هاري بيرسون: للرياضة لغة عالمية يفهمها الجميع

في أحد أماكن بيع الصحف في جزيرة غران كناريا الإسبانية العام الماضي، فعلت ما سيفعله أي شخص عاقل عندما يواجه خياراً بين شراء نسخة عمرها يومان من صحيفة «ديلي ميل» وشراء نسخة الأمس من «ديلي ميل» أيضاً، حيث لم أشترِ هذه أو تلك، بل قررت شراء صحيفة «ماركا» الإسبانية! أنا لا أتحدث اللغة الإسبانية، لكنني تذكرت الصحيفة الرياضية اليومية التي تصدر في مدريد باعتزاز من السنوات التي كان فيها صديق لي يعمل في الأندلس، وذهبنا معاً إلى ملعب «رامون سانشيز بيزخوان» لرؤية تيد مكمين وهو يتألق أمام إشبيلية بقيادة جوك والاس. لكن للأسف لم تعد صحيفة «ماركا» كما كانت في السابق، فلأسباب مرتبطة بلا شك بتقليص الميزانية والإنترنت، فقد توقفت الصحيفة عن نشر الرسوم البيانية الكرتونية التي توضح كيفية تسجيل الأهداف الحاسمة. لقد كنت معجباً كثيراً بهذه الرسوم الكرتونية، ولم أستطع قط معرفة السبب الذي كان يمنع الصحف البريطانية من تقليد هذه الفكرة الرائعة.
ويجب أن أضيف أن هذه الرسومات الصغيرة لم تكن مجرد متعة بحد ذاتها، لكنها كانت تقدم أيضا دليلاً واضحاً على الطبيعة الحقيقية لـ«صناعة الأهداف»، مثل التمريرة الحاسمة لهيكتور إنريكي للنجم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا في الهدف الثاني الذي أحرزه في مرمى المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس العالم 1986، وهي التمريرة التي لا يتذكرها أو يتحدث عنها معظم الناس.
ورغم عدم وجود مثل هذه الرسومات الكرتونية، فلا يزال هناك الكثير من المتعة في صحيفة «ماركا». لقد جلست على مقعد تحت أشعة الشمس لمدة ساعة تقريباً وأنا أنظر في جداول ترتيب الدوريات الأدنى من الدوري الإسباني الممتاز، وأتخيل نفسي وأنا أجلس في المدرجات لأشاهد إحدى المباريات بين تشوكو ورابيدو دي بوزاس، وأتخيل شكل العناوين الرئيسية التي ستنشر في اليوم التالي بعد هزيمة ريال تيتانيكو في الدقيقة الأخيرة من المباراة.
إن المجلات الرياضية الأجنبية بالنسبة لمحبي وعشاق كرة القدم تشبه الأطلس بالنسبة للمسافر، فهي تمنحك الفرصة لاكتشاف مغامرات جديدة في أراضٍ غريبة. ولسنوات عديدة، خلال الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أعمل على بُعد مسافة قليلة من مؤسسة «موروني وولده» في حي سوهو بلندن، التي تتباهى ببيع «المجلات والصحف بأكثر من 20 لغة مختلفة». وبعد ظهر يوم الاثنين من كل أسبوع، كانت مجموعة من الطهاة والنوادل من المطاعم المحلية تتجمع على الرصيف بجانب الباب في انتظار وصول صحيفة «غزيتا ديلو سبورت»، تماماً كما كنا نتجمع في محلات بيع الصحف في أمسيات السبت من كل أسبوع في انتظار مجلات كرة القدم.
لقد كانوا ينتظرون في الخارج لأن داخل مؤسسة «موروني» كان يشبه منطقة جزاء نادي إستوديانتيس الأرجنتيني في الستينيات من القرن الماضي، فلم يكن بإمكانك التسكع هناك إذا لم تكن تعرف جيداً ما يتعين عليك القيام به، حيث كانت توجد لافتات تقول بكل صرامة «لا تصفح!»، وكانت هذه اللافتات مكتوبة بخط اليد، وتغطي الجدار على جميع مستويات العين. وخلف المنضدة كان يجلس جوني، ابن وروني صاحب المؤسسة، الذي لم يكن يتحرك قط وكان يبدو وكأنه نائم طوال الوقت. لقد كان هذا المنظر خادعاً، لأنه لو قام أي زائر بلمس أي مجلة من على الرف فسوف يقوم هذا الفتى من مكانه وهو غاضب للغاية، ويسأله «هل تنوي شراء هذا؟».
وذات مرة، وبينما كنت أنظر إلى أغلفة مجلات «كيكر» و«جورين سبورتيفو» و«فرانس فوتبول»، غامر رجل بالدخول إلى المتجر وأخذ يتصفح المجلات والصحف الموجودة، فنهض جوني وقال له: «هذه ليست مكتبة مرجعية». فرد الرجل بمرح: «أريد فقط أن أجد شارع روميلي». وهنا حدث شجار بين الاثنين.
لقد اشتريت على مر السنين المئات من مجلات وصحف كرة القدم من جوني موروني. وبعد أن تركت المدرسة بعد أن فشلت في تعلم عدة لغات، لم أستطع قراءة وفهم الكثير من المقالات، لكنني كنت أكتفي بقراءة النتائج وتشكيلة الأندية في المباريات وجداول ترتيب أندية الدوري وتلك الرسوم الكاريكاتورية الصغيرة. لكن هذا الثمن القليل الذي كنا ندفعه لشراء هذه الصحف والمجلات كان يأخذنا لمغامرات وأماكن جديدة، فكان من الممكن، على سبيل المثال، أن تتخيل نفسك في رحلة إلى ملعب «سيتا دي تريكولوري الإيطالي». وعندما حدثت صديقاً عن صحيفة «ماركا»، قال: «هل تعتقد أن هناك نسخة إسبانية تعادل الصحيفة المتخصصة في دوريات الهواة؟ سيكون رائعاً لو كانت موجودة بالفعل، أليس كذلك؟»، ومن المؤكد أن الذي لا يتفق مع هذا الرأي هو شخص لا يتمتع بالكثير من الخيال ويفضل البقاء في مكانه بدون أي تطور!