هل هو الانقراض الجماعي السادس؟

شمل تغيير استخدامات الأراضي بفعل النشاط البشري نحو ثلاثة أرباع سطح اليابسة، ما أدى إلى تقييد الحياة البرية ضمن مساحة ضيقة للغاية. وتسبب تدمير الموائل وتغيُّر المناخ والصيد غير الشرعي وتسلل الأنواع الغازية في دفع نحو مليون نوع من الحيوانات والنباتات إلى حافة الانقراض، حتى إن العلماء أخذوا يصفون ما يجري على أنه في سياق انقراض جماعي عالمي سادس. وهو يتميّز عن الانقراضات السابقة في أنه ناجم عن نشاطات بشربة يمكن التحكم بها، بينما كانت عوامل الطبيعة وراء أحداث كبرى كهذه في التاريخ السحيق للأرض.
- ربع الأنواع الحية مهددة بالانقراض
يشير تقرير «الكوكب الحي»، الذي صدر عن «الصندوق العالمي للطبيعة»، إلى انخفاض عدد الحيوانات البرية حول العالم بأكثر من الثلثين في أقل من 50 سنة. ويصف التقرير الحياة البرية بأنها «في حالة من (السقوط الحر)» نتيجة الضرر الذي ألحقه البشر بالموائل الطبيعية للأنواع الحية.
ومنذ سنة 2000، خسرت النُظم الإيكولوجية البرية نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع من موائلها الطبيعية، أي ما يزيد على 180 مرة مساحة بلد مثل لبنان. وفي البحر، وجد تقييم أممي أن 3 في المائة فقط من مساحة محيطات العالم لم تتعرض بعد للضغط البشري. وفي المحصّلة، فإن نوعاً واحداً من كل أربعة أنواع حيّة على كوكب الأرض أصبح مهدداً، ويواجه خطر الانقراض خلال عقود.
ويعدّ التنوع الحيوي أمراً بالغ الأهمية للتنمية ورفاهية الإنسان، إذ يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي نحو 44 تريليون دولار أميركي، على موارد الطبيعة. وترتبط معيشة 70 في المائة من فقراء العالم بما ينتجه الكوكب الحي، سواء كان ذلك عبر الزراعة أو من خلال صيد الأسماك وجمع منتجات الغابات وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.
وتتحول هذه الأنشطة إلى صيد جائر وتجارة غير شرعية بالأنواع المهددة بالانقراض في المناطق الهشة، حيث تكون التعديات على الموائل الطبيعية خارج سلطة القانون. في سوريا، تسببت الحرب في إبادة قطعان غزال الرمل والمها العربية وتراجع أعداد الذئاب الرمادية والضباع المخططة والثعالب، كما شمل الضرر التحطيب الجائر لأنواع الأشجار المحمية. وفي العراق، يمثل الاتجار غير المشروع بالطيور المهاجرة، مثل الفلامنغو، شريان حياة لكثير من العائلات الفقيرة بمنطقة الأهوار.
ويتأثر الأمن الغذائي العالمي بفقدان التنوع البيولوجي والتصحر والصدمات الناجمة عن تغيُّر المناخ، حيث يعاني 821 مليون شخص من نقص حاد في الغذاء، ويواجه مليارا شخص سوء التغذية. وفيما تعتمد ثلاثة أرباع محاصيل العالم على الحشرات من أجل تلقيح الأزهار، فإن أعداد هذه الحشرات، التي تشكّل أساس الأمن الغذائي العالمي، تنهار بسرعة.
ولمواجهة هذه التحديات المزدادة، أعلنت أمانة «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي» مؤخراً عن إطار عمل لتوجيه الإجراءات من أجل الحفاظ على الطبيعة وحماية خدماتها الأساسية التي تقدمها للناس في جميع أنحاء العالم. وتتضمن الخطة الجديدة 21 هدفاً لعام 2030، تدعو، من بين أمور أخرى، إلى الحفاظ على ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية والبحرية العالمية من خلال أنظمة محمية بفاعلية، ومُدارة على نحو منصف، وممثلة إيكولوجياً، ومتواصلة فيما بينها.
ويوجد حالياً 22 مليون كيلومتر مربع (16.6 في المائة) من النُظم البيئية للأراضي والمياه الداخلية، و28.1 مليون كيلومتر مربع (7.7 في المائة) من المياه الساحلية والمحيطات، ضمن المناطق الموثّقة المحمية والمحافظ عليها. وهي مساحات تزيد بمقدار 21 مليون كيلومتر مربع على مساحات المناطق المحمية في سنة 2010.
ورغم التقدم الحاصل، يعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن العالم فشل في الوفاء بالالتزامات المتعلقة بجودة هذه المناطق المحمية، ذلك أن ثلث مناطق التنوع الحيوي الرئيسية على الأرض أو المياه الداخلية أو المحيط ليست محمية على الإطلاق. كما أن أقل من 8 في المائة من الأراضي المحمية متصلة تتيح للأنواع الحية التحرك بشكل طبيعي وتسهم في صون العمليات البيئية.
وتقترح خطة «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي» خفض معدلات إدخال الأنواع الغريبة الغازية إلى النصف، ووضع ضوابط لانتقال وتفشي هذه الأنواع للقضاء على آثارها أو التقليل منها. وتهدف الخطة أيضاً إلى إنقاص المغذيات، بما فيها الأسمدة، التي تتسرب إلى البيئة بمقدار النصف على الأقل، وإقلال استهلاك مبيدات الآفات بنسبة الثلثين على الأقل، وحل مشكلة النفايات البلاستيكية.
كما تدعو الخطة إلى إعادة توجيه الحوافز الاقتصادية الضارة بالتنوع الحيوي بطريقة عادلة ومنصفة، بحيث يتم إنقاصها على الأقل بمقدار 500 مليار دولار سنوياً، على أن تُلحظ زيادة في التدفقات المالية الدولية من جميع المصادر إلى البلدان النامية بنحو 200 مليار دولار سنوياً. وتدعم الخطة أيضاً تعزيز المساهمات التي تعتمد على الطبيعة في جهود التخفيف من آثار تغيُّر المناخ العالمي لتجنّب مخاطره على التنوع الحيوي.
- الحفاظ على المناخ والأحياء معاً
تلعب النُظم البيئية دوراً مهماً في تخفيف وطأة التغيُّر المناخي عبر التقاط وتخزين غازات الدفيئة. ويمكن للنُظم البيئية السليمة والمعافاة أن تسهم بنحو 37 في المائة من التخفيف المطلوب للحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية. وفي المقابل، يؤدي تلف النُظم البيئية، كأراضي الخثّ التي تحتوي كميات كبيرة من المواد العضوية وأشجار المنغروف الشاطئية والغابات المطيرة الاستوائية، إلى إطلاق الكربون بدلاً من تخزينه.
وكان تقرير جديد صدر عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ» و«المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية»، خلُص إلى أن تغيُّر المناخ العالمي والخسارة غير المسبوقة في الأنواع الحية ناتجان عن مجموعة متماثلة من الأسباب التي يحركها النشاط البشري، ولذلك فإن الحلول التي تأخذ كلتا القضيتين بالاعتبار لديها فرصة أفضل للنجاح.
ويورد التقرير أنه رغم اتفاقية باريس 2015 لإبقاء درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل النهضة الصناعية، وأهداف «أيشي» 2010 التي وضعت لحماية الأنواع النباتية والحيوانية المهددة عالمياً، فإن انبعاثات الكربون تتصاعد حتى اليوم بمعدلات تنذر بالخطر، بينما وصلت خسارة التنوع الحيوي إلى حالة مؤسفة مع اقتراب مليون نوع حي من الانقراض. و«أيشي» هي المدينة اليابانية التي استضافت مؤتمراً دولياً عام 2010 تمخض عن استراتيجية عالمية للحفاظ على التنوع الحيوي تتضمن 12 هدفاً.
وفيما يُنظر إلى الحلول القائمة على الطبيعة على أنها وسيلة مهمة لإخراج الكربون من الغلاف الجوي وتوفير موائل مهمة للأنواع الحية المهددة بالانقراض، فإن بعض الحلول التي يجري تسويقها لا تحقق المطلوب. فعلى سبيل المثال، ربما تساعد زراعة نوع واحد من الأشجار في غير موطنه على إنقاص الكربون في الغلاف الجوي، ولكن هذه الممارسة لن تكون ذات أثر معتبر في مساعدة الأنواع المهددة، وقد تمثل عائقاً أمام حمايتها.
خلال السنوات العشر الماضية، أحرز المجتمع الدولي تقدماً في تحقيق عدد من أهداف «أيشي»، بما في ذلك تحسين القدرات العالمية على تقييم اتجاهات التنوع الحيوي، ومضاعفة تمويل حماية الأنواع إلى نحو 90 مليار دولار سنوياً. ويوجد الآن بروتوكول دولي يحكم التقاسم العادل للموارد الجينية المكتشفة في الطبيعة، بحيث يصعب على شركات البلدان الغنية نهبها، ما يعطي البلدان النامية حوافز إضافية لحماية تنوعها الحيوي.
ولكن ما تحقق حتى الآن يصنّف ضمن «المكاسب السهلة»، فيما لا تزال التحديات الأصعب قائمة وتتطلب وقف الأنشطة التي هي أصل فقدان التنوع الحيوي. العالم بحاجة إلى تنظيم أفضل للمواد الكيميائية الخطرة التي تلوث البيئة، وهناك ضرورة لوضع سياسات حازمة تمنع تدمير الغابات المطيرة لصالح إنتاج زيت النخيل وفول الصويا. والأهم من ذلك كله، لا بد من اتخاذ إجراء جذري بشأن تغيُّر المناخ، الذي قد يصبح السبب الأول لفقدان التنوع الحيوي في السنوات المقبلة.
هذه التغييرات المنهجية تتطلب إجراءات فاعلة من الحكومات والصناعات، وكذلك من المواطنين والمستهلكين. وإذا فشل قادة العالم في ضمان استدامة الأسواق لحماية التنوع الحيوي، فإن الخيارات الفردية حول ما يمكن شراؤه وما يجب تفاديه قد تساعد في تحديد ما إذا كانت الأنواع الحية ستزدهر في جميع أنحاء العالم أو تشهد مصيراً مشؤوماً.