قوات الأمن تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين في ميانمار

تجمع أمس (السبت)، مئات من عناصر الشرطة في حوض بناء السفن ياداناربون في ماندالاي ثاني أكبر مدن ميانمار والمطلة على نهر إيراوادي، في محاولة لمنع العمال المشاركة في التحركات المناهضة للانقلاب. فيما نظمت جماعات عرقية احتجاجاً أمس (السبت)، في إظهار للمعارضة للانقلاب الذي أطاح بحكومة أونغ سان سو تشي، على الرغم من بعض المخاوف بشأن التزامها بطموحات تلك الجماعات في الحكم الذاتي والحقوق المدنية، حسبما قال ممثلون لتلك الجماعات.
وقرع المتظاهرون ماندالاي على الأواني في خطوة أصبحت رمزاً للتحدي، مطالبين الشرطة بالمغادرة. إلا أن الشرطة أطلقت الرصاص الحيّ والمطاطي لتفريق المتظاهرين. وقُتل متظاهران وجُرح نحو 30 آخرين غداة وفاة شابة كانت أول ضحية للقمع العسكري. وقال مدير فريق الإسعاف في ماندالاي هلاينغ مين أو، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، إن شخصين قُتلا بينهم قاصر أُصيب برصاصة في الرأس، مضيفاً أن نصف الجرحى البالغ عددهم نحو ثلاثين «أُصيبوا برصاص حيّ». وفي وقت سابق، قال عامل صحي رفض الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية: «استقبلنا ستة رجال مصابين بجروح بالرصاص، بينهم اثنان جروحهما بالغة». وأضاف أن أحد الجرحى أُصيب في البطن ولا يزال «في حالة حرجة». وتابع: «نقلنا الأشخاص الذين أُصيبوا بجروح بالغة والذين يُعدون في حالة حرجة إلى مكان آخر لتلقي عناية مركزة، لكن لا يمكننا الكشف عن هذا المكان». وأكد طبيب في المكان أيضاً استخدام الرصاص الحيّ. وبرر نقلهم إلى مكان آخر بالقول: «ليست لدينا أدوية كافية لهم لمعالجتهم هنا». وفي موقع التظاهرة، عُثر على أعيرة نارية فارغة بالإضافة إلى كريات معدنية. وتسمع في فيديو بثّه أحد السكان مباشرةً عبر موقع «فيسبوك»، أصوات طلقات. وقال الشخص الذي يصوّر وبدا كأنه يختبئ في ورشة بناء قريبة: «يطلقون الرصاص بعنف»، مضيفاً: «علينا إيجاد مكان أكثر أماناً». ومنذ اندلاع التظاهرات منذ أسبوعين في كل أنحاء البلاد، تستخدم السلطات في بعض المدن الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين.
وتفجرت الاحتجاجات ضد انقلاب الأول من فبراير (شباط)، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة لسو تشي في جميع أنحاء البلاد. وتوفيت المحتجة ميا ثواتي ثواتي خاينغ يوم الجمعة بعد إصابتها برصاصة في الرأس الأسبوع الماضي، عندما فرقت الشرطة حشداً في العاصمة نايبيتاو، وهي أول حالة وفاة بين معارضي الانقلاب في الاحتجاجات. وأكد طبيبها لوكالة الصحافة الفرنسية أن جرحها كان ناجماً عن إصابة برصاص حيّ. وتؤكد السلطات من جهتها، أن قوات الأمن لم تستخدم سوى رصاص مطاطي في ذلك اليوم. وستُقام مراسم دفنها الأحد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة حزنت لمقتل المتظاهرة وأدانت استخدام القوة ضد المتظاهرين. ويقول الجيش إن شرطياً توفي متأثراً بجروح أصيب بها خلال احتجاج. ويطالب المتظاهرون بإعادة الحكومة المنتخبة والإفراج عن سو تشي وآخرين وإلغاء دستور 2008 الذي تم وضعه تحت إشراف عسكري ويمنح الجيش دوراً حاسماً في السياسة. وتنتمي سو تشي (75 عاماً)، مثل كبار الجنرالات، لطائفة البورمان التي تمثل أغلبية. وروجت حكومتها لعملية سلام مع الجماعات المتمردة لكنها تعرضت لعاصفة من الانتقادات الدولية بشأن معاناة الروهينغا المسلمين الذين يمثلون أقلية بعد فرار أكثر من 700 ألف شخص من حملة قمع دامية عام 2017. وقال كي جونج وهو زعيم شاب من أقلية الناجا وأحد منظمي احتجاج السبت، إن بعض أحزاب الأقليات لا تشارك في الحركة المناهضة للانقلاب. وأضاف، كما نقلت عنه «رويترز»، أن «ذلك انعكاس لكيفية تقاعس سو تشي عن إقامة تحالفات مع أحزاب سياسية عرقية». وفي رانغون، نزل آلاف المحتجّين بالزي التقليدي، من جديد إلى شوارع رانغون، العاصمة الاقتصادية للبلاد. وهم يطالبون بإعادة الحكومة المدنية إلى الحكم وبالإفراج عن المعتقلين وبإبطال الدستور الذي يُعد مناسباً جداً للعسكريين.
وبعد ثلاثة أسابيع من الانقلاب الذي أطاح بالحكومة المدنية برئاسة سو تشي وأنهى عملية انتقال ديمقراطي هشّة كانت تمتدّ على عشر سنوات، لم تؤثر التنديدات الدولية والإعلان عن فرض عقوبات جديدة، على الجنرالات. وقُطعت خدمة الإنترنت بشكل شبه كامل لليلة السادسة على التوالي، وعادت إلى العمل صباحاً. وتم حظر موسوعة «ويكيبيديا» على الإنترنت، في كل اللغات. وتتواصل التوقيفات مع اعتقال نحو 550 شخصاً في أقلّ من أسبوعين (مسؤولين سياسيين وموظفين حكوميين مضربين عن العمل ورهبان وناشطبن...)، وفق ما أفادت منظمة غير حكومية تقدم المساعدة للسجناء السياسيين. وأُفرج عن نحو أربعين شخصاً فقط. ولا تزال الأزمة في صلب الأجندة الدولية. ويعقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الاثنين، اجتماعاً لمناقشة احتمال فرض اجراءات ضد الجيش. وحتى اليوم، لم تعلن الولايات المتحدة سوى عقوبات موجّهة ضد بعض الجنرالات، وكذلك كندا وبريطانيا القوة الاستعمارية السابقة. وحذّرت منظمة «حملة ميانمار في المملكة المتحدة» غير الحكومية من أن «معاقبة بعض القادة العسكريين هي خطوة رمزية مهمّة، لكن لن يكون لديها تأثير كبير». وأضافت أنه «من غير المرجّح أن تكون لديهم أصول للتجميد في الاتحاد الأوروبي، ومنعهم من الحصول على تأشيرة لا يعني شيئاً سوى منعهم من تمضية إجازة»، داعيةً إلى اتخاذ تدابير ملزمة موسعة ضد التكتلات النافذة التي يسيطر عليها العسكريون. وتعد بكين وموسكو الحليفتان التقليديتان للجيش في الأمم المتحدة أن الأزمة في بورما «شأن داخلي» للبلاد.