع عن مصالح الاتحاد الأوروبي عند التعامل مع الصين، في حين أعرب 25 في المائة فقط عن ثقتهم بألمانيا في إدارة علاقات بروكسل مع واشنطن. ولا تزال ميركل نفسها تحظى باحترام كبير رغم دفاعها عن تدابير التقشف في أعقاب الانهيار المالي لعام 2008، ومعالجتها لأزمة اللاجئين عام 2015. وفي سياق متصل أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارة إلى بلغراد أن انضمام دول البلقان الغربية إلى الاتحاد الأوروبي يصب في «المصلحة الجيوستراتيجية المطلقة» للتكتل في مواجهة نفوذ قوى أخرى في هذه المنطقة. وتوجهت ميركل، أمس الثلاثاء، إلى ألبانيا، حيث التقت في العاصمة تيرانا، رئيس الوزراء إيدي راما، وبعد ذلك أيضاً رؤساء حكومات دول غرب البلقان الست، وهي صربيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك وكوسوفو، بالإضافة إلى ألبانيا.
وفي مارس (آذار) 2020، أعطى الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لبدء مفاوضات الانضمام مع كل من مقدونيا الشمالية وألبانيا، لكن هذه المفاوضات لم تبدأ بعد. أما البوسنة وكوسوفو فلا تتمتعان بعد بوضع المرشح لعضوية الاتحاد. وأقرت ميركل بأنه لا يزال أمام هذه الدول «طريق طويل لتقطعه» كي تنضم يوماً ما إلى الاتحاد الأوروبي. لكنها دعت إلى مزيد من التقدم نحو بناء سوق اقتصادية مشتركة في البلقان، وهي عملية بدأتها صربيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية. وتستعد سلوفينيا التي تتولى حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لعقد قمة في أكتوبر (تشرين الأول) مع دول المنطقة بهدف إعادة إطلاق عملية توسيع الاتحاد.
وكانت ميركل أجرت مساء أمس الاثنين محادثات مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وممثلي المجتمع المدني في بلغراد.
وحسب بيانات الحكومة الألمانية، تركز الجولة على قضايا التعاون الإقليمي. وبهذا تختتم ميركل في ألبانيا رحلة بدأتها الاثنين في صربيا، وهي إحدى آخر جولاتها الخارجية قبل أن تتنحى من منصبها في أعقاب الانتخابات المقررة في 26 سبتمبر (أيلول) الحالي. وقالت المستشارة الألمانية إثر لقائها في بلغراد الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش، «نحن الأوروبيين، الأعضاء أساساً في الاتحاد الأوروبي، يجب أن نأخذ في اعتبارنا دائماً أن هناك مصلحة جيوستراتيجية مطلقة بالنسبة لنا بأن نقبل بالفعل هذه الدول في الاتحاد الأوروبي». وأضافت: «بوسعنا أن نرى (...) أن هناك انتكاسات، وأن هناك أيضاً نفوذاً لمناطق عديدة أخرى في العالم» على البلقان. وتابعت: «يجب أن نتذكر دوماً الأهمية الجيوستراتيجية لتقارب هذه الدول مع الاتحاد الأوروبي».
وإذا كانت البلقان تاريخياً مسرح صراع على النفوذ بين الغرب وروسيا، فإن تأثير الصين على هذه المنطقة يتبدى أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. ويرد بعض المحللين هذه المنافسة المحتدمة على النفوذ في البلقان إلى التردد الأوروبي.