«انتعاشة اللغة»... كتابات في الترجمة لعبد السلام بنعبد العالي

عن «منشورات المتوسط» بإيطاليا، صدر أخيراً للباحث المغربي عبد السلام بنعبد العالي كتاب جديد بعنوان «انتعاشة اللغة... كتاباتٌ في الترجمة»، قدم له الناقد والمفكر المغربي عبد الفتاح كيليطو بكلمة شرح فيها تأكيد بنعبد العالي على أن الترجمة «قضية الفلسفة» وموضوعها الأساس، من منطلق أن كل فيلسوف يجد نفسه متنقلاً ذهاباً وإياباً بين لُغَتَيْن (على الأقل)، حتى في حالة عدم إلمامه بلسان آخر غير لسانه.
وركز كيليطو على أهمية هذا الكتاب، فكتب: «الآن وقد قرأتُ ما كَتَبَهُ عبد السلام بنعبد العالي في الترجمة، أجدُني أنظر إلى الأمور بمنظار آخر. وهذا ما يحدث عادة مع الدراسات الجادة والمبدِعة، فهي تُغير نظرتنا إلى الأشياء، بطرحها أسئلة جديدة، قد تكون مخالفة تماماً لمُسلماتنا، ولما تعودنا على اعتقاده. الآن تبدو لي كل ترجمات (ألف ليلة وليلة)، حتى تلك التي تتصرف في النص بصفة مقيتة، شيئاً ثميناً، لا يُستغنى عنه. إنها تُثري الكتاب، وتضيف إليه دلالاتٍ ومعاني وصوراً، لا ترد في صيغته الأصلية. قد نتصور ترجمة له، تكون نهائية (ومَنْ ذا الذي لا يتمناها؟)، ولكنها ستكون، حتماً، علامة على انعدام الاهتمام به، وإيذاناً بأفوله وموته. إن تاريخ الفلسفة هو في العمق تاريخ الترجمة، وقد تكتسي الترجمة مظهر الشرح والتعليق، كما هو الشأن عند ابن رُشد. أن تدرسَ أرسطو معناه أن تشرحَهُ، أن تُحوله من لغة إلى لغة، من خطاب إلى خطاب، وهذا التحويل هو ما يوفر للفلسفة حيويتها ونشاطها».
وتتميز دراسة بنعبد العالي، على رأي كيليطو، بكونها «أول دراسة فلسفية أُنجِزَت عن الترجمة في الثقافة العربية المعاصرة»؛ إذ «من خلال الترجمة يُعيد النظر في قضايا فلسفية جوهرية كالهُوية والاختلاف، الأصل والنسخة، الوحدة والتعدد، الأنا والآخر». وأحياناً يلجأ إلى الإشارة والتلميح، كأن يلاحظ أن «أزهى عصور الفكر غالباً ما تقترن بازدهار حركة الترجمة»، فيتوجه القارئ بفكره تواً إلى ضآلة الترجمة عندنا وضمورها، ويتأمل بحسرة ساحتنا الثقافية التي لا يستطيع أحد وصفها بالازدهار.
ونقرأ على ظهر كتاب بنعبد الله الجديد الذي جاء في 272 صفحة من القطع الوسط، قولاً لأبي حيان التوحيدي، من «المقابسات»: «ولو كنا نفقه عن الأوائل أغراضهم بلغتهم، كان ذلك، أيضاً، ناقعاً للغليل، وناهجاً للسبيل، ومُبلغاً إلى الحَد المطلوب. ولكنْ، لا بد في كل علم وعمل من بقايا، لا يقدر الإنسان عليها، وخفايا لا يهتدي أحد من البشر إليها».
ومما جاء في هذا الكتاب: «عندما يؤكد بورخيس على أن النص لا يُعتبر أصلياً إلا من حيثُ كونه إحدى المسَودات الممكنة التي تعبد الطريق لنص، سيُكتَب بلغة أخرى، فهو لم يكن يريد أن يُعلي من شأن النص - النسخة، لينتقصَ من النص - الأصل، كما لو أن نص الترجمة هو النص المهذب المشذب، النقي الطاهر، في مقابل الأصل الذي ليس إلا مُسودة تنتظر أن تلبس لغة أخرى، كي تجد صفاءَها وطهارَتها. ربما كان مسعى المفكر الأرجنتيني أن يبين على العكس من ذلك، أن الترجمة إذ ترى في الأصل مُسودة، فإنها تنظر إلى كل نص على أنه، دوماً، قبل – نص. بهذا تغدو الترجمة نوعاً من التنقيب عن مُسودات الكاتب الثاوية خلف مُبيضته. فكأن مسعاها هو أن تعيد إلى النص مخاض ميلاده، فتنفخ فيه الحياة من جديد، وتلبسه حياة أخرى ولغة أخرى».
ولبنعبد العالي مؤلفات كثيرة، بينها: «الفلسفة السياسية عند الفارابي»، و«أسس الفكر الفلسفي المعاصر»، و«حوار مع الفكر الفرنسي»، و«لا أملك إلا المسافات التي تُبعدني»، و«في الترجمة»، و«ضيافة الغريب»، و«جرح الكائن»، و«القراءة رافعة رأسها»، و«ضد الراهن»، و«الكتابة بالقفز والوثب». وله في الترجمة: «الكتابة والتناسخ»، و«أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية» لعبد الفتاح كيليطو، و«درس السيميولوجيا» لرولان بارت، و«الرمز والسلطة» لبيير بورديو.