الخرطوم ترفض مبادرة إماراتية لحل النزاع مع أديس أبابا

رفض السودان مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، المتعلقة بالنزاع بين السودان وإثيوبيا، واعتبرها تجاوزاً للموقف السوداني المتفق عليه، والمتمثل في «وضع العلامات الحدودية»، وفي غضون ذلك أكد تأجيل زيارة مزمعة إلى إسرائيل، كان ينتظر أن يقوم بها وفد سوداني إلى تل أبيب.
وقال مصدر رفيع تحدث لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن مجلس الأمن والدفاع السوداني رفض في اجتماعه، أمس، بالإجماع المبادرة الإماراتية، وقال إن السودان لن يقبل أي مبادرة تتضمن نسب، أو تقاسم أراضيه التي استردها من إثيوبيا، موضحاً أن موقفه الموحد هو وضع العلامات الحدودية بين الدولتين، قبل بدء أي تفاوض يتعلق بقضايا أخرى.
وذكر المصدر للصحيفة أن الموقف السوداني من موضوع الحدود مع إثيوبيا «لم يتغير ولن يتغير»، مبرزاً أن السودان لن يقبل وساطة أو أحاديث عن تسوية لموضوع الحدود بخلاف وضع العلامات، وأن الترحيب الأولى بالمبادرة الإماراتية لم يقصد به قبول أي تنازل بشأن الموقف الوطني المجمع عليه.
ولم تنشر دولة الإمارات العربية المتحدة علناً فحوى مبادرتها، كما لم تتحدث السلطات السودانية عن تفاصيلها. بيد أن تسريبات تداولتها وسائل إعلام ووسائط تواصل اجتماعي، أوردت أن دولة الإمارات اقترحت استثمار أراضي «الفشقة» التي استردتها القوات السودانية بشكل مشترك بينها وكل من الخرطوم وأديس أبابا، بنسبة 25 في المائة للسودان، و25 في المائة لإثيوبيا، على أن تستثمر الإمارات 50 في المائة المتبقية من أراضي الفشقة، وهو ما رفضه مجلس الأمن والدفاع من حيث المبدأ.
وقال مصدر آخر إن 11 ألف مزارع إثيوبي، إضافة إلى العمالة الموسمية الإثيوبية، ظلوا يستثمرون أراضي الفشقة السودانية طوال عقود، موضحاً أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، الذي يتخذ موقفاً متشدداً، يستثمر وحده عشرات الآلاف من الكيلومترات في الفشقة السودانية، إضافة إلى عدد كبير من زعماء وأثرياء قومية الأمهرا الإثيوبية، وقادة الجيش وأجهزة الأمن.
في سياق ذلك، دعت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، إثيوبيا إلى الاعتراف باتفاقية 1992 التي رسمت الحدود بين البلدين، مجددة موقف بلادها الداعي إلى ضرورة الوصول لاتفاق قانوني وملزم بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
وعقدت «المهدي» أمس عبر تقنية الاتصال المرئي اجتماعاً بسفراء الدول العربية المعتمدين لدى السودان. وقالت «الخارجية»، في بيان صحافي، أمس، إن «الوزيرة» قدمت شرحاً للسفراء عن آخر تطورات ومستجدات ملف سد النهضة والتوترات على الحدود الشرقية مع إثيوبيا.
وأشار البيان إلى فشل اجتماعات وزراء الخارجية والري بالسودان ومصر وإثيوبيا، التي عقدت في عاصمة الكونغو، في وضع إطار للتفاوض، بعد رفض إثيوبيا الموافقة على وساطة الآلية الرباعية.
من جهة أخرى، أبلغت مصادر عليمة الصحيفة أن قراراً اتُخذ بتأجيل زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وفد رفيع إلى إسرائيل خلال أيام، لأسباب لم تستفض فيها المصادر. بيد أنها نفت أن تكون الأحاديث المتداولة حول زيارة الوفد وتكوينه صحيحة.
وأبدى مصدر رفيع دهشته لما تداولته وسائل الإعلام المحلية والدولية، وقال لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن مجلس الأمن والدفاع فوجئ بما تناقلته وسائل إعلام محلية ودولية عن الزيارة.
وتناقلت وسائط إعلام محلية ودولية طوال الأسبوع الماضي أنباء عن زيارة وفد عسكري وأمني وتنفيذي سوداني إلى إسرائيل، في غضون اليومين المقبلين، بالتزامن مع احتفالات إسرائيل بيومها الوطني الـ73، وتهدف لكسر «حاجز الثقة» بين الخرطوم وتل أبيب، الذي ظل مشيداً منذ 1958 ومحمياً بقانون مقاطعة إسرائيل.
وتوقعت أن تعود الزيارة بالفائدة للعاصمتين، في وقت تطمح فيه الخرطوم، الخارجة من مقاطعة اقتصادية متطاولة، وعزلة دولية، الاستفادة من قدرات إسرائيل الفنية والاقتصادية، ولا سيما مجال الزراعة، في تحسين اقتصادها، فيما تسعى تل أبيب إلى تمتين علاقاتها الأفريقية عبر بوابة السودان، وعبور طائراتها للأجواء السودانية، فضلاً عن كسب الخرطوم التي كانت تعد عدواً لدوداً لفترات طويلة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، زار وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين السودان، والتقى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع ياسين إبراهيم، ووقّع الطرفان خلال الزيارة مذكرة سياسية وأمنية واقتصادية.
ولم يكشف النقاب عن زيارة كوهين رسمياً، إلا بعد إعلان الخرطوم إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، 6 أبريل (نيسان) الحالي، ونشرت السلطات الإسرائيلية تبعاً للإلغاء، صورة جمعت بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وكوهين في الخرطوم، مؤكدة أن نشر الصورة أصبح ممكناً بعد إلغاء القانون الذي كان يجرم إقامة علاقات مع إسرائيل.
ومنذ لقاء البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي المفاجئ في عنتيبي اليوغندية في فبراير (شباط) 2020. ما يزال الجدل يحتدم بين السودانيين، بشأن العلاقات مع الدولة العبرية، بين رافض ومؤيد للخطوة، في وقت يشير فيه تطور الأحداث وتسارعها في السودان إلى أن «التطبيع» يلقى تأييداً وسط شريحة واسعة من المواطنين السودانيين، فيما ترفضه بشدة جماعات الإسلام السياسي وقوى سياسية مشاركة في الحكم، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، والأحزاب القومية، مثل البعث العربي الاشتراكي.