جوهر كرة القدم في خطر... المال يحكم والفجوة زادت وميسي ولوكاكو وغريليش خير دليل

تعاقد تشيلسي مع المهاجم البلجيكي روميلو لوكاكو مقابل 97.5 مليون جنيه إسترليني. وكان لوكاكو قد لعب في صفوف تشيلسي من قبل، لكن حامل لقب دوري أبطال أوروبا باعه منذ سبع سنوات، والآن عاد ليتعاقد معه من جديد مقابل أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي باعه به! ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستغني فيها النادي عن لاعب مميز، حيث سبق له أن تخلى عن خدمات كيفين دي بروين ومحمد صلاح، وغيرهما. استطاع النادي أن يتغلب على تداعيات هذا الإهمال الجسيم في التخلي عن النجوم، لا لشيء إلا لأنه مملوك لملياردير روسي اسمه رومان أبراموفيتش!
ومع انطلاق الدوري الإنجليزي الممتاز، كان من الممكن أن تكون صفقة انتقال لوكاكو للبلوز هي الصفقة الأبرز والأهم والأغلى خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية، بل وخلال أي موسم آخر. لكن هذا العام، تم تجاوز هذه الصفقة مرتين وليس مرة واحدة، ومن الممكن تجاوزها للمرة الثالثة قريباً. أولاً، دفع مانشستر سيتي 100 مليون جنيه إسترليني في صفقة قياسية في الدوري الإنجليزي الممتاز للتعاقد مع نجم خط وسط أستون فيلا، جاك غريليش. وقد يحطم مانشستر سيتي نفسه هذا الرقم القياسي مرة أخرى قبل نهاية الشهر الجاري إذا تمكن من الحصول على خدمات هاري كين من توتنهام، الذي يُطالب بمبلغ مذهل قدره 160 مليون جنيه إسترليني لبيع قائد المنتخب الإنجليزي.
لكن كانت هناك صفقة أخرى طغت على كل الصفقات والانتقالات وهي صفقة انضمام النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي - الذي يرى كثيرون أنه أفضل من لمس كرة القدم على الإطلاق - إلى باريس سان جيرمان من برشلونة. وكان ميسي يلعب لبرشلونة منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره، لكن علاقته بالنادي انهارت خلال السنوات الأخيرة. ووافق ميسي على تخفيض راتبه بنسبة 50 في المائة حتى يكون قادراً على الاستمرار في «كامب نو»، لكنه اكتشف أن الأمور المالية لبرشلونة قد أديرت بشكل سيئ لدرجة أنه من المستحيل أن يستمر مع النادي الكاتالوني. لقد خسر برشلونة 487 مليون يورو (414 مليون جنيه إسترليني) الموسم الماضي، ووصل إجمالي ديونه إلى 1.173 مليار يورو.
لذا، انقض باريس سان جيرمان سريعاً للتعاقد مع ميسي وإضافته إلى خط هجوم ناري يضم بالفعل أغلى لاعبين في العالم، وهما نيمار وكيليان مبابي، الذي تعاقد معهما النادي الباريسي مقابل 198 مليون جنيه إسترليني و163 مليون جنيه إسترليني على التوالي. وتجب الإشارة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بتمويل كرة القدم، لا يمكن حتى لرجال الأعمال الروس الأثرياء الدخول في منافسة مع مالكي ماشستر سيتي وباريس سان جيرمان.
وفي خضم كل هذا، من السهل أن ننسى أنه لم يمضِ سوى أربعة أشهر فقط على الإعلان عن دوري السوبر الأوروبي، ثم إلغائه بشكل مهين بعد غضب عارم من عشاق كرة القدم، وأن كل هذا قد حدث في غضون 48 ساعة فقط. لقد كانت بطولة دوري السوبر الأوروبي عبارة عن محاولة من قبل أغنى الأندية في أوروبا لجعل نفسها أكثر ثراءً من خلال إقامة دوري تشارك فيه باستمرار ولا يمكنها الغياب عنه لأي سبب، وهو مخطط لا يهدف لإمتاع الجماهير، لكنه يهدف إلى ضمان تدفق ثابت وغير منقطع للأموال التي تذهب لمالكي هذه الأندية.
إن تعاقد باريس سان جيرمان مع ميسي يُظهر السبب وراء رغبة بعض الأندية مثل برشلونة في إقامة دوري السوبر الأوروبي. قد يكون برشلونة أحد الأندية الأوروبية العملاقة، لكنه ليس مدعوماً بثروة سيادية. إن قيام برشلونة بإنفاق كثير من الأموال رغم أنه مديون يعد أحد الأسباب التي جعلته يفقد جهود أعظم لاعب في تاريخه على الإطلاق. وما ينطبق على برشلونة ينطبق أيضاً، وإن كان بشكل أقل حدة ودراماتيكية، على معظم أندية الدوريات الأخرى في جميع أنحاء أوروبا. لقد حرم وباء كورونا وغياب الجماهير عن الملاعب خلال العام الماضي الأندية من تدفقات مالية هائلة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفجوة بين الأندية الكبرى والأندية التي لا تواجه أي مشاكل مالية على الإطلاق لأنها مملوكة لجهات تتمتع بثراء. لقد كانت بطولة دوري السوبر الأوروبي أمراً مروعاً، لأنها كانت تهدف في المقام الأول والأخير إلى جني الأموال ولا تعطي أي أهمية للتاريخ أو للتنافس في عالم كرة القدم.
لكن ما مدى أهمية كل ذلك؟ قبل أي شيء، إننا نتحدث عن أمور رياضية، وعندما نتحدث عن «عدم المساواة»، فإننا نتحدث عن عدم التناسب بين الأندية واللاعبين والملاك الذين أصبحوا بالفعل أثرياء بشكل صادم. ففي كل شهر، سيحصل ميسي على أكثر من ضعف ما يكسبه العامل البريطاني العادي طوال حياته! وكما قال المدير الفني الألماني لنادي ليفربول، يورغن كلوب، فإن كرة القدم قد تكون «أهم الأشياء في أقل الأشياء أهمية»، لكن كما رأينا خلال العام الماضي، بدءاً من بطولة كأس الأمم الأوروبية وصولاً إلى الأولمبياد، فإن الرياضة، حتى من دون جمهور في المدرجات، يمكن أن تجلب لنا الفرح والأمل، لأنها تجري في عروق ودماء الملايين.
إن ما يمنح كرة القدم روحها ومتعتها وإثارتها هو أن كل مباراة وكل مشجع هو جزء من قصة أكبر وجزء من ذاكرة جماعية. وغالباً ما يكون كثير من أندية الدوريات الأدنى، بدءاً من بارنسلي وصولاً إلى سويندون، عبارة عن مؤسسات اجتماعية مهمة في مدنها، وهو ما يخلق شعوراً بالفخر المحلي ونوعاً من الأمل المتبادل. ومع تفكك المشروعات والهويات السياسية والاجتماعية الأوسع نطاقاً خلال السنوات الأخيرة، أصبح الشعور بالتضامن الذي توفره المؤسسات مثل أندية كرة القدم أكثر أهمية.
وكما ظهر خلال العام الماضي، يمكن للرياضة أن تكون منبراً لإجراء النقاشات الاجتماعية بشأن كثير من القضايا مثل العنصرية والهوية الوطنية. في الحقيقة، كان لنجم مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد تأثير على سياسة الحكومة أكبر من تأثير رئيس حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، وهو الأمر الذي قد يخبرنا بشيء عن حال حزب العمال اليوم، كما يعكس أيضاً مكانة كرة القدم ولاعبي كرة القدم في الحياة الآن.
إن القضية الحقيقية التي تواجه كرة القدم لا تتمثل فقط في الفجوة بين الأندية الكبرى وبقية عالم كرة القدم، لكنها تتمثل أيضاً في أن كرة القدم نفسها - المهارة والجمال والإثارة - أصبحت خاضعة للعلامات التجارية الكبرى، نظراً لأن اللعبة نفسها قد أصبحت تجارية بشكل أكبر. وبالنسبة لباريس سان جيرمان، فإن الشيء المهم في ميسي لا يتمثل في موهبته الخارقة، لكنه يتمثل في الإضافة التي سيقدمها لمكانة النادي الباريسي والقمصان التي ستباع والصفقات التلفزيونية التي سيعقدها.
ومع ذلك، هناك معضلة كبرى في كل هذا أيضاً، فعلى الرغم من كرهنا لجشع الملاك وتحويل اللعبة إلى سلعة مثل السيارات أو أجهزة الكمبيوتر، واستغلال الأندية كأدوات للهيبة والجغرافيا السياسية، فإن قلة من المشجعين يريدون عودة كرة القدم إلى ما كانت عليه في الثمانينات من القرن الماضي. لقد ساعدت الأموال في أن تكون اللعبة أكثر عالمية، وساعدت في تحسين المعايير والسماح ببناء ملاعب جديدة. والآن، إنه لشيء رائع أن تشاهد لاعبين مثل محمد صلاح وكيفين دي بروين يدربهم مديرون فنيون مثل كلوب وجوسيب غوارديولا، الذين ساعدوا في تغيير اللعبة على جميع المستويات. وكما الحال مع الكثير في ثقافتنا الاستهلاكية، فقد فتحت السوق آفاقاً جديدة في عالم كرة القدم، لكنها أفسدتها في الوقت نفسه!