روسيا تستعد للانتخابات العامة بتحذير الغرب من «التدخل»

استكملت روسيا استعداداتها لتنظيم الانتخابات العامة في البلاد نهاية الأسبوع، وسط ارتفاع لهجة التحذيرات من محاولات غربية لـ«التأثير على مسار الاستحقاق الانتخابي». ويتوجه ملايين الروس إلى مراكز الاقتراع في الفترة بين الجمعة والأحد للإدلاء بأصواتهم في عملية انتخابية موحدة، تشمل اختيار 450 نائبا في مجلس الدوما (النواب) وأعضاء المجالس المحلية والبلدية في الأقاليم والمدن، فضلا عن اختيار عدد من حكام المقاطعات.
ويتنافس 14 حزبا للفوز بمقاعد البرلمان والمجالس البلدية، أبرزها الأحزاب الأربعة التقليدية الكبرى التي حافظت على وجودها في البرلمان خلال العقدين الماضيين، وهي الحزب الحاكم «روسيا الموحدة» و«الشيوعي الروسي» و«الديمقراطي الليبرالي» و«روسيا العادلة» الذي وسع صفوفه أخيرا بتحالف لبعض قوى اليسار الديمقراطي، وأضاف إلى تسميته عبارة «الوطنيون من أجل العدالة».
وأشارت استطلاعات رأي حديثة إلى عدم توقع مفاجآت أو اختراقات كبرى، لجهة أن الأحزاب الرئيسية سوف تحافظ على وجودها في البرلمان المقبل بنسب لا تختلف كثيرا عن النسب التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة. واللافت هنا أن مؤشرات كانت برزت خلال الشهور الماضية دلت إلى تراجع ملموس لمواقع الحزب الحاكم، لكن الاستطلاعات الحديثة أكدت أنه سيحافظ على هيمنته في البرلمان المقبل بواقع 45 في المائة من الأصوات، يليه الحزب الشيوعي بنحو 20 في المائة، ثم «الليبرالي الديمقراطي» بأصوات نحو 12 في المائة، ويأتي «روسيا العادلة» أخيرا بواقع 8 في المائة. وقد يكون الجديد الوحيد على صعيد المشهد الحزبي المهيمن في البلاد، هو ظهور حزب «الشعب الجديد» الذي يعد الوحيد بين الأحزاب الجديدة والصغيرة الذي يمتلك وفقا للاستطلاعات فرصة لتجاوز نسبة الحسم للتمثيل في البرلمان بواقع خمسة في المائة.
وينتظر وفقا لهذه النتائج المتوقعة أن يحافظ الحزب الحاكم على هيمنة مطلقة في البرلمان الجديد كونه يكسب أصواتا إضافية من رصيد الأحزاب الصغيرة التي لم تنجح، فضلا عن حصوله على أصوات واسعة في الدوائر الفردية. وشهدت الأسابيع الأخيرة، تطورا مهما على صعيد التوقعات حول نسب الإقبال على الصناديق، وبعدما سيطرت مخاوف من عزوف الناخبين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، بدا أن السلطات الروسية ضمنت إقبال ما يقارب من نصف الناخبين في البلاد. وأشارت استطلاعات إلى أن هذه النسبة سوف ترتفع لتصل إلى ما يزيد على 60 في المائة بفضل مد فترة التصويت إلى ثلاثة أيام للمرة الأولى في روسيا.

وتزامن استكمال الاستعدادات للعملية الانتخابية مع تصعيد موسكو لهجتها ضد أطراف المعارضة «غير النظامية» وفقا لوصف الأوساط الإعلامية الروسية، والمقصود قوى المعارضة اليمينية الليبرالية التي حرمت عددا من أحزابها من المشاركة أصلا في العملية الانتخابية وتم التضييق على نشاطات جزء منها كونها دعمت المعارض الروسي أليكسي نافالني الذي يقضي مدة حكم بالسجن. ورغم القوانين المتعددة التي تم سنها أخيرا لمواجهة أي محاولات للتحريض أو التشكيك بالعملية الانتخابية، لكن السلطات أشارت أخيرا إلى سعي المعارضة للترويج لتقنية «التصويت الذكي» التي أطلقها أنصار نافالني، وتقوم الفكرة على توجيه الناخبين للتصويت لأكثر المرشحين حظا في كل الدوائر مهما كان توجههم الحزبي، بهدف تقليص فرص مرشحي الحزب الحاكم. ولاقت الفكرة إقبالا من أنصار المعارضة برغم القيود القانونية الكثيرة التي فرضتها السلطات على مستخدمي تطبيقات «التصويت الذكي» على الإنترنت. وحملت الخارجية الروسية بقوة أمس على الولايات المتحدة، واتهمتها بدعم الشركات والمؤسسات التي قامت تنشيط تداول تطبيقات «التصويت الذكي» على الأجهزة المحمولة وشبكة الإنترنت. واستدعت الخارجية الروسية السبت، السفير الأميركي لدى موسكو جون ساليفان وسلمته مذكرة احتجاج بسبب قيام السفارة الأميركية بدعم نشاط أنصار المعارضة. وأوضحت أمس، الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا أن «الشركات التي قامت بدور في وضع ونشر تطبيق التصويت الذكي على علاقة بالبنتاغون». وزادت أن استدعاء السفير إلى وزارة الخارجية الروسية جرى بسبب الدعم المعلن لواشنطن لنشاط المعارضة ما يعد مقدمة للتدخل في الانتخابات ومحاولة التشويش على نتائجها. وأشارت زاخاروفا إلى أن «جميع الشركات الضالعة في وضع هذا المشروع مرتبطة بشكل أو بآخر بوزارة الدفاع الأميركية، كما أن معظم عناوين بروتوكولات الإنترنت والخوادم التي تدعم تطبيق التصويت الذكي على الهواتف النقالة توجد في الولايات المتحدة». وكانت الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام «روس كوم نادزور» أفادت سابقا بأنه تم حجب الوصول إلى مواقع مرتبطة ببرامج «التصويت الذكي» بسبب دعمها أنشطة «صندوق مكافحة الفساد» الذي أسسه نافالني، والمحظور في روسيا بموجب قرار قضائي، بعد تصنيفه كـ«منظمة متطرفة» و«عميل أجنبي».
في غضون ذلك، أعلن الكرملين أمس، أن الرئيس فلاديمير بوتين سوف يترأس اليوم اجتماعا لأعضاء حزب «روسيا الموحدة» الحاكم، لمناقشة مسار التحضيرات للعملية الانتخابية، وكان بوتين دخل بثقله بقوة لدعم الحزب وحضر عددا من اجتماعاته التي رافقت انطلاق عمليات الدعاية الانتخابية. وأعلن بوتين أمس، في اجتماع مع أعضاء الفريق البار أولمبي الروسي في الكرملين أنه لا يستبعد احتمال دخوله في الحجر الصحي بسبب فيروس «كورونا» المستجد. وقال: «نحن للأسف أيضا معرضون لذلك الآن». موضحا أن «الأطباء يدرسون الوضع... حتى في الوسط المحيط بي تظهر مشاكل مع هذا الفيروس. نحتاج إلى معرفة ما يحدث بالفعل هناك. أعتقد أنني سأضطر قريبا للدخول إلى الحجر الصحي. حولي هناك الكثير من الناس المصابين بالمرض». ومباشرة بعد هذا التصريح، سعى الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف إلى التخفيف من وقعه، إذ قال إن «الرئيس يتحدث عن الحجر الصحي بشكل مجازي». وهدف توضيح الكرملين إلى مواجهة تكهنات ظهرت في وسائل الإعلام الإلكتروني حول الوضع الصحي للرئيس، كما أن تصريح بوتين كان يمكن أن له تأثيرات على التحضيرات الجارية لعقد قمة منظمة «شانغهاي» التي تنطلق أعمالها الخميس.
إلى ذلك، شارك بوتين، أمس، في الإشراف على جزء من التدريبات العسكرية الاستراتيجية التي تجريها روسيا حاليا مع جارتها بيلاروسيا. وتعد المناورات التي تحمل عنوان «غرب 2021» أضخم تدريبات مشتركة بين البلدين وهي تهدف وفقا لوزارتي الدفاع في البلدين إلى رفع القدرات القتالية والجاهزية العسكرية لجيشي روسيا وبيلاروسيا في مواجهة التهديدات المعاصرة.
ولا يخفي العسكريون الروس أن الهدف الأساسي للمناورات هو الرد على التحركات العسكرية لحلف الأطلسي قرب الحدود مع بيلاروسيا. وفي هذا الإطار أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس، أن «التدريبات الاستراتيجية المشتركة لقيت اهتماماً كبيراً بين الملحقين العسكريين الأجانب ومن بينهم ملحقون عسكريون من بلدان رابطة الدول المستقلة وأفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى.
وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو إن «المنطقة الآسيوية ممثلة على نطاق واسع وهناك حضور أوروبي واسع لمراقبين من النمسا وصربيا وفنلندا وسويسرا والسويد».