«معتدلو» الديمقراطيين ينجحون في مواجهة زملائهم «التقدميين»

تمكن الديمقراطيون المعتدلون من فرض تعديلات على خطة الإنقاذ الاقتصادي التي قدمتها إدارة الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار، بعدما هدد السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ جو مانشين من ولاية ويست فيرجينيا بالانشقاق عن الحزب. تهديد كاد يطيح عملياً بهامش الغالبية الضيق للديمقراطيين في المجلس، في ظل تقاسم الأصوات مناصفة مع الجمهوريين. وتعطلت مناقشات مجلس الشيوخ لمدة ساعتين يوم الجمعة، بعد رفض مانشين الموافقة على مدة خطة الإنقاذ وقيمتها والجهات المستفيدة منها، ورفضه رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة، بسبب مخاوفه مع عدد من الديمقراطيين المعتدلين وغالبية الجمهوريين بشأن العجز في الموازنة والنفقات، وحرصه على وصول المساعدات إلى مستحقيها بالفعل.
وقال السيناتور أنغوس كينغ، وهو أيضاً من المعتدلين المستقلين عن ولاية ماين: «كان هذا نوعاً من مجموعة فضفاضة من أعضاء مجلس الشيوخ الذين ما زالوا قلقين بشكل أساسي بشأن العجز، هم قلقون بشأن النفقات، ويحاولون التأكد مما إذا كان إنفاق 1.9 تريليون دولار موجهاً للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه». ومع هذا التطور تمكن الوسطيون في الحزب الديمقراطي من فرض أجندتهم الاقتصادية على الرئيس بايدن، الذي لا يبدو أنه في تعارض معهم، في مواجهة التقدميين الذين يسعون إلى إصلاحات وتقديمات أكثر راديكالية، تتناسب وأجندتهم السياسية، لاستغلال سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الشيوخ والنواب. لكن التغييرات التي طرأت على المشروع الذي يناقشه مجلس الشيوخ مثلت خروجاً عن مشروع قانون الإغاثة الذي تمت الموافقة عليه في مجلس النواب. فقد سعى الديمقراطيون إلى استغلال نتائج انتخابات عام 2020 في ظل تقديرات بأن لديهم تفويضاً يسمح لهم بإجراء إصلاحات شاملة كانوا قد طالبوا بها خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
وتحمل التسوية التي تم التوصل إليها أهمية سياسية كبيرة حول مستقبل أجندة بايدن الذي يسعى إلى التقدم بمشروع متكامل لإصلاح البنية التحتية وتغيير قوانين الضرائب وتغيير قوانين الهجرة في الأشهر القادمة. وتعطي التسوية دوراً كبيراً للمعتدلين في التأثير على القرارات التي ستصدر لاحقاً، في ظل مجلس شيوخ منقسم بالتساوي بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وقال السيناتور الديمقراطي جون تيستر وهو أحد الأعضاء المعتدلين «إنه مجلس شيوخ 50 – 50، يعلم الجميع من بيرني ساندرز إلى جو مانشين ما إذا كانوا يريدون تفجير وحدة الحزب، يمكنهم تفجير هذا الشيء». وأضاف أن العرقلة ليست هي الهدف، مشدداً على أن الحاجة الملحة لمساعدة فيروس كورونا والإغاثة الاقتصادية الأخرى دفعت الديمقراطيين إلى التمسك بالوحدة، لكنه أقر بأن حسابات التفاضل والتكامل قد تتغير بالنسبة لبعض المشرعين. وقال تيستر: «أتوقع أن تكون فترة شهر العسل أقل بعد ذلك، لذلك من المحتمل أن يكون هناك المزيد من الأصوات الصريحة». وفي إشارة إلى صعودهم السياسي، طرح الديمقراطيون الوسطيون الأسبوع الماضي، خطة لخفض كبير في مشروع قانون تحفيز فيروس كورونا في مجلس الشيوخ. وتتضمن الحزمة دفعة جديدة من الشيكات لمرة واحدة بقيمة 1400 دولار للعائلات التي تعاني من ضائقة مالية، والتي يسعى من خلالها الديمقراطيون إلى الوفاء بوعد انتخابي قبل انتخابات 2020. وناقش المعتدلون تقليص حجم الإعانة، والحد من عدد الأميركيين الذين يمكنهم الحصول عليها، وخفض المبالغ الإضافية المخصصة للعائلات التي لديها أطفال. ويتوقع أن يؤدي الاقتراح إلى خفض قيمة المساعدات للعائلات التي كانت تتوقع الحصول على 1400 دولار عن كل طفل إلى 400 دولار فقط. وكان مانشين قد دعا أيضا إلى خفض عدد المستفيدين من المساعدات عبر تخصيصها فقط لمن يكسبون أقل من 50 ألف دولار وليس 100 ألف.
لكن تسوية تدخل فيها بايدن شخصياً، أدت إلى توافق الديمقراطيين على تغيير أضيق في تقديم شيكات التحفيز، ما يسمح لمعظم الأميركيين الذين تلقوا مدفوعات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالحصول على تلك الشيكات مرة أخرى. وتعكس تلك الخلافات الديناميكية السياسية بين المشرعين الأميركيين والانقسامات الآيديولوجية المعتملة داخل الحزب الديمقراطي في أعقاب الانتخابات. ورغم إعلان فوزهم بمجلسي الشيوخ والنواب والبيت الأبيض، فإن هامشهم الضيق يخلق واقعاً سياسياً محفوفاً بالمخاطر لبايدن، الذي دعا إلى الوحدة يوم تنصيبه. وهو ما قد يعرضه إلى ظروف مشابهة لتلك التي واجهها الرئيس الأسبق باراك أوباما بعيد انتخابات 2012، في ظل مخاوف الديمقراطيين من احتمال خسارتهم الانتخابات النصفية التي ستجري العام المقبل، إذا لم يحسنوا إدارة معاركهم وتنفيذ أجندتهم السياسية التي يطمحون من خلالها إلى تعزيز حظوظهم في تلك الانتخابات.
وتشمل خطة التحفيز التي يدعو الديمقراطيون إليها، جولة أخرى من المدفوعات لمرة واحدة، وتعزيز مساعدات البطالة، وتقديم مليارات الدولارات لمساعدة العائلات على دفع تكاليف رعاية الأطفال، ومساعدة الحكومات المحلية ودفع تكاليف توزيع لقاح فيروس كورونا. ويدعم الديمقراطيون في مجلسي النواب والشيوخ على نطاق واسع الحزمة، التي يرجح أن يعارضها الجمهوريون بالإجماع. وهو ما سعى الديمقراطيون الوسطيون بالتنسيق مع بايدن إلى محاولة تفاديه، عبر اقتراحاتهم لإدخال تعديلات جوهرية على خطة التحفيز للحصول على موافقة الجمهوريين.