الصين تحذر من «القيم الغربية» في الكتب الدراسية المستوردة

كان لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الصيني الحالي، طالبا متعطشا لدراسة اللغة الإنجليزية حينما كان يدرس في كلية الحقوق بجامعة بكين أواخر السبعينات، وساعد على ترجمة بعض النصوص التي منحت لجيله من الشباب أول تعرض مبهج للمثل القانونية الغربية عقب وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ. أما اليوم، وعلى الرغم من ذلك فإن أعمال «السيد لي» السابقة يمكن اعتبارها من قبيل التجارب التخريبية. خلال هذا الأسبوع، اتسعت الحملة الآيديولوجية الصينية في مواجهة الأفكار الليبرالية الغربية، واتخذت منحى جديدا، خاصا بالكتب الدراسية الأجنبية.
أرسى يوان غورين، وزير التعليم الصيني، خلال اجتماع جمعه مع قادة عدد من الجامعات الصينية البارزة، قواعد جديدة تُقيد من استخدام الكتب الدراسية الغربية وتحظر أولئك الذين يبذرون «القيم الغربية». وقال يوان، خلال الاجتماع مع مسؤولي الجامعات «علينا ترسيخ إدارة استخدام المواد التعليمية الغربية الأصلية. ولن نسمح بأي حال من الأحوال للمواد التعليمية التي تبث القيم الغربية بالانتشار في قاعات الدراسة في بلادنا»، وفقا لوكالة أنباء «شينخوا» الحكومية الصينية.
وتأتي القيود المفروضة على الكتب الدراسية الغربية في ذيل سلسلة طويلة من التدابير الهادفة إلى تعزيز سيطرة الحزب الشيوعي الحاكم على الحياة الفكرية وتجفيف منابع نشر الأفكار الداعية إلى سيادة القانون، والديمقراطية الليبرالية، والمجتمع المدني، والتي تعد من قبيل العدوى الخطيرة الرامية إلى تقويض قبضة الحزب على السلطة في البلاد.
أصدرت القيادة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي توجيهاتها بشأن «مطالبة الجامعات بتحديد أولوياتها نحو الولاء للحزب الحاكم، والماركسية، وأفكار السيد تشي». وأعربت رسالة غورين يوان الصادرة هذا الأسبوع عن الكيفية التي ينبغي على الجامعات اتباعها لتطبيق تلك التوجيهات.. «لا تسمحوا أبدا للتصريحات التي تهاجم وتقدح في زعماء الحزب وتطعن في الاشتراكية بأن يُستمع إليها في قاعات الدراسة. ولا تسمحوا أبدا للمدرسين بالشكاية والتذمر في قاعات الدراسة، وبث مشاعرهم غير السليمة إلى الطلاب»، وفقا لتقرير من وكالة أنباء «شينخوا». كما «يتعين على الجامعات الصينية التأكد من شيوع أفكار السيد تشي، زعيم الحزب القوي ذي النزعة التقليدية الحماسية، ضمن المواد التعليمية، وداخل القاعات الدراسية، وإلى عقول الطلاب»، على حد تصريح يوان.
وسعى الحزب الشيوعي مرارا وتكرارا إلى تعزيز التأثير الآيديولوجي على التعليم، خصوصا منذ عام 1989، حينما أمر دينغ شياو بينغ الجنود المسلحين بإخماد الاحتجاجات الطلابية المطالبة بالديمقراطية في ميدان تيانانمين (ميدان السماء). لكن العديد من المفكرين الليبراليين يقولون إن «السيد تشي قد انتقل بالخوف من التخريب الفكري الغربي إلى آفاق جديدة»، حيث يعكس التدقيق في محتويات الكتب الدراسية ذلك الخوف بجلاء.
يقول تشانغ شيوه تشونغ، وهو محام من شنغهاي ممنوع من التدريس في عام 2013 نظرا لاعتباره من ناشري الأفكار الخطيرة، عبر مكالمة هاتفية «ظل التعليم العالي من ساحات القتال الرئيسية حيث يستعر أوار الصراع الآيديولوجي». كما أضاف يقول «لن تكون تلك هي الخطوة الأخيرة، فلا يزال هناك المزيد لديهم». غير أنه قال إن المجتمع الصيني شديد التنوع ومفتوح على المعلومات الخارجية، حتى في ظل الرقابة فإن فرض النقاء الماركسي يكاد يكون من ضروب المستحيل.. «أما بالنسبة للفعالية، وما إذا كانت كل جامعة أو كلية سوف تعمل على فرض تلك المطالب كما هي، فإنها مسألة مختلفة تماما».
إن الكيفية التي تعزم من خلالها وزارة التعليم الصينية تطبيق مطالبها حيال الكتب الدراسية الأجنبية لا تزال يكتنفها الكثير من الغموض. فالكتب الدراسية باللغة الإنجليزية وترجماتها قد صارت واسعة الانتشار والاستخدام لدى العديد من الكليات والجامعات الصينية في مجالات مثل العلوم الطبيعية والاقتصاد والقانون والصحافة والعلوم الاجتماعية. ويتطلع العديد من الطلاب الصينيين للدراسة والعمل خارج البلاد انطلاقا من إيمانهم بأن إتقان الأعمال الأجنبية من أساسيات نجاحهم في حياتهم.
يستخدم كتاب «مبادئ الاقتصاد» الشهير لمؤلفه غريغوري مانكيو على نطاق كبير في الدوائر الاقتصادية الصينية، كما يجري تحديث الترجمة الصينية المعتمدة لذلك الكتاب باستمرار وفقا للتحديثات الجارية على النص الإنجليزي الأصلي.
كما طبعت دار النشر التابعة لجامعة تسينغهوا الصينية سلسلة من الكتب الصحافية الدراسية بلغتها الإنجليزية الأصلية، بما في ذلك «التقارير الإخبارية والكتابة» لمؤلفه ميلفين مينشر. وقامت دور النشر التابعة لجامعة بكين وجامعة رينمين، كذلك، بطباعة سلاسل من الكتب الدراسية الأجنبية لعلوم الإنسانيات والأعمال التجارية والقانون.
يقول تشو جيانبو، أستاذ الاقتصاد في جامعة بكين «إننا نستخدم المؤلفات الدراسية باللغة الإنجليزية، ولكن عندما يُحاضر أستاذ المادة، فإنه يضيف اللمسة الصينية. فإذا ما أردت تغيير ذلك فسوف تستهلك قدرا ضخما من الجهود. إن أغلب الأدبيات الدراسية لدينا منشؤها من الخارج.. وهي تدور حول المشاكل الأجنبية والكيفية التي يتعامل بها الأجانب مع مشاكلهم وذلك لأن أعمال الخارج لا تزال تسبقنا في ذلك المضمار».
وفي حين أنه من غير المرجح أن يقدم الحزب الحاكم على الحظر التام لمثل تلك الكتب، فإن عزمه على تطهير المدارس من الأفكار المسببة للإزعاج السياسي يبدو أنه عزم ماض بلا رادع. ففي الاجتماع ذاته الذي أصدر فيه يوان مطالبه، اصطف مسؤولو الجامعات لمراجعة «تضييق الخناق الآيديولوجي».
قال تشو شانلو، سكرتير الحزب الشيوعي لدى جامعة بكين، أثناء الاجتماع المذكور «إن الدعاية والعمل الآيديولوجي في مؤسسات التعليم العالي لا بد أن يجعلا من تلقين الأفكار والقناعات واجبا أساسيا ولازما لها»، وفقا لموقع «أخبار التعليم في الصين» الحكومي. وأضاف «ينبغي تطوير التعاليم في المعتقدات الماركسية والشيوعية، وفي الوقت ذاته تعزيز وجهات النظر والأساليب الماركسية».
قبل ذلك بأسبوع، ضرب «السيد تشي»، وهو أيضا زعيم الحرب الشيوعي، مثالا من خلال إجراء دراسة رائدة للمكتب السياسي للحزب حول تطبيقات المادية الجدلية الماركسية اللينينية في السياسة. كما منح غير واحد من المسؤولين كتابا تمهيديا في فلسفة ماركس وإنغلز. وقال تشي «يتعين علينا دراسة وإتقان المبادئ القائلة بأن العالم واحد مثل المادة وأن المادة تحدد الوعي».
وخلال اجتماع التعليم يوم الخميس، والذي ضم مسؤولين من جامعات بكين وتسينغهوا، وهما من بين الجامعات المرموقة في البلاد، دفع بعض المسؤولين بأن مطالبات الولاء المتجددة إلى عقيدة الحزب يمكنها التعايش مع الالتزام بالاستفسار المفتوح. غير أن الأكاديميين الذين أحسوا بقبضة «السيد تشي» الآيديولوجية الخانقة قالوا إن مساحة النقاش الصريح قد تقلصت بشكل كبير، حتى بالمقارنة مع القيود التي فُرضت خلال العام الماضي.
وقال «السيد هي ويفانغ» في مكالمة هاتفية، وهو أستاذ القانون في جامعة بكين، والذي جعلت آراؤه الليبرالية منه هدفا لانتقادات المتعصبين «إن التوجه لتشديد الخناق على التعليم العالي والجامعات بات واضحا للغاية. لكن المسار الصيني للتحديث عبر القرن الماضي بأكمله كان عبارة عن عملية امتصاص للتأثيرات الغربية. إن النظرية الماركسية في حد ذاتها هي من النظريات الغربية».
ومن المفارقات أن تلك الهجمات الفكرية تخرج من عباءة جيل من زعماء الحزب كانوا في مرحلة البلوغ والشباب إبان سنوات الثورة الثقافية الموجعة وفي أول انفجار لتحرير الهياج الفكري والسياسي اللاحق عليها.
* خدمة «نيويورك تايمز»