تشكيل لجنة أميركية ـ إسرائيلية لمواجهة الملف «النووي الإيراني»

وسط إطلاق عدد من الجنرالات الإسرائيليين «تحذيرات استراتيجية» مما سموه «المخطط الإيراني الشامل للهيمنة على المنطقة»، كشفت أوساط سياسية وأمنية في تل أبيب، أمس (الجمعة)، عن تشكيل «لجنة إسرائيلية - أميركية لمواجهة النووي الإيراني» يتوقع أن تباشر العمل في وقت قريب على أعلى مستويات الأمن القومي.
وقالت هذه المصادر إن هناك «خلافاً مبدئياً بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول الموضوع النووي الإيراني، وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، يحتاج إلى حوار وتنسيق بشكل طارئ، لكن حواراً مباشراً بين الجانبين لم يجرِ حتى الآن، خلافاً لتقارير تحدثت عن لقاءات بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين ومسؤولين في إدارة بايدن».
وحسب محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، فإن «هناك لجنة مشتركة قائمة منذ إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بقيادة رئيسي مجلسي الأمن القومي في البلدين، عملت بشكل سري جداً حتى الشهر الماضي، لكنها لم تجتمع في الآونة الأخيرة، ويتوقع أن تستأنف عملها في الأيام القريبة، من أجل العودة إلى التداول في تنسيق المواقف في موضوع التهديد النووي الإيراني».
ولفت فيشمان النظر إلى أن «الأميركيين هم الذين توجهوا إلى إسرائيل، طالبين استئناف لقاءات اللجنة. ولكن خلافاً لفترة الرئيس ترمب، يعود الجانب الإسرائيلي إلى الملعب ضعيفاً وأقل قدرة على التأثير على القرارات الأميركية».
وقال مسؤول أمني رفيع في تل أبيب إنه على الرغم من أن «الإدارة الجديدة تركز على مهمتين مركزيتين، هما الأزمة الاقتصادية والأزمة الصحية بانتشار فيروس كورونا، فإنها تدرك خطر التهديد النووي الإيراني، وتعده (دمّلة آخذة بالانتفاخ) تريد التخلص منها، وتدرك في الوقت ذاته أن هناك قلقاً شديداً لدى حلفائها في الشرق الأوسط ينبغي تهدئته».
ونقل عن بعض المسؤولين قولهم إن هناك خلافاً جدياً بين نتنياهو وفريق بايدن حول التعاطي مع إيران، فنتنياهو يريد «حل عقدة النووي الإيراني على أساس مبدأ (كل شيء أو لا شيء) التي تعني أن تنزع طهران مواردها النووية التي قد تقود إلى مشروع عسكري، وتربط الموضوع النووي بخطرين آخرين لا يقلان حدة، هما: ضرورة تفكيك مشروع الصواريخ الباليستية، ووقف مخطط التموضع في سوريا. وحتى يتم ذلك، ينبغي فرض مقاطعة مطلقة عليها، والامتناع عن تخفيف العقوبات الشديدة القائمة حالياً». وهو قلق جداً من الإشارات التي تعطيها إدارة بايدن لتشجيع النظام في طهران، مثل لقاء مسؤولين أميركيين مع مندوبين إيرانيين بدعوة من الاتحاد الأوروبي، وإعلان البنك المركزي الإيراني عن تحرير كوريا الجنوبية موارد إيرانية مجمدة، إذ إن خطوة كهذه لا تتم من دون مصادقة أميركية، والسماح بالبحث عن إمكانية حصول إيران على قروض من صناديق مالية دولية، وهذه أيضاً خطوة لا يمكن تنفيذها من دون مصادقة الولايات المتحدة.
وفي المقابل، ترى إدارة بايدن موقف نتنياهو هذا «ليس واقعياً»، وتقول إنه «يجب العودة إلى المفاوضات ومحاولة تحقيق اتفاق أفضل. وإذا لم نحقق ذلك سنعيد العقوبات، وسنبحث مواضيع الصواريخ الباليستية والتدخل (الإيراني) في الشرق الأوسط في لجان موازية. والتوصل إلى اتفاق أميركي - إيراني لن يكون مرتبطاً بتقدم المباحثات في اللجان الموازية».
ويقتبس فيشمان أقوال مسؤول أميركي يرى أن «الأميركيين يحاولون تجنيد نتنياهو، ومنحه شعوراً بأن لديه مكاناً مهماً في الساحة، وعدم إحراجه أمام الجمهور الإسرائيلي عشية الانتخابات. لكن من الناحية الفعلية، فإن إسرائيل مطالبة بالأساس بعدم الإزعاج».
وهنا، يرى المسؤول نفسه أنه سبق لإسرائيل أن كانت في خانة كهذه خلال ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما «ولكن في حينه، كان بإمكان نتنياهو الظهور أمام مجلسي الكونغرس ومهاجمة سياسة الرئيس. أما اليوم، فلا توجد أغلبية في هذين المجلسين حتى من أجل دعوته. ولعل هذا هو المؤشر الأبرز لضعف رافعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة حول القضية الإيرانية».
وجنبا إلى جنب هذا الصراع الخفي، حذر عدد من كبار المسؤولين المتقاعدين في الجيش الإسرائيلي من «الخطر الاستراتيجي الإيراني»، مؤكدين أن النووي ليس وحده الخطير، وأن هناك أموراً أخرى تحتاج إلى «استئصال استراتيجي». وقال العميد حسون حسون، السكرتير العسكري الأسبق لرئيس الحكومة ورئيس الدولة خريج شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن «جميع الضربات الإسرائيلية والأميركية ضد إيران لم تثنها عن مخططها الاستراتيجي للهيمنة على الشرق الأوسط، وأوسع من ذلك. فالقيادة الإيرانية تتمدد بنفوذها، وتسعى إلى تحويل كل شعوب المنطقة إلى التشيع، وما تفعله في سوريا اليوم يدل على ذلك بشكل صارخ، فهي تمتلك عقارات وتجلب كميات هائلة من الإيرانيين لتغيير التركيبة السكانية، وتحول البلد إلى جبهة عريضة ضد إسرائيل، وتفعل الأمر نفسه في العراق وفي جنوبي لبنان».
وأضاف أن «القيادة الإيرانية معروفة بالصبر الطويل. والضربات الإسرائيلية توجعها، ولكنها لا تردعها، فهي تمتص الضربات، وترجع خطوة إلى الوراء ثم تتقدم خطوتين. ولا يهمها أن تفقد أشخاصاً، فالأشخاص مجرد أدوات في المعركة الاستراتيجية. حتى فقدانها قاسم سليماني ليس بالأمر الأساسي لأنهم يعدون غيره».
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» عن رئيس لواء أساليب القتال والحداثة في الجيش الإسرائيلي، عيران نيف، تحذيره من أنه عدا النووي الإيراني، فإن «الصواريخ الدقيقة في حوزة (حزب الله) اللبناني تمثل التهديد الأكبر على إسرائيل اليوم، وهذا هو الحدث. وتجري حوله تقييمات للوضع. وهذا هو السيناريو في التدريبات. وكل شيء موجه إلى هناك». وقال حسون إن الجبهة التي تعدها إيران ضد إسرائيل تمتد من الجولان في سوريا حتى رأس الناقورة في لبنان.