دراسة تُبرز جماليات الفنون التراثية الإسلامية في إقليم «الدكن» الهندي

عبر تحليل المفردات الفنية، وتفكيك الرموز الزخرفية، أبرزت دراسة مصرية حديثة المكونات والعناصر الجمالية لفنون الحرف التراثية اليدوية في إقليم الدكن الهندي، وتأثرها بمفردات وزخارف الفن الإسلامي الذي ازدهر بالإقليم في الفترة من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الهجري، حيث استخدم السلاطين المسلمون الحرف التراثية وفنونها لتثبيت أركان حكمهم بالإقليم، وتخليد إنجازاتهم عن طريق إنشاء ورش ملكية للفنون التراثية، وجلب الفنانين المهرة من دول إسلامية أخرى إلى جانب الفنانين الهنود، لتشكل التحف التي ما زالت باقية إرثاً حضارياً للبشرية، ومدرسة فنية قائمة بذاتها تطورت بمشاركة وتنافس الفنانين المسلمين والهندوس.
الدراسة أعدتها الدكتورة هبة عبد العزيز، مفتش الآثار بإدارة الوعي الأثري والتواصل المجتمعي بالقاهرة التاريخية تحت عنوان «المناظر التصويرية على الفنون التطبيقية الإسلامية في إقليم الدكن بالهند خلال الفترة من القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري... دراسة آثارية فنية مقارنة»، وهي الفترة من القرن السادس عشر حتى التاسع عشر الميلادي، وحصلت بموجبها على درجة الدكتوراه في الفنون والآثار الإسلامية مع مرتبة الشرف الأولى من كلية الآثار جامعة القاهرة أخيراً، وتضمنت توثيقاً وتحليلاً وصفياً لجماليات مائة وثلاث وعشرين تحفة تراثية من إقليم الدكن الهندي، بينها 80 قطعة تُنشر صورها علمياً للمرة الأولى.
وركزت الدراسة على تحليل جماليات العناصر الزخرفية والتكوينات الفنية للصور والرسومات على التحف المختلفة، والتي تتنوع ما بين التحف الخزفية والمعادن والسجاد والأدوات المنزلية ومفارش المائدة ومنتجات العاج والتحف الخشبية، إذ تنوعت موضوعات الصور والنقوش التصويرية على التحف لتغطي جميع تفاصيل الحياة اليومية خلال تلك الفترة، سواء شكل الحياة داخل البلاط الملكي والاحتفالات والحفلات والموسيقى والصيد وموضوعات اجتماعية متنوعة.
وتُعد الورش الملكية تقليداً شائعاً في الدول الإسلامية، حيث كان يقوم بإنشائها الملوك والسلاطين لرعاية الحرف التراثية والفنانين، وفقاً للدكتورة هبة عبد العزيز، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الورش الملكية أو السلطانية كانت موجودة في معظم الدول الإسلامية بهدف رعاية الحرف والفنون التراثية، ويتولى الإشراف على كلٍّ منها فنان يسمى (الأستاذ) كي يتم توحيد الموضوعات الفنية التي يتم تناولها، خصوصاً المتعلقة بتخليد الحاكم».
وتمكنت المدرسة الدكنية من تثبيت شخصيتها الإسلامية المميزة في التصوير والرسم على التحف التطبيقية، وحسب الدراسة «أصبحت تضاهي أعظم مراكز التصوير والرسم على المنتجات التراثية في العالم الإسلامي، كما أنها من أكثر المدارس الفنية تعرضاً لجميع مناحي الحياة، حيث كانت محوراً لمعظم الأحداث المهمة، وتفاصيل الحياة اليومية، ووثقت الأشكال المختلفة لأنشطة البلاط الملكي في الاحتفالات والأعياد وتفاصيل الحياة الاجتماعية والدينية». بدوره، يقول الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكام والسلاطين المسلمين في إقليم الدكن الهندي استخدموا الفنون والحرف التراثية في تثبيت أركان حكمهم، من خلال رعاية الفنانين وإنشاء الورش الملكية التي تُنتج قطعاً فنية تتضمن موضوعات تخلّد فترات حكمهم وتُبرز إنجازاتهم، ومن أبرز سمات الفنون الإسلامية وزخارفها أنها تمتلك ما تسمى وحدة العناصر الزخرفية التي تربطها جميعاً في أي دولة، بينما تتميز كل منطقة أو دولة بشخصيتها المختلفة ومفرداتها الفنية الإبداعية داخل الإطار العام للفن الإسلامي». وأسهم قيام الورش الملكية بجلب الفنانين من دول إسلامية عديدة في تنوع الأساليب الفنية والرؤى الإبداعية، حيث أدى التنافس بين الفنانين من أقاليم إسلامية مختلفة ومدارس فنية لكل منها خصوصيتها في تطور المدرسة الفنية الدكنية، وصياغة شخصيتها المستقلة من خلال ابتكار تصميمات ومعالجات فنية جديدة، واستخدام عناصر فنية غير تقليدية، ما أدى إلى تنوع موضوعاتها الفنية وزخارفها التي استفادت من المدارس الفنية بدول إسلامية مختلفة.