نفوذ ترمب قد يعطل استعادة وسطية الحزب الجمهوري

تتجه الأنظار إلى مؤتمر العمل السياسي المحافظ الذي سينعقد، بعد غدٍ (الأحد)، في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا، حيث ينتظر أن يلقي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كلمة فيه يرجح أن تعيد تسليط الضوء عليه، محلياً وعالمياً. ويكتسب المؤتمر هذا العام أهمية استثنائية، في ظل حالة الانقسام التي تسود الحزب الجمهوري، بعد النتائج التي أفرزتها انتخابات عام 2020، وما تلاها من أحداث تُوجت بالهجوم على مبنى الكابيتول من أنصار ترمب.
وشكلت محاكمته لحظة فارقة بعد انضمام عدد متزايد من الجمهوريين إلى صفوف معارضيه، في الوقت الذي يعلن فيه ترمب أنه سيواصل على الأقل لعب دور رئيسي في حياة الحزب الجمهوري، وقد يترشح مجدداً في انتخابات 2024. ويسعى قادة الحزب إلى محاولة استعادة وحدتهم، عبر محاولة التركيز على ما يجمعهم، خصوصاً عبر التركيز على تصعيد هجومهم على إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، في تقليد أميركي معهود من حزب خارج السلطة ضد الحزب الحاكم. وقد تشكل محاولتهم التصدي لمشروعه لتقديم حزمة مساعدات ضخمة بقيمة 1.9 تريليون دولار، أحد أبرز الجهود لتوحيد مواقفهم، ناهيك من هجماتهم التي تصاعدت أخيراً ضد سياساته في الهجرة والعودة إلى الاتفاقات الدولية والتجارية والصين. غير أن حدة الانقسام التي يعبر عنها بالهجمات المتواصلة التي يشنها رموز هذا الانقسام، والتي تكثفت جراء الخلاف الكبير الذي اندلع بين ترمب والسيناتور ميتش ماكونيل كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ، قد تعقّد مساعي الوحدة.
ولم يكتف ترمب بالهجوم على ماكونيل، واصفاً إياه «بالقاس والمتجهم الذي لا يبتسم» بل هدد كل الذين صوتوا ضده خلال محاكمته، بحرمانهم من الفوز في انتخابات التجديد النصفي عام 2022. لكن استراتيجيين جمهوريين يحذرون من أن هذه التهديدات قد تلعب دوراً معاكساً، وقد تؤدي إلى حرمان الحزب من الفوز في مواجهة الديمقراطيين، الذين يتوقع أن تحافظ تياراتهم على التمسك بوحدتهم لإنهاء «حقبة ترمب»، التي يخشون عودتها مرة أخرى. وتتجه الأنظار مجدداً إلى نائب الرئيس السابق مايك بنس، للعب دور في رأب الصدع بين المؤسسة الجمهورية التقليدية وتيار ترمب. ويؤكد عدد من مساعديه أنه استعاد التواصل مع ترمب، وأجرى معه سلسلة من المحادثات المباشرة وغير المباشرة، في محاولة لطي صفحة خلافاتهم، بعد هجوم ترمب عليه واتهامه بالضعف خلال جلسة تأكيد نتائج الانتخابات في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن بنس الذي لا يزال يتمسك بمقاطعته لأعمال مؤتمر المحافظين، شكل ظهوره أمام لجنة الدراسة الجمهورية التي اجتمعت يوم الثلاثاء، أول الإشارات عن مستقبل تحركه السياسي بعد «افتراقه» عن ترمب. فقد ناقش المجتمعون كيفية استعادة الأغلبية في مجلس النواب، حيث حاول بنس الظهور كوسيط بين التيارين اللذين يقسمان الحزب، بين المؤسسة التقليدية وتيار ترمب. وقال أحد مساعديه لموقع «باور آب» إنه استعرض إنجازاته في السنوات الأربع الماضية، داعياً إلى التركيز على وجوه جديدة تستطيع استعادة وحدة الحزب. لكن الاجتماع ضم ممثلين من ضفتي الانقسام؛ من أولئك الذين يرفضون أي دور لترمب في مستقبل الحزب، أمثال النائبة الجمهورية ليز تشيني التي صوتت لعزله، إلى أولئك الذين لا يزالون يرفضون الاعتراف بهزيمته.
ولا يخفى أن بنس يطمح مع غيره من «الجمهوريين الأقوياء» كوزير الخارجية السابق مايك بومبيو والسيناتور توم كوتون والسيناتور تيد كروز والسيناتور ماركو روبيو للترشح للرئاسة عام 2024. ولكن مع خطط ترمب للترشح، التي يُتوقع أن يكشفها، أو على الأقل الإيحاء بها في كلمته أمام مؤتمر المحافظين الأحد، فقد تتعطل حظوظهم في تحديه، في الوقت الذي تكشف فيه استطلاعات الرأي أن أكثر من 60 في المائة من قاعدة الجمهوريين تدعم ترشحه. لا بل تؤكد اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري أن أكثر من 25 مليون عضو جديد انضموا إلى الحزب منذ فوز ترمب بالرئاسة، قبل أربع أعوام، وهو ما قد يمنحه عن جدارة القدرة على التأثير على اختيار ممثلي الحزب في الانتخابات النصفية عام 2022.
ويضيف مساعد بنس أن «مستقبله سيتم تحديده من خلال كيفية تفاعل ترمب معه، رغم احتفاظه حتى الآن باحترام المؤسسة السياسية الجمهورية التقليدية». لكن علاقته التي اهتزت بقاعدة ترمب التي لا تزال هي الأكبر وهتفت ضده، سواء في أريزونا أو في مبنى الكابيتول حيث دعا بعضهم إلى شنقه، ومن دون التصالح معها فقد تكون حظوظه الرئاسية معدومة. ولعل تصريحات السيناتور الجمهوري ميت رومني الذي صوت مع 7 جمهوريين في مجلس الشيوخ على عزل ترمب، تلخص واقع مؤسسة الحزب التقليدية ومستقبلها، وحدود الرهان على «وسطية» ما، يحاول هو وغيره اجتراحها في هذه المرحلة الحساسة.
قال رومني للصحافيين: «الرئيس ترمب وشعبويته يشكلان إلى حد كبير الغالبية العظمى في حزبنا، وأشخاص مثلي من المحافظين التقليديين هم أقلية صغيرة جداً»، بحسب وكالة «رويترز».