دانيال ليفي القاسم المشترك في مهزلة توتنهام التي لا نهاية لها

كان مسؤولو توتنهام تواصلوا مع المدير الفني الإيطالي أنطونيو كونتي لتولي قيادة الفريق. وأعتقد أنه لو كان كونتي وافق على هذا العرض، فإنه كان سيحقق نجاحا كبيرا في بداية مسيرته مع السبيرز، وكان سينافس على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز لبعض الوقت، ثم سينهار الفريق بشكل حتمي ويرحل كونتي عن النادي تاركا بعض الذكريات الحلوة والمرة، وفريقا يضم ظهراء للجنب تبلغ أعمارهم 29 عاما ولا يستطيعون القيام بواجباتهم الهجومية! لكن الحقيقة أن كونتي لم يوافق من الأساس على تولي القيادة الفنية للسبيرز، وأرى أن ما حدث كان مجرد تقارير إخبارية لا أساس لها من الصحة، فهل يُعقل أن نصدق مثلا أحد التقارير التي تشير إلى أن توتنهام رفض كونتي أحد أفضل المديرين الفنيين في العالم في الوقت الحالي؛ لأنه لن يهتم بتطوير لاعب شاب مثل أوليفر سكيب؟
من المؤكد أن مثل هذه التقارير لم تنل من سمعة ومكانة كونتي، الذي أثبت أنه مدير فني قدير وقادر على الفوز بالبطولات والألقاب، وبالتالي سيظل خيارا مطروحا أمام أي ناد إنجليزي عملاق يعاني من عدم القدرة على الفوز بالبطولات رغم أنه يملك ميزانية مالية ضخمة! ويمكن القول إن كونتي قد أمضى الأسابيع الأخيرة، وهو يحاول أن يذكر العالم بأنه لن يقبل بقيادة أي ناد ما لم يلب مطالبه الضخمة من أجل تحقيق نجاح فوري، ويذكر الجميع أنه لا يزال أحد أفضل المديرين الفنيين في العالم.
لكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام حقاً يتعلق بما يحدث لتوتنهام في الوقت الحالي. فبعد شهرين تقريباً من إقالة المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو، ما زال رئيس النادي، دانيال ليفي، يبحث عن بديل له. لكن الخيار المفضل لليفي، وهو جوليان ناغيلسمان، قد انتقل إلى بايرن ميونيخ، في حين تولى المدير الفني السابق للعملاق البافاري، هانسي فليك، القيادة الفنية لمنتخب ألمانيا. ويبدو أن بريندان رودجرز سعيد جدا بالعمل في ليستر سيتي في الوقت الحالي. ويبدو أن محاولات ليفي لإعادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو لم تسفر عن شيء حتى الآن وقد لا تسفر على الإطلاق. ووسط كل ذلك، وعلى ما يبدو بشكل عشوائي، قام توتنهام بتعيين فابيو باراتشي - مدير الكرة السابق ليوفنتوس - كمدير لكرة القدم.
والآن رفض كونتي أيضاً قيادة توتنهام، وبالتالي فإن أي مدير فني جديد سيعرف أنه في أحسن الأحوال كان الخيار الخامس لدى ليفي لتولي قيادة توتنهام. والأهم من ذلك، أن التزام ليفي المعلن بتقديم «كرة قدم هجومية سلسة» والاعتماد على الشباب لا يستمر إلا خلال الفترة التي يحاول فيها ليفي التعاقد مع مدير فني جديد، لكن سرعان ما يختفي هذا الالتزام بعد ذلك.
ومن نواحٍ عديدة، كان هذا هو التوتر الذي يميز توتنهام خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح هذا النادي عالقا بين العمليات طويلة المدى والهواجس قصيرة المدى، بشكل يوضح أن هذا النادي ليس لديه أدنى فكرة عن الهدف الذي يسعى لتحقيقه! ويعد ليفي هو القاسم المشترك هنا في كل هذه المشاكل الإدارية والتعاقدات الانتقائية مع المديرين الفنيين على مدار عقدين من الزمان. لقد جاء التعاقد مع مورينيو البراغماتي كرد فعل على المثالية الشاملة لبوكيتينو، الذي تم التعاقد معه هو الآخر كرد فعل على الصراحة البريطانية لتيم شيروود، الذي تم التعاقد معه كرد فعل على التفكير الدقيق لأندريه فيلاش بواش، الذي كان رد فعل على الحكمة المحلية لهاري ريدناب، والذي كان رد فعل على التكنوقراطية القارية لخواندي راموس، وهكذا.
وحتى المهزلة الحالية قد سبقتها مهزلة مماثلة في موسم 2003 - 2004 عندما انتهى «البحث الشامل» الموعود عن بديل غلين هودل - من خلال طرح أسماء مديرين فنيين كبار مثل فيسنتي ديل بوسكي وكلاوس توبمولر ومارتن أونيل - باستمرار المدير الفني المؤقت، ديفيد بليت، في القيادة الفنية للفريق لمدة تسعة أشهر أخرى. من الواضح أن ليفي موهوب في مجال التجارة. ومع ذلك، ففي أي عمل عادي سيكون هناك نوع من الحسابات للأخطاء المتواصلة التي حدثت في عهده والعواقب التي يجب مواجهتها. وحتى إد وودوارد، الذي تعرض لسوء المعاملة في مانشستر يونايتد، كان يجب عليه أن يواجه المساهمين كل بضعة أشهر. وعلى النقيض من ذلك، يدير ليفي دائرة صغيرة من الأشخاص الموالين له، في ظل غياب مالك النادي، جو لويس، عن المشهد. وفي ظل تجاهل جمهور النادي إلى حد كبير، يتمتع ليفي بسلطة مطلقة تمكنه من مواصلة العبث دون تحمل مسؤولية ما يحدث.
ولعل السؤال الذي يطرحه الكثيرون الآن هو: كيف يتم اتخاذ القرارات الكروية الرئيسية في تاسع أغنى ناد في العالم من قبل رجل - مع كل الاحترام له - لا يبدو أنه يعرف الكثير عن كرة القدم؟ ويتضح هذا كثيراً خلال الفيلم الوثائقي الذي أعدته شركة «أمازون» عن نادي توتنهام، والذي يحاول فيه ليفي جاهدا أن يقدم نفسه على أنه شخص متفوق في مجال كرة القدم. وهكذا يستمر البحث عن مدير فني جديد لتوتنهام: بقيادة ليفي، وبمساعدة باراتشي أو ربما ستيف هيتشن، رئيس لجنة التعاقدات الذي تم تقليص منصبه داخل النادي مع وصول باراتشي. في هذه الأثناء، يسعى النجم الأبرز للفريق، هاري كين، للرحيل عن النادي، وسيكمل النجم الكوري الجنوبي، سون هيونغ مين، عامه التاسع والعشرين دون أن يحصل على أي بطولة، ولا يزال إيريك لاميلا يحصل على أجره الأسبوعي المرتفع، وخسر فريق توتنهام تحت 23 عاماً أمام مانشستر سيتي بستة أهداف مقابل هدف وحيد الشهر الماضي!
من المؤكد أن كل هذا هو المحصلة الحتمية لربط مصير ناديك برجل واحد يتسم بالغرور. إن محاولة توتنهام للانضمام إلى بطولة دوري السوبر الأوروبي المحكوم عليها بالفشل، والرغبة في التعاقد مع أنطونيو كونتي، هي محاولة أخيرة من جانب النادي للاستفادة من كل ما تبقى من مكانته كناد كبير. من المؤكد أن تفشي فيروس كورونا كان له تداعيات مالية وخيمة على كل الأندية، لكن الأمور قد تكون أسوأ بالنسبة لنادي توتنهام الذي ما زال يتعين عليه دفع المزيد من الأموال لملعبه الجديد. وسواء كان مدرب إياكس إريك تن هاغ أو مدرب برايتون غراهام بوتر أو روبرتو مارتينيز مدرب المنتخب البلجيكي هو من سيتولى مهمة تدريب الفريق، فإن مستقبل توتنهام يبدو أكثر قتامة، بعد أن اتضح أن الفجر الجديد المشرق ما هو إلا وهم آخر!