القاضية عون تخرق قرار «القضاء الأعلى» وتقتحم شركة لشحن الأموال

خرقت المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، أمس، قرار مجلس القضاء الأعلى، وجددت تحركها باتجاه شركة «مكتف» لشحن الأموال، حيث تمت مؤازرتها من مناصرين لها ولـ«التيار الوطني الحر»، ما أدى إلى تصادم مع القوى الأمنية التي حاولت إخلاء الساحة، ومنع الدخول إلى مكاتب شركة الصيرفة.
ورفع هذا الخرق التحذيرات السياسية من «حالة التمرد» المتواصلة من قبل القاضية عون على القرارات القضائية، والمخاوف من «محاولة لإنهاء مؤسسة القضاء التي يراهن عليها اللبنانيون»، كما قال نائب في كتلة «المستقبل» النيابية، فيما بدا أن هناك اصطفافاً سياسياً بين مؤيد لموقف القاضية عون ومعارض لها.
وكانت القاضية عون قد اقتحمت الشركة مرتين متتاليتين في الأسبوع الماضي، للحصول على مستندات تقول إنها تحقق فيها، ضمن ملف التحويلات المالية إلى الخارج. وغداة قرار أصدره مجلس القضاء الأعلى، يقضي بإحالة ملف القاضية إلى هيئة التفتيش القضائي، وكف يدها عن عدد من الملفات، من بينها ملف الجرائم المالية، خرقت القاضية عون القرار مرة أخرى، وتوجهت إلى شركة «مكتّف» للصيرفة، حيث لم تسمح لها الشركة بالدخول إلى مكاتبها في عوكر لأن الشركة تعد أن الملف أصبح بيد القاضي سامر ليشع.
وخلال نقل مباشر على التلفزيون، قالت عبارات تشكو فيها إقفال الشركة، وأكدت أن «أصحاب الشركة منعوني من الدخول بسيارتي، فدخلت سيراً على الأقدام»، وتابعت: «لقد منعوني من الدخول لأن الداتا تفضحهم»، وطلبت من القضاء أن يقف معها، مشيرة إلى أن ما تطالب به هو «حقوق الناس، وليس حقوقها». كما ناشدت رئيس الجمهورية ميشال عون التدخل. وحول القرار الذي أصدره مجلس القضاء الأعلى، قالت إن «ما صدر عن مجلس القضاء الأعلى بيان، لا قرار، ولم أتبلغ به بعد».
وكان مجلس القضاء الأعلى قد طلب من هيئة التفتيش القضائي إجراء المقتضى في الأزمة التي نتجت عن عدم التزام القاضية عون بقرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بكف يدها عن ملف التحويلات المالية. كما طلب من القاضية التزام قرار النائب العام لدى محكمة التمييز المعمول به حتى تاريخه.
ونقلت محطات التلفزة، أمس، صعود عون إلى سيارتها، حيث أجرت اتصالات، قبل أن تؤازرها مجموعة من مؤيديها ومناصريها، مطالبين بـ«محاسبة الفاسدين ومهربي الأموال إلى الخارج». وقام عمال مجهزون بمعدات بفتح الباب الرئيسي لشركة «مكتف» للصيرفة في منطقة عوكر، ثم دخلت القاضية إلى بهو الشركة. ووصلت القوى الأمنية إلى عوكر، وطلبت من المعتصمين المؤيدين للقاضية عون الخروج، والاعتصام في خارج حرم الشركة. وطلبت «القوة الضاربة» التابعة لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من المعتصمين إخلاء المكان قبل حصول تدافع محدود بين الطرفين.
وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن الأوامر الفورية أعطيت لعناصر قوى الأمن لحفظ الأمن والنظام بغية إبعاد المدنيين عن الممتلكات الخاصة العائدة لميشال مكتف في عوكر، وذلك من دون التدخل بإجراءات الضابطة العدلية. وقال محامي الشركة إن «القوى الأمنية طلبت منا أن نخرج من مقر الشركة لتخفيف الاحتقان».
وفيما تحدثت معلومات عن أن التفتيش القضائي طلب من القاضية عون الانسحاب من أمام الشركة لكنها لم تلتزم، أثار المشهد الذي نقلته شاشات التلفزة مباشرة مخاوف من تداعياته على صورة القضاء اللبناني الذي يعول عليه اللبنانيون لتحصيل حقوقهم، خصوصاً بعد الأزمات المالية والمعيشية، وبعد انفجار المرفأ. وقال النائب عن «المستقبل» هادي حبيش لـ«الشرق الأوسط» إن ما يجري هو «تمرد قاضٍ على مجلس قضاء كامل وتفتيش قضائي ونيابة عامة تمييزية» ترأس بحسب القانون كل النيابات العامة الاستئنافية وكل المدعين العامين. وأكد حبيش أن المشهد «ليس صحياً، بل يؤشر إلى محاولة لإنهاء المؤسسة التي يراهن عليها اللبنانيون». ولفت إلى أن الرهان اليوم على أن يوقفها التفتيش القضائي عند حدودها، داعياً هيئة التفتيش القضائي إلى أن «تأخذ دورها فوراً». وأكد حبيش أن هيئة التفتيش من ناحية قانونية «منزهة عن التدخلات السياسية»، والآن «يجب أن تأخذ دورها لوضع حد لهذه المخالفة».
ولم يتوقف القضاء عن مطالبة عون بالامتثال لقرار مجلس القضاء الأعلى. وأكدت مصادر قضائية أن على القاضية غادة عون تنفيذ قرار مجلس القضاء الأعلى، ونقلت عنها «وكالة الأنباء المركزية» قولها إنه «قبل القوانين، وقبل القرارات القضائية، وقبل الدساتير، لدى القاضي مناقب وأخلاقيات وواجبات قضائية يجب الالتزام بها لأنها قواعد مكتوبة»، معتبرة أن «تصرف القاضية عون غير قانوني».
وإذ شددت المصادر على أن عون يجب أن تنفذ قرار «مجلس القضاء الأعلى»، أوضحت أنه عند إحالة هذا المجلس القاضية عون إلى التفتيش القضائي، لم تعد لها صلاحية البت في هذا الملف، ذلك أن «التفتيش يتخذ القرار المناسب في حقها، يبرئها أو يعاقبها ويحيلها إلى المجلس التأديبي الذي يقرر بدوره العقوبة الذي ستتخذ في حقها».
‏وقال المدير العام لشركة مكتّف: «إننا نشتري عملة نقدية من المصارف والصرافين، ونشحنها إلى الخارج بناءً على العرض، ولا نتعاطى مع المودعين، إنما فقط مع المصارف». وقال ميشال مكتف: «إننا نصرح عن كل حساباتنا للجنة الرقابة، ومصرف لبنان، وكل أرقامنا تذهب إلى الدولة اللبنانية لأننا نصرح عنها، ولا يُمكن أن نحول أموال أشخاص إلى الخارج».
ونفى مكتف كل الاتهامات التي تتحقق منها القاضية عون، وقال في تصريحات له: «إننا لا نُخفي شيئاً، فقد قدمنا كل ما يُمكن تقديمه، فيما يخص أرقام الشركة، والحقيقة ستظهر عاجلاً أم آجلاً». كما تحدث عن «افتراء لأنه لا علاقة لنا بموضوع تهريب أموال النافذين إلى الخارج»، وأكد أنه «لا يُمكن لنا أن نؤثر بأي شكل على سعر الصرف، وهناك 20 شركة أخرى مرخصة تعمل في المجال عينه».