تحليل إخباري: الجنرالات يتركون الحلبة السياسية الإسرائيلية

بعد سنتين على تأسيس حزب جنرالات في إسرائيل، وضع قادته، نصب أعينهم، الإطاحة برئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي اعتبروه «يشكل خطراً استراتيجياً»، وبعد أن منحهم الناخبون الثقة ونحو 1.2 مليون صوت و33 مقعداً، بدأ الجنرالات المؤسسون يغادرون ويتركون الساحة السياسية لنتنياهو، ولغيره من المدنيين. وهم يفعلون ذلك بطريقة بائسة، فيها شيء كثير مما يسمى بالعسكرية «جرجرة أذيال الهزيمة». وهي أصعب ما يصيب القادة العسكريين في حياتهم. والتاريخ شهد على جنرالات فضّلوا الانتحار، على أن يعيشوا مع الهزيمة.
آخر هؤلاء الجنرالات، موشيه يعلون، الذي أعلن من على صفحته في الشبكات الاجتماعية، أمس (الاثنين)، عن اعتزال السياسة. وفي لحظة صدق مع الذات، كتب: «أقدمت على عدة خطوات تهدف إلى تكبير المعسكر المناهض للحكومة، لكنني أخطأت التقدير، والطبيعي في هذه الحالة أن أتنحى جانباً».
ويعلون ليس أي جنرال. إنه أحد القادة العسكريين الذين كانوا مبجلين لدى الإسرائيليين. اشتهر بترؤسه فرقة الكوماندوز التابعة لرئاسة الأركان، التي قادها بنفسه لاغتيال القائد الفلسطيني، خليل الوزير (أبو جهاد)، في بيته بتونس. وقد أصبح رئيساً لأركان الجيش، ووضع لنفسه هدفاً هو كسر الانتفاضة الفلسطينية. وبعد التسريح من الجيش انتخب وزيراً للأمن. والإسرائيليون يعدونه يميناً سياسياً ويشيدون بنظافة يده. وقد دخل السياسة عبر حزب الليكود، وكان جنباً إلى جنب مع نتنياهو، ولكنه انسحب من الليكود، وأسس حزب «تيلم»، آملاً المساهمة في إطاحة نتنياهو.
وعندما أقام الجنرال بيني غانتس حزب الجنرالات «حوسن ليسرائيل» (مناعة إسرائيل)، سوياً مع الجنرال غابي أشكنازي، و9 جنرالات آخرين من خريجي الجيش والمخابرات، يساندهم من الخارج جنرالات آخرون، مثل رئيس الأركان السبق دان حالوتس، تحالفا معاً وضما إلى التحالف، حزب «يش عتيد» برئاسة الكاتب الصحافي والنجم التلفزيوني، يائير لبيد، ليشكلوا معاً خليطاً من النجوم المحببين وسط الجمهور الإسرائيلي. لكن نتنياهو تمكن من تهشيم حزبهم في سنتين. وحزب الجنرالات تفتت إلى 5 أحزاب. والقسم الذي قاده غانتس تقلص إلى 17 نائباً عند دخول الحكومة، وإلى 9 نواب حتى يوم أمس، والاستطلاعات تشير إلى أنه سيتقلص إلى 4 – 5 نواب.
أما الجنرال أشكنازي، فقد أجرى مراجعة لنفسه وقرر أن يعتزل قبل يعلون. والجنرال رون خلدائي، رئيس بلدية تل أبيب - يافا، الذي دخل المعركة قبل 3 أسابيع مرشحاً لرئاسة الحكومة ومنحته الاستطلاعات 10 مقاعد، تقلص إلى صفر مقاعد، فيدرس الآن الانسحاب والاعتزال. وحلفاء غانتس السابقون يطالبونه بأن يعتزل السياسة، هو الآخر.
اعتزال العسكريين والمطالبة الصريحة بأن يعتزل أولئك الذين لم يعتزلوا بعد، مؤشر لظاهرة لافتة في المجتمع الإسرائيلي. فقد بدأ نجم الجنرالات بالأفول، والتيجان على أكتافهم أخذت تفقد بريقها. أحد استطلاعات الرأي العميقة، التي أجراها معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، ونشر نتائجها، في اليوم الثاني من مؤتمره، يوم الأربعاء الماضي، وجد أن شعبية الجيش ما زالت الأعلى بين المؤسسات الإسرائيلية الأخرى، لكنها هبطت بشكل حاد من 92 في المائة إلى 80 في المائة. وهناك أسباب لهذا الهبوط، منها أن اليمين الإسرائيلي يدير حملة ضد الجيش وقادته منذ عدة سنوات بشكل منهجي. وعملياً، منذ أن منع الجيش نتنياهو من شن توجيه ضربة عسكرية لإيران، سنة 2010. في حينها، بدأت صحف اليمين ومواقعه الإخبارية ومؤسساته البحثية، تهاجم الجيش ولا تتردد في التشكيك بقدراته العسكرية وتتهمه بعدم الجاهزية للحرب، بل تتهمه بتبذير الأموال. وزاد هجومها عليه بسبب تنفيذه بعض القرارات القليلة لهدم بيوت في البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية المحتلة. ولا يتورع شبيبة المستوطنين المتطرفين عن مهاجمة جنود الجيش.
وعندما دخل الجنرالات الحلبة السياسية بهدف إسقاط نتنياهو، تحول الجيش إلى مرمى أسهل للسهام. لهذا، رأينا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، يستغل منبر المؤتمر المذكور ويطلق تصريحاته النارية حول إيران، ويوجه النقد لإدارة الرئيس جو بايدن لنيته العودة إلى الاتفاق النووي. لقد كان كوخافي الخطيب الرئيسي في المؤتمر وتحدث عن أشياء كثيرة، ولكنه تجاهل الحديث عن هبوط شعبية الجيش. وتم انتقاده على هذا. لكن من يتعمق في خطابه، يجد أن كل كلمة فيه كانت تتعاطى مع هبوط شعبيته. فقد أزعج المؤسسة العسكرية أن غالبية الإسرائيليين قلقون من الصراعات الداخلية وتمزق المجتمع، وقلقون من «كورونا» أكثر من القلق من احتمال نشوب حرب. وقد دبّ الرعب في قلوبهم، عندما قال إن إسرائيل ستدمر أعداءها، ولكن مدنها ستتعرض لقصف شديد بمئات الصواريخ. وقصد التذكير بأن الجيش هو الذي يحميهم من الأخطار وأن هذه الأخطار حقيقية.