كيف حوّل توخيل تشيلسي من فريق «مفكك» إلى فريق يبحث عن حصد الألقاب؟

كشف المدير الفني الألماني توماس توخيل عن نواياه منذ البداية، حيث لم يكن هناك أي حديث عن بناء الفريق بشكل بطيء عندما تولى القيادة الفنية لنادي تشيلسي في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي؛ لقد أدرك توخيل أن مالك النادي، رومان أبراموفيتش، لديه مطالب عالية، وقد تعامل مع الأمور وفقاً لذلك، وبالتالي ركز على عقلية الفوز لدى فريقه الجديد، ووعد بتحويل تشيلسي إلى فريق شرس لا يستمتع أحد باللعب أمامه.
ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكن توخيل من تحقيق رؤيته على أرض الواقع. ولم يكن المدير الفني السابق لباريس سان جيرمان بحاجة لفترة انتقالية، بعد توليه قيادة «البلوز» خلفاً للمدير الفني الإنجليزي الشاب فرانك لامبارد. وفي غضون 4 أشهر فقط، نجح توخيل في تحويل تشيلسي من فريق غير منظم إلى فريق قادر على الوصول للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا ضد مانشستر سيتي، بعد الفوز على ريال مدريد على ملعب «ستامفورد بريدج» في مباراة الإياب.
ولم يتمكن المدير الفني لريال مدريد، زين الدين زيدان، من العثور على إجابات للتعامل مع الذكاء التكتيكي والخططي لتوخيل؛ لقد أحكم تشيلسي سيطرته على اللقاء، وتحكم في زمام الأمور تماماً، وكان يهاجم بشكل رائع، كما أحبط كل المحاولات الهجومية للنادي الملكي بدفاع منظم للغاية، وكان واضحاً قبل فترة طويلة من الهدف الثاني الذي أحرزه ماسون ماونت أن أبراموفيتش كان محقاً تماماً في إقالة لامبارد من منصبه.
في الحقيقة، يعد هذا انتصاراً شخصياً لتوخيل الذي سبق له الفوز على جوسيب غوارديولا ويورغن كلوب وجوزيه مورينيو وكارلو أنشيلوتي ودييغو سيميوني وزين الدين زيدان. وعلى الرغم من أنه يعمل في صمت، ولا يحاول جذب الانتباه في كل الأماكن التي يعمل بها، فإنه يستحق الإشادة والثناء. وحتى لو كان تشيلسي يضم كوكبة من اللاعبين الدوليين الموهوبين، فلا ينبغي أن ننسى أن الفريق كان يبدو مفككاً مهلهلاً تحت قيادة لامبارد.
لقد كان الفريق يحتل المركز التاسع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل أن يقيل أبراموفيتش لامبارد، ويعين توخيل بدلاً منه، ولم يكن كثيرون يتصورون أن هذا الفريق يمكنه الوصول إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا بعدما سحقهم مانشستر سيتي على ملعب «ستامفورد بريدج» في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي. وعندما تولى توخيل المسؤولية، لم يعطِ أي انطباع بأن تشيلسي كان يعاني بشدة، ويحتاج إلى تغييرات هائلة من أجل العودة إلى المسار الصحيح؛ لقد نظر إلى فريقه، ووجد بعض الأخطاء البسيطة وعالجها، وغير طريقة اللعب إلى (3-4-2-1) التي جعلت الفريق يحقق مستويات ونتائج أفضل.
وكان تشيلسي يلعب بطريقة برغماتية في بعض الأحيان، ولم يقدم أداءً ممتعاً في كل المباريات، لكن كان من الواضح للجميع أن المدير الفني الألماني لديه خطة واضحة لتغيير شكل الفريق في النواحي الهجومية. لقد كان توخيل يدرك تماماً أنه بحاجة إلى إعادة الثقة لكل من تيمو فيرنر وكاي هافرتز حتى يمكنهما قيادة الخط الأمامي للفريق، وبالتالي عمل بجدية كبيرة معهما، ومنحهما الوقت الكافي للاستقرار، ونال مكافأة على ذلك عندما تفوق اللاعبان أمام ريال مدريد. لقد كان تشيلسي يهاجم بسرعة هائلة، ويخلق الفرص وقتما يشاء، وكان من الواضح أن توخيل كان محقاً تماماً عندما رفض المطالبات باللعب برأس حربة تقليدي، مثل أوليفييه جيرو أو تامي أبراهام.
لقد عانى ريال مدريد كثيراً من تحركات فيرنر وهافرتز وماونت خلال الشوط الأول، كما أضاف النجم الأميركي كريستيان بوليسيتش بعداً آخر للشق الهجومي عندما شارك بديلاً. وكان النقد الوحيد للاعبي تشيلسي هو أنهم تسابقوا في إهدار الفرص السهلة، لكن كان هناك شعور بأنهم لن يندموا على إهدار تلك الفرص لأنهم يتحكمون في زمام المباراة تماماً. في الحقيقة، يبدو تشيلسي فريقاً لا يمكن اختراقه على الإطلاق في الوقت الحالي، خاصة في ظل تألق حارس المرمى السنغالي إدوارد ميندي. لقد حافظ الفريق على نظافة شباكه 18 مرة في أول 24 مباراة لعبها تحت قيادة توخيل، ويبدو الفريق مستعداً تماماً لمواجهة مانشستر سيتي في نهائي دوري أبطال أوروبا في 29 مايو (أيار) الحالي. لقد حقق توخيل بالفعل فوزين على غوارديولا هذا الموسم، حيث قاد تشيلسي للفوز على مانشستر سيتي في نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي الشهر الماضي، قبل أن يعود ويحقق الفوز عليه مرة أخرى في الدوري الإنجليزي الممتاز مؤخراً.
في الحقيقة، لم يكن أبراموفيتش يتوقع أقل من ذلك بعد الأموال الطائلة التي أنفقها على تدعيم صفوف الفريق الصيف الماضي. ومع ذلك، فإن أداء باريس سان جيرمان المخيب للآمال في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا أمام مانشستر سيتي يعد دليلاً على أن المال وحده لا يصنع فريقاً كبيراً، بل يتطلب الأمر وجود مدير فني ذكي قادر على بناء فريق متماسك، وهو الأمر الذي حققه توخيل الذي سيقود البلوز لمواجهة ليستر سيتي في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي.
قد يكون من المغري أن نتذكر الآن التغييرات التي أجراها أبراموفيتش في القيادة الفنية لتشيلسي في منتصف الموسم، والتي أسفرت عن قيادة أفرام غرانت الفريق للوصول للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2008، ثم قيادة روبرتو دي ماتيو الفريق للفوز بلقب البطولة بعد ذلك بأربع سنوات. لكن يجب الإشارة إلى أن الأمر مختلف تماماً هذا المرة؛ لقد حالف الفريق كثيراً من الحظ تحت قيادة غرانت ودي ماتيو، ولا توجد مقارنة بين ما كان يقدمه الفريق آنذاك وما يقدمه حالياً تحت قيادة توخيل الذي يجعل الفريق يتحكم في وتيرة المباريات، خاصة أمام الفرق الكبرى.
وعلى الرغم من أن توخيل شخصية حادة، فإنه ساعد على تحسين الأجواء والحالة المزاجية داخل غرفة خلع الملابس، كما ساعد على تطوير أداء جميع اللاعبين، حتى أولئك الذين لا يشاركون بشكل دائم في المباريات، مثل إيمرسون بالمييري الذي سجل هدفاً رائعاً بعد لحظات من مشاركته بديلاً في الدقائق الأخيرة من مواجهة تشيلسي أمام أتليتكو مدريد في دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا. ومن الواضح للجميع أن تشيلسي يعمل الآن بصفته وحدة واحدة تسير في الاتجاه نفسه. ويتعامل توخيل مع الجميع بوضوح شديد، كما أعاد الثقة لكثير من اللاعبين الذين تراجع مستواهم بشكل واضح تحت قيادة المدير الفني السابق، مثل أنطونيو روديغر الذي قدم أداءً قوياً للغاية في خط دفاع الفريق أمام ريال مدريد، وأندرياس كريستنسن الذي لم يعد يرتكب الأخطاء التي كان يرتكبها في السابق.
وعلاوة على ذلك، عمل توخيل على استغلال نقاط القوة في الفريق، وساعد سيزار أزبيليكويتا على التألق في مركزي الظهير والجناح الأيمن خلال الأسابيع الأخيرة، وينطبق الأمر نفسه أيضاً على بن تشيلويل في الناحية اليسرى. وحتى جورجينيو الذي كان يقدم مستويات متفاوتة في السابق، بات يقدم مستويات ممتازة، ولم يرتكب أي خطأ بعد البطاقة الصفراء التي حصل عليها في وقت مبكر من اللقاء أمام ريال مدريد.
ويلعب تشيلسي الذي أصبح شبه ضامن لمركز في المربع الذهبي في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز باتزان كبير. كما عاد النجم الفرنسي نغولو كانتي لتقديم أفضل مستوياته على الإطلاق في خط الوسط. لقد كان توخيل يعرف جيداً أن الوقت ما زال مبكراً للغاية للحكم على فيرنر وهافرتز، وأنه لا يمكن التخلي عنهما الآن، حتى لا يتكرر خطأ النادي عندما لم يصبر على بعض اللاعبين المميزين، وسمح لهم بالرحيل ليتألقوا بشكل لافت للغاية مع أندية أخرى، مثل كيفن دي بروين وروميلو لوكاكو ومحمد صلاح.
وعندما عاد إيدن هازارد إلى «ستامفورد بريدج» في إياب دوري الأبطال مع ريال مدريد، لم يكن هناك شعور بأن تشيلسي يفكر بحزن في الأيام التي كان يتألق فيها النجم البلجيكي مع البلوز، وذلك لأن الفريق يقدم الآن مستويات رائعة للغاية. وبعد الانتظار 7 مواسم كاملة لتجاوز دور الستة عشر في دوري أبطال أوروبا، وصل الفريق الآن إلى المباراة النهائية التي سيلعبها بكل ثقة تحت قيادة توخيل.