المال... سر نجاح القوة الناعمة للصين في الولايات المتحدة

من الملاحظ أن الجانب الأكثر «إثارة للاهتمام» في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هو -كما يبدو- أن النخب في أميركا يساعدون، في بعض الأحيان، في الاحتفاء بما تحققه الصين من صعود. ويمثل هذا الاتجاه محور تحليل أعده الكاتب الصحافي بيدرو لـ. غونزاليز، مساعد رئيس تحرير موقع «أميركان غريتنس» الإخباري، ونشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية.
وأشار غونزاليز في البداية إلى مقطع فيديو نشره موقع «ويبو» الصيني للتواصل الاجتماعي، يظهر فيه الممثل الأميركي المصارع المحترف الشهير جون سينا وهو يقول: «أنا آسف حقاً. يجب أن تفهموا أني أحب الصين وأحترمها». وكان المصارع ضخم الجثة قد ارتكب خطأ عندما أشار إلى تايوان بصفتها دولة، وذلك في مقابلة ترويجية. وقد أدى هذا الخطأ إلى تحوله من رجل يبلغ طوله 6 أقدام، ووزنه مائتين وخمسين رطلاً، إلى قطة صغيرة تقدم اعتذاراً.
وانضم جون سينا بذلك إلى سلسلة طويلة من نجوم أميركا البارعين الذين لم يراعوا أموراً حساسة بالنسبة للصين، بينهم داريل موري الذي كان يشغل منصب المدير العام لـفريق «هيوستون روكيتس» للسلة، عندما غرد عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي معرباً عن تأييده للاحتجاجات من أجل الديمقراطية في هونغ كونغ في عام 2019، ثم حذف تغريدته المسيئة بعد نأى مالك فريق «هيوستون روكيتس»، تيلمان فيرتيتا، بنفسه عن هذه القنبلة القابلة للانفجار. وعلى الرغم من ذلك، قام اتحاد كرة السلة في الصين بتجميد العلاقات مع «هيوستن روكيتس» بسبب «التصريحات غير اللائقة» لموري، كما سحب «بنك شنغهاي بودونغ للتنمية» دعمه للفريق الأميركي. وبحلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019، انتشرت شائعات بأن بكين طالبت بإقالة موري. واستعرضت الصين عضلاتها على مدار عدة أشهر لتعرب عن استيائها إزاء موري. وبعد عام، أي في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020، أعلن موري استقالته، وقوبل ذلك بترحيب حار في الصين.
وأوضح غونزاليز أن العلاقات التجارية بين هوليوود والفرق الرياضية والشركات في أميركا تضع -على نحو متزايد- مجموعة واسعة متزايدة من المصالح تحت سيطرة الصين، ويقول إن هذا المشروع الاستعماري بالأساس يأتي مع رقابة تخنق حتى أي نوع من النقد البسيط لبكين. ويرى الكاتب أنه يبدو أن الحكومة الأميركية تدعم تلك الرقابة.
ومؤخراً، كشفت بيانات جمعها باحثون مستقلون أن معهد ووهان لأبحاث الفيروسات في الصين الذي يقع في القلب من مسألة منشأ فيروس كورونا المستجد وتفشيه تلقى منحاً اتحادية من منظمة «إيكو هيلث أليانس» الأميركية، غير الربحية، المعنية بحماية الإنسان والحيوان والبيئة ضد الأمراض المُعدية. وكانت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية قد ذكرت أن المنظمة الأميركية، غير الربحية، التي أنشئت للبحث في الأمراض الجديدة قدمت أيضاً تمويلاً جزئياً، لتجارب «أبحاث طفرة اكتساب الوظيفة» المثيرة للقلق الشديد، حيث يتم تحويل الفيروسات الخطيرة لتصبح أكثر عدوى من أجل التأثير على الخلايا البشرية.
وتلقت منظمة «إيكو هيلث أليانس» نحو 123 مليون دولار من الحكومة الاتحادية الأميركية. وقدمت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وحدها 39 مليون دولار للمنظمة منذ 2013، ولم يتضح مقدار ما انتهى به المطاف من هذا المبلغ إلى معهد ووهان. وعلى الرغم من ذلك، أشار الباحثون إلى أنه في الفترة بين عامي 2017 و2020، شملت المنح من البنتاغون 6 ملايين و491 ألفاً و25 دولاراً، جاءت تحديداً من وكالة الحد من التهديدات الدفاعية، تحت وصف: فهم أخطار ظهور الأمراض حيوانية المنشأ التي تنقلها الخفافيش في غرب آسيا. وحتى بعد حظر «أبحاث طفرة اكتساب الوظيفة» في عام 2014 من قبيل المفارقة، بسبب مخاوف من أنها قد تؤدي عن طريق الخطأ إلى اندلاع جائحة، استمرت «إيكو هيلث أليانس» في توفير التمويل عبر ثغرات.
ويبدو أن رئيس «إيكو هيلث أليانس»، بيتر دازاك، قد قاد حملة شرسة لإسكات الدعاوى بشأن نظرية تسرب فيروس كورونا المستجد من مختبر في ووهان. وفي فبراير (شباط) الماضي، نشر دازاك خطاباً في دورية «ذا لانسيت» الطبية ذائعة الصيت، بعدما أقنع أكثر من 20 عالماً بالتوقيع عليه، مما زاد على نحو فعال من التكلفة المهنية لاقتراح تسرب كورونا من مختبر ووهان. كما أغدق دازاك الثناء على جهود الصين في احتواء الوباء. وأخيراً، انضم دازاك إلى فريق من الباحثين كلفته منظمة الصحة العالمية بتحديد أصل الفيروس.
وقال جيمي ميتزل الذي كان مسؤولاً رفيع المستوى في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لـ«الديلي ميل» إن تعيين دازاك ضمن فريق منظمة الصحة العالمية شكل «تضارباً ضخماً مخزياً للمصالح». وأوضح ميتزل أن المنظمة العالمية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصين مكنت رجلاً لديه مصالح مالية، وأخرى متعلقة بالسمعة، من تقويض مصداقية النظريات المتعلقة بتسرب فيروس كورونا من مختبر ووهان.
ولم تكن البنتاغون الجهة الوحيدة التي ترسل أموالاً إلى الصين. فقد أشار الباحثون إلى أن «إيكو هيلث أليانس» تلقت 64.‏7 مليون دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، و13 مليون دولار من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية (وتشمل المعاهد الوطنية للصحة، والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها). كما ظهرت وثائق تكشف إرسال وزارة الأمن الداخلي 3.‏2 مليون، ومؤسسة العلوم الوطنية 6.‏2 مليون دولار. وظهر في الآونة الأخيرة أن مستشاري الاقتصاد تمكنوا من إبعاد الرئيس
الأميركي السابق دونالد ترمب عن مواجهة خبير الأمراض المعدية الأميركي البارز أنتوني فاوتشي، بشأن تمويل معهد ووهان لأبحاث الفيروسات. والإدارة الأم للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الذي يرأسه فاوتشي هي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية. ويقدر إجمالي ما أرسلته «إيكو هيلث أليانس» من أموال حكومية أميركية من المعاهد الوطنية للصحة في أميركا إلى مختبر ووهان بنحو 4.‏3 مليون دولار. ولكن كبار المستشارين الأميركيين، وبينهم كبير مستشاري ترمب الاقتصاديين، لاري كودلو، جاهدوا ضد فكرة مواجهة فاوتشي، والمطالبة بمساءلة الصين.
وكما كان الحال مع هوليوود، ورابطة دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين، لعبت أموال الحزب الشيوعي الصيني دوراً في هذا الشأن. وعلاوة على ذلك، كشفت الصحافية الشهيرة شاري ماركسون، الحائزة على عدد من الجوائـز، أن دوائر الاستخبارات لجأت إلى مشورة دازاك، في إطار سعيها لتحديد طبيعة ومنشأ فيروس كورونا، وإلى أطراف مهتمة أخرى. ونشر مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بياناً يفيد بأنه ليس من الممكن أن يكون فيروس كورونا قد جرى تخليقه.