زيارة البرلمانيين الفرنسيين الـ4 لدمشق تثير التنديد «بسبب لقاء لم ينتدبوا له»

تفاعلت زيارة اليومين التي قام بها 4 برلمانيين فرنسيين (نائبان وعضوان في مجلس الشيوخ) إلى سوريا ولقاؤهم كبار المسؤولين في دمشق، وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد. ووصلت التداعيات إلى أعلى مستويات الدولة الفرنسية التي أجمعت على إدانة المبادرة «الفردية» التي وصفها رئيس الحكومة مانويل فالس بـ«الغلطة الأخلاقية»، لا بل إن رئيس الجمهورية الذي كان أمس في مانيلا، عاصمة الفلبين، في زيارة رسمية، حرص هو الآخر على التنديد بالزيارة.
قال هولاند: «إنني أدين (اللقاء) الذي تم بين برلمانيين فرنسيين لم ينتدبوا له وديكتاتور تسبب بإحدى أفدح الحروب الأهلية في السنوات الأخيرة والتي أوقعت 200 ألف قتيل». أما مانويل فالس، فقد استخدم عبارات أشد قساوة في التعبير عن غيظه من إتمام الزيارة. ورغم اعترافه بأن من حق النواب أن يزوروا من يشاءون، فإنه استدرك قائلا: «أريد أن أدين هذه المبادرة بأقسى الشدة، إذ إنهم (البرلمانيين) لم يذهبوا لزيارة شخص عادي. هم ذهبوا للقاء بشار الأسد المسؤول عن عشرات الآلاف من القتلى. هذا ليس حوارا. إنها بادرة تحمل معاني فالبرلمانيون يمثلون السيادة الوطنية وما قاموا به بذهابهم للقاء الجزار، غلطة أخلاقية»، مكررا: «إنه جزار. إنها غلطة أخلاقية».
هذه القساوة في التنديد ببادرة البرلمانيين الأربعة تعكس إلى حد ما مخاوف السلطات الفرنسية من أن يساء فهم موقف باريس وأن تعتد الزيارة «بالون اختبار» يبشر ببداية تغيير في السياسة الفرنسية إزاء النظام السوري ومجمل الوضع في هذا البلد.
وتفيد المعلومات المتوافرة بأن الزيارة جاءت بمبادرة من النائب الاشتراكي عن مدينة تولوز (جنوب فرنسا) جيرار بابت الذي يرأس مجموعة الصداقة الفرنسية - السورية في البرلمان، وكان رأس في السابق مجموعة الصداقة الفرنسية - اللبنانية. وثمة من يؤكد أنها تمت بمساعدة أطراف مؤيدة للعماد ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر في لبنان الذي تربطه علاقات جيدة بالنظام السوري. ورغم أن بابت لم يحضر اللقاء مع الرئيس الأسد الذي دام ساعتين بحجة «ارتباطه بمواعيد سابقة»، فإنه كان ضمن الوفد الذي التقى الوزير وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد ومفتي سوريا الشيخ أحمد حسون وبطريركي الأرثوذكس والكاثوليك.
وتنتظر بابت الذي عاد عصر أمس إلى مدينته تولوز تعقيدات كبرى مع الحزب الاشتراكي الذي أعلن أمينه العام جان كريستوف كومبادليس أن النائب المذكور سيحال على اللجنة التأديبية للحزب الذي يمكن أن تتخذ بحقه إجراءات رفض الخوض في تفاصيلها. وكما رئيس الحكومة، فقد وصف كومبادليس الأسد بأنه «ليس ديكتاتورا عاديا، إنه جزار». وأعلن المسؤول الاشتراكي أنه كتب للنائب المذكور وسيستدعيه ليمثل أمام اللجنة المختصة من أجل معاقبته. لكن السؤال اليوم يتناول نوع العقوبة: هل هي اللوم أو التوبيخ أو الفصل من الحزب؟ كثيرون يستبعدون العقوبة الأخيرة لأن الحزب الاشتراكي الذي يعاني من انقسامات داخلية ومن تناقص أكثريته في الجمعية الوطنية بحاجة لكل أعضائه بمن فيهم بابت رغم المبادرة التي قام بها والتي ما زال يؤكد أنها «شخصية» ولا تلزم الحكومة الفرنسية ولا الحزب الاشتراكي.
يعي بابت «الخطوة الناقصة» التي قام بها. لذا سعى قبل عودته إلى فرنسا للتقليل من أهمية مبادرتها ومن تفاعلاتها، فأعلن من بيروت أن «لا يريد الذهاب بعكس مصالح فرنسا ولا ضد السياسة التي تتبعها الحكومة الفرنسية حتى الآن». لكنه أضاف: «ما أراه هو أن هناك تعديلات على السياسية الفرنسية يفترض أن تتم وسأنقل ما سمعت ورأيت». وبحسب ما قاله، فإن المبادرة «خطوة أولى صغيرة وإذا كنا نستطيع أن نقوم بشيء ما للتخفيف من الآلام الناس، فنكون قد حققنا نتيجة حسنة».
وما يلمح إليه بابت تلميحا، دعا إليه النائب جاك ميار المنتمي إلى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية المعارض تصريحا؛ إذ أكد على الحاجة لإعادة التواصل مع الأسد في الحرب على الإرهاب، وتحديدا ضد تنظيم داعش. وأشار ميار إلى أن وزيري الخارجية السابق «ألان جوبيه والحالي لوران فابويس ما فتئا يؤكدان سقوط الأسد. لكن الأسد، بعد أربع سنوات من الحرب، ما زال في مقعده. إنه عنصر من عناصر الحل السياسي، أردنا ذلك أم لم نرد». وبالنسبة للنائب اليميني، فإن الحرب في سوريا تغيرت طبيعتها وهي تحتم الحديث إلى من يحاربون «داعش» الذي شبهه بداء السرطان وبالتالي يتعين التحدث والتعاون مع من يقاتله وأولهم الأسد. وبعكس ميار، فقد التزم جان بيار فيال، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية - السورية، جانب الحذر ورفض الخوض في الجدل الذي أثارته الزيارة.